لإصلاح ضريبي يردم الهوة بين الأغنياء والفقراء

لإصلاح ضريبي يردم الهوة بين الأغنياء والفقراء

20 ابريل 2020

(Getty)

+ الخط -
نجح فيروس كورونا في توحيد الإنسانية، مقدّماً رسالة واضحة أننا جميعاً متساوون، فكما جاء في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء". .. كشفت جائحة كورونا الجيد والسيئ في المجتمعات، فقد هبّ عديدون إلى التبرّع والتعاون والتعاضد، في حين غاب آخرون ممن كانوا يقدّمون الوعظ والتوجيهات في الإخاء والتعاون والمشاركة.
على الرغم من "الفزعة" الإنسانية التي استجاب لها ناسٌ عديدون، بجيوبهم ووقتهم واهتمامهم، إلا أن فيروس كورونا كشف البخل والاستغلال واللامبالاة وغياب الشعور بالمسؤولية عند بعضهم، ففي الأردن، مثلاً، كشف أصحاب مؤسسات تعليمية وطبية خاصة مدى استغلال رأس المال في التحكّم برواتب المعلمين والعاملين لديهم. ولمّا كانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء عنوان معاناة الغالبية العظمى من سكان العالم، والذي تتحكّم في موارده نسبة ضئيلة من الأغنياء، لا بد من إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية، المحلية أولاً والعالمية ثانياً.
وفي النظر إلى الوضع المالي المحلي، يبرز موضوع النظام الضريبي إحدى أهم أدوات السياسة المالية في أي دولة، فعلى الرغم من فرض غالبية الدساتير أنظمة ضريبية تصاعدية، إلا أن تلك التصاعدية تتوقف عند الطبقة العليا، ونادراً ما تؤثر على كبار الأغنياء الذين إما يتهرّبون من دفع أي ضريبة، وبمعرفة أصحاب القرار، أو يمارسون الضغوط لضمان عدم وجود نظام ضريبي يمسّ جيوبهم، فأغنياء كثيرون لم يصبحوا كذلك بسبب ذكائهم وحنكتهم فقط، بل ساهمت في بناء ثروتهم ظروفٌ معينة، وفرتها لهم الدولة والإقليم. وإذا تعلّمنا شيئاً من هذه الجائحة فهي أننا جميعنا في قاربٍ واحد، ننجو معاً أو نغرق معاً.
راودت نشطاء عديدين، في السنوات الماضية، فكرة الإصلاح الضريبي، لكنهم كانوا دائماً يُصدمون بحاجز رفض أصحاب الأموال والنظام السياسي الذي يتحيّز للمال السياسي، ولأصحاب النفوذ، ففكرة تعديل النظام الضريبي من المحرّمات لدى تلك الطبقة التي غالباً ما تصل إلى المجالس التشريعية بسبب أموالها، وبذلك تستغل تلك المناصب برفض أي تعديل جذري للنظام الضريبي، من شأنه المساس بأموالهم.
توفر حالة الطوارئ الآن فرصةً ذهبية لتغيير النظام الضريبي، من خلال أوامر دفاع كما هو 
الحال في دول عديدة أعلنت حالة طوارئ، وتعطيل بنود في الدستور، أو من خلال الشعور الشعبي العارم بضرورة أن يقدّم الأغنياء أكثر مما قدّموا. قد يقول بعضهم إن نظاماً مثل هذا سينتج عنه هروب رأس المال. لا أعتقد ذلك، فرأس المال المحلي جنى ثروته من الظروف التي وفرتها له الدولة والنظام، لذلك من الطبيعي والمنطقي تجسير الهوة والعمل نحو مجتمعٍ أكثر عدالة ومساواة. وفي المقابل، يجب أن تشارك جميع فئات المجتمع في صنع القرار، وليس فقط فئة معينة مستفيدة من الوضعين، السياسي والاقتصادي.
فرض الضريبة على ثروة الأغنياء هي الحل الأكثر عدالة واستدامة من الضغط الشعبي على أصحاب الأموال للتبرّع في ظرف معين. ولكن حتى يكون التعديل الضريبي عادلاً للجميع ومحفّزاً لأصحاب الأموال على دعم العمل الاجتماعي الخيري، يلزم رفع الخصم على التبرّعات بنسب أعلى بكثير من النسبة الحالية.
لقد أثبت المجتمع المدني، في فلسطين (وخصوصاً القدس) والأردن، على سبيل المثال، أنه يستطيع أن يلعب دوراً مكملاً للحكومات في معالجة آثار وباء كورونا. لذا الفرصة المتاحة لتعديل النظام الضريبي يجب أن تؤسّس لمرحلة جديدة، تقوم فيها الدولة بتشجيع التبرّع لمؤسسات المجتمع المدني.
لقد هاجم سياسيون عديدون (معظمهم صامتون الآن) حصول مؤسسات المجتمع المدني على التمويل من الخارج، فوضعوا قوانين وأنظمة متشدّدة لتنظيم التمويل الخارجي. وأثبتت الأزمة الحالية أهمية المجتمع المدني الموجود في كل الأماكن وبين الفئات الأكثر تضرراً وفعاليته. وهذا يعني أن من الضروري وضع أنظمة ضريبية داعمة للمجتمع المدني. ويجب أيضاً أن يكافئ النظام الضريبي المعدّل الشركات المحلية التي تقوم بمسؤوليتها المجتمعية، وتتبرّع للمؤسسات غير الربحية المحلية. لتلك المؤسسات دور ثنائي في الرقابة على أداء الحكومة، ومساعدة الناس، من خلال اهتمامها بحقوق الإنسان وسيادة القانون، فدعمها يساهم في إصلاح المجتمع. وتوفر قوانين عديدة للضريبة مكافآت رمزية، وسقوفاً متدنية لمثل تلك التبرعات غير كافية لدعم مجتمع مدني فعال، ما يضطر نشطاء عديدين إلى السعي إلى التمويل الأجنبي.
وقد كشفت جائحة كورونا عيوباً مجتمعية عديدة، وسلطت الضوء على نقاط إيجابية عديدة، فإذا كنا مقتنعين بأن الناس ولدوا أحراراً، ومتساوين في الكرامة والحقوق، فقد تكون حالة الطوارئ هذه فرصة نادرة لوضع أسس عملية وفعالة لإصلاح ضريبي، يوفر مساهمة فعالة في ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء، ويمهد لبناء مجتمع أكثر عدالة.