لا دعم حكومياً لأطفال التوحّد في العراق

لا دعم حكومياً لأطفال التوحّد في العراق

19 اغسطس 2020
طفل يعاني من التوحّد (كريستوف أركامبولت/ فرانس برس)
+ الخط -

حتّى وقت قريب، لم تكن تظهر على إبراهيم أي علامة تشير إلى إصابات بأي اضطراب، باستثناء تأخّره في النطق مقارنة بأقرانه. وما إن بلغ عمره نحو عامين، حتى تغير سلوكه وبات أكثر انعزالاً وميلاً إلى البكاء والصراخ وتكرار بعض الحركات. هذا الأمر دفع والدته لأخذه إلى الطبيب ليكتشف أنه مصاب باضطرابات طيف التوحد، وأنّه واحد من آلاف الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، كما تقول والدة إبراهيم لـ "العربي الجديد"، وهي من سكان محافظة ديالى، شرقي العراق.
ما من إحصائيات رسمية حول عدد المصابين بالتوحد في العراق. إلا أن خبراء في مركز البحوث التربوية والنفسية يقدرون أن عدد الأطفال المصابين بالتوحد يتراوح ما بين سبعة إلى تسعة آلاف طفل مسجلين في أكثر من عشرين مركزاً في مختلف أنحاء البلاد. ولا يوجد في العاصمة العراقية بغداد إلا مركز حكومي واحد (مركز بغداد الحكومي للتوحد)، بينما يتوزع عدد من المراكز الأهلية، أشهرها مركز رامي لرعاية التوحد وبطيئي التعلم وصعوبة التخاطب والنطق، ومعهد الرحمن التخصصي لرعاية التوحد واضطراب النطق في منطقة اليرموك. وفي مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، مركز حكومي يضمّ نحو 350 حالة. أما في مدينة كلار (محافظة السليمانية في إقليم كردستان)، فتوجد 200 حالة بحسب رئيسة جمعية التوحد ازار عثمان عارف. وفي عام 2011، حددت جامعة كامبريدج البريطانية نسبة الإصابات بالتوحد في العراق بنحو 75 لكل عشرة آلاف شخص.

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهتها، تقول رئيسة مركز أبحاث الطفولة والأمومة في جامعة ديالى، أسماء عبد الجبار، لـ "العربي الجديد"، إن اضطرابات طيف التوحد عبارة عن مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ. ويواجه الفرد صعوبات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه، ومحدودية وتكرار مخزون الاهتمامات والأنشطة التي لديه، مشيرة إلى أنه يؤثر على سلوكه وتواصله الاجتماعي وكيفية إدراكه لمن حوله. ويمكن اكتشاف التوحد مبكراً قبل أن يبلغ الطفل عامه الأول. لكن على الأغلب، يشخّص بعد سن الثانية أو الثالثة، والأسباب الحقيقية لهذا الاضطراب غير معروفة حتى الآن.
توضح عبد الجبار أنّ هناك أسباباً وراثية وبيئية للإصابة بهذا الاضطراب. في ما يتعلّق بالشق الوراثي، يعتقد الأطباء أن التوحد يتعلّق بالجينات الوراثية. فيما تشير دراسات إلى أن رفض الأم للطفل أثناء فترة الحمل وتعسّر الولادة قد يؤديان إلى معاناة الطفل من هذا الاضطراب. 
وتقول عبد الجبار إنّ محافظة ديالى شرقي العراق، وباقي المدن العراقية الأخرى، في حاجة إلى وجود أطباء متخصصين ليتمكنوا من تشخيص الاضطراب، إضافة إلى معلمين متخصصين. تضيف أن العراق من البلدان المتأخرة جداً لناحية عدد المدرسين الكفوئين. وغالباً ما تلجأ العائلات إلى الأطباء النفسيين، ما يفاقم الحالة بدلاً من أن يعالجها، لأن غالبية الأدوية التي يصفونها هي عبارة عن مهدئات ومنومات، ولا يمكن علاجها بهذه الطريقة. 
وتؤكّد عبد الجبار أن هناك برامج خاصة يجب اعتمادها مع الذين يعانون من التوحّد. لكن للأسف، تفتقر محافظة ديالى إلى وجود معهد أو مركز لاستقبال هؤلاء الأطفال. والمراكز التي أنشئت تفتقر إلى كادر مؤهل لعلاج الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب.
في هذا السياق، يقول مدير معهد البلسم لرعاية أطفال التوحد واضطرابات النطق، راضي الكبيسي، لـ "العربي الجديد": "أنشئ المعهد منذ عام 2016 نظراً لازدياد أعداد المصابين بهذا الاضطراب. معهدنا يغطي كل مناطق مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، غربي العراق. لدينا 34 حالة، وقد استجابت سبع حالات لبرامج التدريب والتأهيل وتم قبولها في المدارس. لكن بعض الحالات ما زالت موجودة منذ افتتاح المعهد".
يؤكد أن بعض أصحاب رياض الأطفال يعمدون إلى تسجيل الأطفال الذين يعانون من التوحد، من دون أن يكون لديهم كادر متخصص في التعامل مع هذه الحالات. حتى أن بعض المراكز المتخصصة بالتوحد أغلقت بعد فترة من افتتاحها لأنها لا تقدم الخدمة الحقيقية للأطفال المصابين، ولا يتم تحسين حالة الاضطراب لديهم.
يضيف: "عليه، قمنا بتدريب كادرنا في معهد البلسم المكون من عشر معلمات أخذن دورات خاصة حول كيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال. والتواصل مع أطفال التوحد يتطلب الصبر". ويقول إنه يشرف على مركزين آخرين بشكل طوعي في محافظة الأنبار لتدريب الكوادر على كيفية التعامل مع الأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد. 
يوضح الكبيسي أنه ليس هناك دعم مقدم من أي جهة، "ونعتمد على إمكانياتنا الذاتية. حتى أن بعض الأطفال المصابين بهذا الاضطراب يدخلون المعهد مجاناً نظراً لظروفهم المعيشية الصعبة، بينما يدفع آخرون 200 ألف دينار (نحو 170 دولارا). وهذه الأموال تُدفع كبدل إيجار لمبنى المعهد والحافلات التي تقلهم ورواتب المعلمات. لكنها بالطبع غير كافية، إذ لا يتم دعم المعهد من قبل الجهات الحكومية أو ذات العلاقة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

يشار إلى أن الأمم المتحدة حددت يوم الثاني من إبريل/ نيسان من كل عام يوماً للتوعية حول اضطراب طيف التوحد (Autism). وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، فإن التوحد يصيب واحداً من كل 160 طفلاً حول العالم، ويكون الذكور أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب بأربع مرات مقارنة بالإناث، إذ يصيب التوحد واحداً من كل 37 طفلاً ذكراً، وواحدة من بين كل 151 طفلة حول العالم.

المساهمون