كُنّا... كَلّا لَمْ نَكُن

كُنّا... كَلّا لَمْ نَكُن

27 يوليو 2017
+ الخط -

(١)

كُنّا... كَلّا لَمْ نَكُن 
كَانَتْ بدايَتُنا مَجازًا تَائِهًا
كَانَتْ بُحَيرَاتُ الأَسى في الوَهمِ غَارِقَةً
كُنتُ وَحدي وَلا أَحَد سِوايَ
يَشدُّ أَوجاعَ النَّشيدِ مِنَ الكَلام

(٢)

المُفرَداتُ تسيرُ على مَهَلٍ
والمَشاعِرُ تمشي الهُوينى فوقَ جرحي
والرَّبيعُ يذوبُ في شَفَتَينِ مِنْ عَسلٍ وَمَوتٍ:
هّلَّا قَبَّلتِنِي لِأَزورَ حَتفِي؟
فقَد سَئِمتُ مِنَ الحَياة، مِنَ الرَّتابَةِ وَالفُصولْ

(٣)

لَمْ تُمطِر الدُّنيا على جرحي كَعادَتِها
فَجَفَّ المِلحُ فَوقَ أهدابِ العَدَمْ
وَامتَطى صَوتي صَهيلُ الأُقحُوان
لَستُ أَدري..
رُبَّما انحَسَرَ الزَّمانُ فَفَاضَت الرُّؤيا عن حاجَةِ الذِّكرى
لِإدراَكِ الأُفولِ أَو المَكانْ

 (٤)

تَنبُتُ الأَوجاعُ في صَدري كَنعناعٍ
وأنتِ البَعيدَةُ عن قلبي كَالنّرجسِ البَرّي
القريبَةُ مِن روحي كَخطيئةٍ لَمْ أَقتَرِفها
وَلَمْ يُشفِنِي منها الصَّوابْ

(٥)

سَوفَ أَكُفُّ عن التَريُّث عَنِ اقترافِ الشِّعر
عن مُغازلَةِ القصائِد وعن مُلاحَقة الطُّيور/ المجاز
في المُعلَّقات الجَاهليَّة
سوف أكف عن الاستعارة:
هذا هو الليمون ينزفُ من وجنتيكِ
وَيَحرِقُني غِيابُكِ والرَّحيلُ يؤجِّلُ مَوتنا الأَزليّ
هَل كُنتِ مِن قَبلِ الوُجودِ في الفِردَوس؟
وَرَافَقتِ آدَمَ في النُّزولِ إلى المَجرَّةِ والأَسَى؟

 (٦)

كُلَّما تَذَوَّقتُ تُفَّاحَ الجنوبِ أنَّ قَلبي
آهٍ مِنَ الشَّجرِ الذي اختَزَلَ البِلادَ
وَحمَّل بوصَلَةَ الجِهاتِ عِبءَ الرَّاحِلين
آهٍ مِنَ النَّمشِ المُبعْثَرِ فَوقَ جِيدِ اليَاسَمين
آهٍ مِنَ ضِحْكةٍ سَكرَى أَثمَلَتْ روحَ اليَقِين

(٧)

عِندما تَضحَكين تَكُفُّ الغيُومُ عَنِ البُكاء
وَيَفرَحُ الرَّبُّ الحَزينْ
يُطيلُ الرَّبيعُ الإِقامَةَ بَيْنَنَا وَيَنْبَلِجُ الغُموضُ مِنَ اليَقين
تَكُفُّ الأَرضُ عَن دَورَانِها لِتَسمَعَ صَوتَ المُتْعَبين

(٨) لِمَ تَرحَلين... لِمَ تَرحَلين؟
وتَكتُبين على قُبورِ الماءِ أُولَى الأُغنيَات
دَعي سَماءَكِ الأولَى تَطيرُ فَوقَ أجنِحَتِي
حَتَّى نُحَلِّقَ صَوبَ أُغنِيَتي التي يَغتاظُ مِنْها السَّيِّئون
كَسِّري الوَقتَ المُتَيَّمَ بِالضَّجَر
ولتَنبُذي رُزنامَةَ الوَجعِ القَديم

لِمَ تَرحَلين؟
لا زالتْ سَريرَتُكِ النَّقيَّةُ في أَوجِ خَيبَتِه
لا زِلتِ الطَّريقَ الصَّعب
ولا زِلتُ الخَائِبَ الذي لا يموتُ ولا يَصِل

(٩)

ويسألُني الفؤادُ متَى نَصِل؟ قُلتُ: انتَظِر،
لا فَرقَ ما بينَ المحَطَّةِ والمُسافِر
فكِلاهُما حُلمٌ مؤجَّل
لِأُناسٍ بَعدُ ما وُلدوا
أُناس يخافونَ المحَطَّة والمُسافِرَ والسّفَر

(١٠)

سوف أخرجُ من دُمُوعي إلى السَّعادَةِ واثِقًا:
مِن صِدقِ المَشاعِرِ والطَّريق ومن قُدرةِ المَعنى على الخذلان
مِن جموحِ سيَّدةٍ عجوزْ
مِنَ اتِّقادِ الشّهوَةِ الأولى لِنَهدِ صَبِيَّةٍ لَمْ تَبلُغ العِشرينْ
سَوفَ أرمي قافِيةَ الحَنينِ إلى طُيورٍ تَستَعيرُ الصَّمتَ
وتَبنِي أَعشاشَها لُغَةً بَعيدًا عنِ المَصانِعِ والمَطامِعِ والدُّخان

(١١)

بي رَغَبَةُ الإِنشادِ والإِجهاشِ والمَعنَى..
هَذي طَريقِي فَاسْلُكِيها نَحوَ حَتفِ الأُمنِياتْ
وَتصَاعَدي سُحُبًا كَيْ تُمْطِرِي عَلى الأَسماءِ رَمْلًا أَو جِهات

(١٢)


كُلُّ العَواصِمِ كَاذِبَة وَأنَا كَذلك...
كَذِّبيني، وَلا تُصَدِّقي دَمْعَ الضَحيَّة
صَدِّقي الجَلَّادَ حِين يَمُرُّ في حُلْمِي ثَقيلَ الظِّلِّ،
كَيْ يَروِي لِعاهِرَةٍ بُطُولَتَهُ الأَخيرَة

(١٣)

تَنفَجِرُ السَّماءُ كَضِحكَةِ امْرَأَةٍ
وَلا جَديدَ لَدَى الغُروب
تَترُكُ الشَّمسُ البِلادَ كَخَيطِ نورٍ بارِدٍ فَوقَ الرُّكام
يطير النورس البحري على ارتفاعٍ مُنخَفِض

(١٤)

في شَهرِ آذارَ الجَديد تِنبِئكِ الزُّهورُ بِصِدقِها
لَمْ تُخفِ حَوَّاءُ الجَميلَةُ نَهدَها خجلا
لم تغوها الأفعى لكِنَّها كَذَبَتْ
عندَما امتَعضَ المَلاكُ مِنْ قَذارَةِ نَسلِنَا البَشَرِي

(١٥)

لَمْ تَترُكِ العَذراءُ عندي شَالَها كَيْ أستَفِيقَ مِنَ المَمَاتْ
لَكِنَّها كَتَبَت على جَبينِ الليلِ موَّالاً
لِيُؤنِسَنِي فَيَنساني السُّباتْ

(١٦)

قَرَأتُ ما يَكفي مِنَ الأَشعارِ
كَيْ أدري بِأنِّي لَستُ أدري ما الحقيقة

(١٧)

لَمْ تَكُنِ القَصيدَةُ نَاقصَة
وَلَم يَحجِب اختلالُ الوَزنِ الضَّوءَ عَنِّي
لَمْ أَكُن أَوَّلَ من يُحِب لَكنَّني كُنْتُ الأَخير

(١٨)

مِن حُسنِ حَظي أنِّي تَركْتُ البَابَ
مَفتوحًا على المَاضي
لِأَعودَ طِفلاً كَالبَقِيَّة
من سوءِ حَظِّي أنِّي عشِقتُ -مُوَلَّهًا-
قَلبَ الشَّقيَّة

(١٩)

كَالقِطِّ المُدلَّل يَنَامُ قَلبي قُربَهَا
في ثَنايا الأُحجِيَات

(٢٠)

يَسقُطُ الأَحبابُ مثل أوراق الخريف
ويَصفَرُّ السَّحابُ
كَأَنَّما يدري المناخُ مُصَابَنا

(٢١)

كَانَتْ الدُّنيا ظلامًا دامِسًا
حتى أَتَيتِ

(٢٢)

لم تَكُن تلك الفراشاتُ الخَجولَةُ دَمعَنا
لَمْ نَسكُبْ مِنَ الأرواحِ ما يَكفي
لِنَقتَفِي أَثَرَ الفَرَحْ

(٢٣)

تَستَيقِظُ الدُّنيا مَساءً
تَتَفَقَّدُ الوِديانَ واللغةَ الحَزينَة
تَتَحَسَّسُ الشَّهَوَاتُ رَغبَتنا في التَّخاطُرِ
والخُروجِ مِنَ الجَسَدْ
لِنَعرِفَ أنَّنا وَهمُ التَّأَمُّلِ في المَدينَة والبلد
وَأَنَّنا حَمقَى كَالعَاشِقِ العُذرِي
وَقَصيدَةٍ شَفَّافَةٍ لَمْ يُغنِ سوءُ فِطنتِها حسنُ الرّوي

(٢٥)


عِندَما قَبَّلتِنِي في المَرَّةِ الأُولى أَغمَضْتِ عَينَكِ..
حَينَها أَدرَكْتُ أنَّكِ لَنْ تُطيلي المُكوثَ
بالقُربِ من رِئَتِي ومنّي

(٢٦)

بؤساء نحن وصَبرُنا:
فُقدانُ حيلة الحَياةُ
قَصيرَةٌ تِلكَ الأَمَاني ومُستَحيلَة

(٢٨)

ذَرَفتُ ما يكفي من النسيان
كَي أُقامِرَ بالخَسارَة عَلى الوُجود
نَدِمتُ بما يَكفِي كَيْ أُغَيِّرَ موقِعي
هُناكَ فَوقَ التَّل ينبلجُ الوضوحُ:
لا فرقَ في المَعنى لكنّهُ التّأويل



دلالات

EAE1D03D-3418-48DC-B660-FA8C11D3D117
باسل مغربي

كاتب وصحفي من فلسطين.

مدونات أخرى