Skip to main content
لا تكونوا كبش فداء
محمود البازي (سورية)
تجري الأحداث في الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأميركية بوتيرة متسارعة جدا، إذ تزامنت زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة الأميركية مع أحداث كثيرة. لعل أبرزها الإقالات التي قام بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتشكيله حكومة "حرب" على ما يبدو. من جهة أخرى، أطلق الحوثيون صواريخ بالستية باتجاه الرياض، تضاربت الروايات حولها: هل تمّ إسقاطها أم أفلت بعضها من القبة الحديدية السعودية؟
في الوقت نفسه، هاجم ولي العهد السعودي الاتفاق النووي الإيراني، ودعا إلى تغييره، لأنه وبحسب تعبير الأمير "متابعة حصولهم على هذه القنبلة يعني أنك تنتظر إطلاق الرصاصة على رأسك. ولذا من الضروري أن نتحرك فورا واعتبارا من اليوم"، متهماً الحكومة الإيرانية بالسعي إلى تطوير الأسلحة النووية، لكي تستطيع العمل في الشرق الأوسط بحرية من دون خوف من معاقبتها.
محاولة فهم هذه الأحداث المتسارعة يبدأ من القدرة على ربط كل هذه الأحداث مع بعضها بعضا: إقالة وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، بسبب موقفه الخاص تجاه حصار قطر وتجاه الاتفاق النووي الإيراني، المجيء بجون بولتون مستشارا لشؤون الأمن القومي، وهو الذي حاول مرارا وتكرارا إقناع إسرائيل بضرب إيران.. كل هذه الأحداث مجرد جعجعة لن تدفع أحدا إلى شن حرب ضد ايران.
ستنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني قريبا، حسب المعطيات الموجودة. وفي المقابل، لن تنسحب الدول الأوروبية لم من الاتفاق، لأنه يعتبر من الانتصارات الاستراتيجية لهذه الدول. من يريد إلغاءه هم الإسرائيليون المعارضون الرئيسيون له منذ البداية، وهو اتفاق تم رغما عنهم. كل هذه الجعجعة هي لدفع دول الشرق الأوسط باتجاه سباق التسلح وشراء أسلحة من الولايات المتحدة وإشعال المنطقة بحروب شيعية سنية.
اشترت منطقة الشرق الأوسط 32% من جميع صادرات السلاح في العالم، واحتلت السعودية المركز الثاني عالمياً والأول عربياً في شراء السلاح بعد الهند، وقد رفعت نسبة وارداتها إلى ثلاثة أضعاف.
يسعى ترامب جاهدا إلى تحقيق ما وعد به في حملته الانتخابية، حين قال إن على السعودية أن تدفع لقاء حمايتنا لها، وحين وعد بإيجاد فرص عمل للشباب الأميركي. وهو بالفعل يحقق أجزاء من هذه الوعود لقاء مخاطر وهمية يخترعها. وبالتالي، إن بقيت الأمور على ما هي عليه سوف ينتصر في الانتخابات المقبلة على حساب الحكومة السعودية.
على من يريد ضرب إيران عسكريا أن يتحمل النتائج المترتبة على هذه التصرفات، فلو أن إسرائيل تريد ضرب إيران عليها أن تتهيأ جيداً وتحضر ملاجئها تحت الأرض، فالحرب اليوم مختلفة عن كل الحروب السابقة، إذ ستكون شاملة، وليس لها نهاية إلا بإبادة طرف من أطراف الحرب.
الإسرائيليون محاطون اليوم من كل الجهات، من جهة لبنان هناك حزب الله، ومن سورية ومن فصائل المقاومة في الداخل الفلسطيني، ومن العراقيين حيث الحشد الشعبي ومن صواريخ إيران البالستية المخصصة لضرب إسرائيل من الداخل الإيراني، ومن القواعد التي أنشأتها في سورية، بالتالي إسرائيل لن تدخل الحرب. على السعودية ألا تحرّض ضد إلغاء الاتفاق النووي، أو ضرب إيران، لأنها ستكون الخاسر الأكبر، لأن مثل هذه الحروب ستدفع العراقيين للهجوم على الأراضي السعودية، وتفتح المجال واسعا أمام الحوثيين لمهاجمة السعودية من الأراضي اليمنية، كما سوف يستهدف الإيرانيون جميع المصالح الأميركية والقواعد العسكرية في منطقة الخليج في البحرين والسعودية والامارات.
إعادة لملمة البيت العربي بإيقاف الحصار على قطر والتفاهم حول سورية وعدم اختلاق أعداء جدد كالأتراك والجلوس مع الإيرانيين على طاولة حوار، هي مسائل ضرورية لحفظ أمن المنطقة، وأنت (محمد بن سلمان) لديك واجب أخلاقي بالقيام بهذه الخطوات وتجنيب المنطقة الانزلاق نحو الهاوية. فلتكن أموال التسليح والحروب لتطوير المملكة، والتقدم بها إلى أعلى المراتب، ولن تكون المملكة في حاجة فيما بعد لأية حماية أو وصاية من أحد.
على من يريد شن الحروب أن يتحمل نتائجها ويضرب بنفسه من دون تعريض مناطق الشرق الأوسط أو دول الخليج والشباب العربي للخطر، فكل نفسٍ بما كسبت رهينة.