لا تحاول الهروب

لا تحاول الهروب

15 سبتمبر 2020
عند صخور كورنيش المنارة في بيروت (العربي الجديد)
+ الخط -

عند السابعة صباحاً، بينما يبدأ كورنيش المنارة في بيروت بجذب هواة الرياضة، مشياً وركضاً، بما فيه من وجوه كئيبة سرعان ما يثيرها الحماس مع تصاعد جرعة الأدرينالين في الدم، وتحالفها مع الأندروفين، فتتابع نهارها متحملة كلّ صدماته المحتملة، فإنّ البحر الممتدّ أسفله بشاطئه الصخري يمثّل وصفة مباشرة مثلى لا تنتظر تصاعد الأندروفين، لمن يهوون الهرب من قيظ العاصمة ورطوبتها وغبارها، والاسترخاء في مياهه غير المثالية في نظافتها، لكنّها مع ذلك المتوفرة، بعيداً عن بلد كلّه هموم.
في هذه اللحظات الفريدة بينما يعوم الجسم فوق المياه، وتتعلق العينان بالسماء، وهما ترصدان شمساً واضحة وقمراً في الجهة المقابلة يكاد يختفي، فتمرّ نوارس جماعات وتعقبها غربان فرادى، ثم تغمضان فينعس الفكر ويتواءم مع الهدوء الشامل بعيداً عن الصخور وأقرب إلى السماء، ترتاح الخلايا من داخل نويّاتها وتنسى كلّ شيء. تنسى كلّ ما له علاقة بكورونا وتدابيره التي تساير الموضة العالمية ولا يُعرَف يقين بخصوصها فيما الناس مجبرون على الالتزام، وتنسى القروض المصرفية وسرقة المدخرات وتجميد غيرها في المصارف الشاطرة الذكية التي تقدم دروساً للعالم في ألمعيتها القادرة على صغار المودعين فقط، ومعها الأزمات السياسية التي يثير أقطابها القيء أكانوا من الداخل أم من الخارج. لا بأس يمكنك أن تتقيأ في البحر، فهو في كلّ الأحوال مصبّ للمياه الآسنة ومكبّ للنفايات مختلفة الأشكال، بل مخزن للمواد السامة التي ليست في أيّ بلد من البلدان قابلة للانفجار، فتمكن اللبنانيون من تحقيق هذا الإنجاز وفجروها.
هكذا تطفو على ظهرك فوق المياه، وتكاد تنام، بينما يسحبك الموج إلى بعيد في بالك المرتاح هذا، لكنّه في الواقع يتواطأ مع البلد بأكمله عليك، فيجنّ فجأة ويرتفع ليرمي بك على الصخور. تساعد نفسك بنفسك، وتحاول النهوض والتعرّف على جراح طارئة ألمّت بك بعد اطمئنانك على عظامك، لمساً ونظراً، من أعلى إلى أسفل. هي مجرد موجة صنعت بكَ كلّ هذا وأجبرتك على الابتعاد عن المكان إلى أقرب طوارئ أو صيدلية حتى.

موقف
التحديثات الحية

في الأيام التالية، بات لديك ما يشغلك، بعيداً كذلك عن الأزمات الصحية والمالية والسياسية. همّك الآن التخلص من كلّ تلك الآلام الجسدية الطارئة وشفاء الرضوض والجروح، وأنت تشكر الله أنّ عظامك لم تُكسر، حين حاولت أن تسرق لحظات هناءة ليست من حقك، إذ كيف تجرؤ على السباحة؟ من أنتَ كي تحاول التفكير في ما هو أبعد من تدبير معيشتك؟ هل حسبت أنّك أفضل من جميع هؤلاء البؤساء؟ الآن الفرصة ملائمة أمامك للعودة إلى كلّ تلك الهموم بعد شفائك من آلامك، ولا تحاول الهروب مجدداً.

المساهمون