لا أنتم تمثلون السنة ولا هم يعبرون عن الشيعة

لا أنتم تمثلون السنة ولا هم يعبرون عن الشيعة

07 نوفمبر 2017
+ الخط -
لا يبدو مقنعاً على الإطلاق أن تكون إيران، ومليشياتها التي تغرق في الجهل والإجرام ورغبة الانتقام، هي "ولية دم الحسين المظلوم" الذي خرج ضد كل تلك الآفات والممارسات. كما لا يبدو مقنعاً على الإطلاق أن تكون الدول السنية الغارقة في الفساد والاستبداد هي حامية حمى "السنة"، أو تسير على نهجها، وهي التي تقمع معارضيها السنة قبل معاديها الشيعة، وتتحالف للبقاء في الحكم مع الصهاينة ضد الطرفين.

وفي محاولة لقراءة التنافس الإقليمي على النفوذ في المنطقة وخاصة بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي جاوز ثلاثة عقود وأخذ أشكالاً مختلفة، يرصد المراقب لشكله الحالي بأن هذا الصراع في طريقه للارتطام النهائي مشعلاً حرباً طاحنة.

فما يجري اليوم من تصعيد غير مسبوق بين الطرفين يثير مخاوف من الانتقال من الحرب بالوكالة إلى الحرب المباشرة، محمولاً بإصرار الطرفين على إلباسها لبوساً طائفياً، رغم أن كليهما يعرف قبل غيره أن لا صلة لها بالمذهب. فلا إيران ببراغماتيتها التي قادتها للتحالف مع "الشيطان الأكبر" في أكثر من ملف وحقبة تمثل الشيعة، ولا السعودية التي باتت رأس حربة في مواجهة التيارات الإسلامية السنية تمثل السنة، ولا يمكن للبلدين أن يقنعا ذي بصر أو بصيرة بأنهما دول الدفاع عن المذهب.

 فمن معارك الفضاء الإعلامي وصولاً إلى حروب الوكالة، يبدو أن "داحس والغبراء" تقترب بوتيرة أسرع مما كنا نظن. فهذا التحريض المجنون في المنطقة والشحن الطائفي من شأنه أن يفضي لكارثة إذا لم يتحرك من تبقى من علماء وحكماء المنطقة لخفض منسوب هذه الكراهية الطائفية غير المسبوقة والتي يروج لها صحافيون ورجال دين ونخب.

وفي الوقت الذي شاع فيه قديماً بين المحللين والصحافيين مصطلح "كتاب التدخل السريع" للتدليل على من توظفهم الدولة ليسوّقوا وجهة نظرها، ويمتدحوا سلوكها، يبرز اليوم في الواجهة "مشايخ التدخل السريع" الذين يغيرون "بكبسة زر"، كما يقال، الفتاوى من التحريم إلى التحليل.

أو بالعكس حسب طلب ولي الأمر. وفي الجهة المقابلة الولي الفقيه، هذا البؤس يعكس المستوى الذي وصل إليه شكل الصراع السياسي في المنطقة، وقدرة هذه النظم الحاكمة على توظيف الدين بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الإسلامي الحديث. 

وبالعودة للصراع والتنافس الإقليمي بين السعودية وإيران، تبدو الرياض الأكثر تشجناً في مواقفها، وتصعيد لهجتها. برز هذا في اليمن، ويبرز الآن في ديباجة الاستقالة التي أعلنها الحريري من الرياض، وما تبعها من تصريحات لمسؤولين سعوديين، ما يعطي انطباعاً بأن المملكة باتت تشعر بقلق متصاعد من النجاحات التي يحققها المشروع الإيراني في سعيه المتواصل للهيمنة على عاصمة عربية تلو أخرى، بعد نجاحه في سحب الورقة تلو الأخرى من تحت عباءة الرياض التي يبدو أنها أدركت متأخرة جداً حجم الخطأ والخطيئة اللذين ارتكبتهما في العراق، الخطأ بالصمت، وربما التواطؤ العربي في حصار بغداد وصولاً لتمهيد الساحة للأميركان لاحتلالها وتقديمها على طبق من ذهب لطهران.

والخطيئة الكبرى التي تلت الاحتلال وتمثلت بترك الساحة العراقية لقمة سائغة لطهران وأحزابها، الأمر الذي انتهى بتحول بغداد لقاعدة إيرانية متقدمة في المنطقة. وبالمنطق التجريدي التحليلي لا تلام إيران على امتلاكها مشروعاً استراتيجياً منظماً، يمضي بشكل مخطط، فيما لا يمتلك الطرف الآخر، كما يبدو، مشروعاً استراتيجياً، ولا حتى خطة عمل يومية.

هذا العجز يغذي من شعور الإحباط لديه ويدفعه للتعبئة الطائفية التي تشكل قنبلة موقوتة لا مصلحة لأحد في المنطقة بانفجارها، فضلاً عن أن الانسياق وراء التفسير الطائفي للتنافس السياسي القائم، هو أمر مجانب للحقيقة، فسنة التدافع والتنافس لا تعرف مذهباً وهوية بل تبنى على صراع المصالح، واستعمال كل الأدوات لتحقيقها.

 وأذكر هنا ما قاله لي الشيخ الراحل حارث الضاري، عقب احتلال العراق في العام 2003، إذ التقيته إبان عملي الإعلامي في إحدى المؤسسات الإعلامية، وتحدث لي وقتها عن شعور السنة في العراق بالخذلان من موقف السعودية، التي نأت بنفسها عن دعمهم، واختارت بدلاً من ذلك دعم بعض المكونات الشيعية.

حديث الضاري هذا وممارسة الرياض تنفي تماماً البعد الطائفي في الصراع، فكيف للسعودية أن تدعم تيارات شيعية إذا كانت تقدم نفسها حامية للسنة، وكيف لطهران بالمقابل أن تدعم وتسهل عمل تنظيم القاعدة، وفق ما كشفت عنه وثائق الاستخبارات الأميركية أخيراً، إذا كانت تفكر بمنطق الطائفية وليس المصلحة.

وما هو التفسير لأن تصبح المملكة العربية السعودية رأس حربة في محاربة حركات الإسلام السياسي "السني"؟ كما بالمقابل كيف يمكن فهم دعم طهران لحركات المقاومة السنية؟ كل الأدلة التي سقناها أعلاه تجعل المراقب لا يتردد في نزع الصفة المذهبية الطائفية عن شكل الصراع القائم حالياً في المنطقة، ويصف بدلاً من ذلك سلوك النظامين بالبراغماتي المصلحي الذي يعلي من شأن المصالح على حساب المذاهب. كما تبدو الأزمة الخليجية الأخيرة مثالاً آخر واضحاً على سقوط نظرية الصراع الطائفي المذهبي عن التوترات التي تشهدها المنطقة.

  ولا يخفى أبداً تأثير العامل الخارجي في هذا الصراع، وتحديداً دور الولايات المتحدة في ضبط إيقاع ووتيرة العلاقة بين الفرقاء، بين التهدئة أحياناً، كالفترة التي شهدتها إدارة أوباما، والتحريض الشديد الذي نشهده اليوم في عهد ترامب. ويبرز هذا واضحاً في التصعيد السعودي أخيراً، والذي يسير وفقا لتوجيهات واشنطن ورغباتها، فترامب الغاضب من إيران والساعي لتقليم أظافرها هو الذي أوعز للرياض بإشعال الإقليم ضدها، بعد انتهاء "زواج المتعة" بين طهران وواشنطن الذي استمر طيلة عهد أوباما، لكن أكثر ما يثير الحيرة هو موقف العرب وحالهم، فهم يستدعون اليوم لتخريب ذلك الزواج الذي كان قائما رغم أنهم لم يكونوا أصلا مدعوين لحفل الزفاف، بل استدعوا فقط عقب نشوب الخلافات بين الأنسباء.

  المعطيات أعلاه تدق أجراس الخطر لضرورة الحذر من مآلات الحرب المجنونة التي تدفع إدارة ترامب المنطقة لها، فالحقيقة والمآل الوحيد الواضح فيها هو أن سيد البيت الأبيض الجديد لن يضحي بجندي أميركي واحد فيها، بل سيكون وقودها وضحاياها أبناء المنطقة سنة وشيعة، فيما يكتفي هو بتوقيع صفقات السلاح للطرفين.

 خلاصة القول إنه على الجميع في المنطقة تغليب لغة العقل والحكمة والولوج لحوار سياسي صريح حول الملفات كلها، وصولاً لحالة من التعايش أو "تعايش الضرورة"، فالحقيقة الوحيدة هي أن إيران والعرب موجودان قبل الإسلام، وسيبقيان، وأي زلزال مجنون سيبتلع الإقليم بكامله، بسنته وشيعته، ولا بد للطرفين من الوصول إلى كلمة سواء. على السنة التوقف عن التفكير بمنطق الأقلية، كما على الشيعة التوقف عن حمى المظلومية التي يورثونها أبا عن جد، فمثل هذه الأحقاد التاريخية عار ولا تبني مستقبلاً، عوضا عن بناء أمم وحضارات ودول.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.