لاجئٌ في بحيرة البجع

لاجئٌ في بحيرة البجع

21 ابريل 2016
كيفورك مراد / سورية
+ الخط -
1
في الحربِ
أنا مُقاتلٌ على هيئةِ لِص
أَسرِقُ من عدويَ ضحكتَهُ
وأشتري بها تَذكرةَ البقاء.


2
في الحربِ
أنا مدينةٌ أُمْيّةٌ
أُرْضِعَتْ منذُ أُولى لبناتِها لِبانَ القذائفِ
مدينةٌ أُمْيّةٌ
تتلمَذَ كلُّ ناسِها على يدِ الموت
وأتقنوا لغةَ المَجزرة
وحفظوا عن ظهرِ قلبٍ كلَّ آدابها


3
في الحربِ
أنا عاشقٌ تقطّعت بهِ سُبُلُ اللقاء
فاشترى لنفسهِ بندقيةً
واشترى رصاصةً يتيمةً
واعتكفَ في مِحرابِهِ
وراحَ يُقاتِلُ في صفِّ القصيدةِ
أمّا البندقيةُ: فلأنّ اسمكِ ريتا
وأمّا الرصاصةُ: فلأنّها حرفُ الرويِّ في قصيدتِهِ – الخلاص


4
في الحربِ
أنا تنينٌ آسيويٌّ لاجئٌ في بحيرةِ البجع
تنينٌ ماتَ أخوه الوحيد في حقلِ ألغامٍ قديم
فابتلعَ لهبَ حزنِهِ في جوفِهِ، ثُمّ ماتْ.


5
في الحربِ
أنا آخرُ ديناصورٍ نجا من فتنةِ الانقراض
القنابلُ العنقوديّةُ حصدتْ كلَّ بني جنسهِ
ماتوا جميعاً
الديناصورُ أبو الأجنحة
والذي نما على جلدِهِ زَغبُ الحمام
لا ذنبَ لهم، ماتوا
إلا أنّهم ليسوا من جنسِ الذئاب.


6
في الحربِ
أنا أنكيدو العظيم
أنكيدو الذي باعَ صديقَهُ الوحيد
صديقَهُ الذي "ثُلثاهُ إله"
آخذاً عنهُ نبتةَ الخلود
حواوا، يا وحشَ الغابةِ، ماتَ أنكيدو
أنكيدو – الشهيد


7
في الحربِ
أنا وأنتِ طائرانِ ساذجان
بنيْنا عُشَّنا في فُوهةِ راجمة
أنجبْنا آلافَ القذائف في بيوتِ الأبرياء
عاشَ الموتى منهمُ عصافير في الجنّة.


8
في قصيدتي عن الحربِ
أنا شاعرٌ أصبُّ اللغةَ عَذباً فُراتاً في فمي
كتنينٍ عطشانٍ سفَّ حَفنةً من ملحٍ
وتاهَ في صحراءِ المجاز


9
في ذاتِ القصيدةِ
تحاصرُني اللغةُ من زاويةِ الحَداثةِ
تُطالبُني بمصطلحاتٍ لا قِبَلَ لي على استيعابِها
أنجو باختلاقِ القصيدةِ الثلاثيّةِ الأجنحة
وأسمو شادياً نحوَ العُلَى


10
في السهرةِ التي نفرُّ بها من الحربِ
نغتابُ أنا وصديقيَ الآخرينَ بفرحٍ مُشتَهى
ونُسْرِفُ ليغدوَ الواحدُ مِنّا أوّلَ مَشّاءٍ بنميمة.


11
في المعركةِ وحدنا
أنا وصديقي "العدو"
تَجمعُني وإيّاهُ خِصالٌ شَتّى
اشتريْنا من صديقٍ مُشترَكٍ سلاحَ الحقدِ
من صديقٍ – عدو


12
في الجولةِ الأولى تبادلْنا الرصاصَ
ندّاً لندّ، ضِدّاً لضدّ
تنافسْنا بشغفٍ على متعةِ القتلِ
وحصدْنا الكثيرَ من الأرواحِ والجوائز
وفرحْنا مجازاً في هزيمتِنا الكبرى
هزيمتِنا – الانتصار


13
في استراحةِ المُقاتل
جلسْنا في خندقٍ واحدٍ
تحدّثْنا بودّ
- قالَ ضاحكاً: سُوريٌّ أنتَ؟
- قلتُ باكياً: وأنتَ كذلك!


14
في الهدنةِ
أنا حريقٌ شَبّ لتوّهِ في كأسِ ماء
فأيُّ مُستحيلٍ سيُطفئُ نارَ الطائفيةِ الحمقاء؟


15
في الرؤى
 أنا حَبّةُ القمحِ التي نمَتْ على ضفافِ القذائف
أنا فتيلٌ في سِراجٍ من أمل
أُسائِلُ النجوى عندَ كلِّ غارةٍ: هل من نجاة؟


16
في الأسطورةِ
أنا جُرْفُ التبرِ الذي يختبئُ في جوفِ الفرات
مكتوبٌ في رقيمٍ عتيق: مرصودٌ لقطيعِ الظباء 
فعن ماذا تفتشُ هذي الكلابُ الداشرات؟


17
في الحربِ
... أنا سوريٌّ كذلك


(سورية)

المساهمون