كييف وموسكو: تباشير عام جديد من العداء

كييف وموسكو: تباشير عام جديد من العداء

04 يناير 2015
مسيرة للقوميين الأوكرانيين في ذكرى ميلاد زعيمهم بانديرا(فرانس برس)
+ الخط -
في خطابه السنوي، وقبل أن تدقّ ساعة الكرملين، معلنة بدء عام جديد، لم يغفل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القول: "حب الوطن، أحد أقوى وأسمى المشاعر. وقد تجلّى بشكل واضح في الدعم الأخوي لسكان القرم وسيفاستوبول عندما قرروا العودة إلى الوطن. وسيبقى هذا الحدث من أهم الإنجازات في تاريخ البلاد".

في المقابل، وفي خطابه السنوي للشعب الأوكراني، لم يتأخّر الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو في القول إنّ "العام المنصرم كان الأصعب على مدى السبعين سنة الأخيرة، منذ العام 1945. فالعدو اللدود يريد انتزاع حياتنا وأرضنا وحريتنا واستقلالنا، والبلد كله صغاراً وكباراً، وقف للدفاع عن الوطن. سننتصر من كل بدّ في هذه الحرب الوطنيّة، لأنها عادلة بالنسبة إلينا".

وبين خطابي الرئيسين الأوكراني والروسي، ترتسم ملامح العام الجديد الأوكراني ــ الروسي على مستوى الصراع السياسي، وما يواكبه من تعبئة نفسيّة تقوم على تعزيز صورة العدو وإشباعه بالشر، ليأتي بعد ذلك اقتصاد اللقمة والضوء والدفء ليرأب الصدع ولو قليلاً نحو تمكين الناس، المطلوبين كوقود في الصراعات الجيوسياسية، من الحياة. فالحروب تخاض بأحياء أقوياء وليس بمحتضرين ناحلين أو عراة حفاة مهزومين نفسياً. وحتى الزعماء السياسيين يدركون ذلك.

ممنوع التصوير والغناء
في إطار تصعيد العداء بين الشعبين الأوكراني والروسي، نقلت وكالة "تاس"، في اليوم الأول من العام الجديد، أنّ أكثر من ألف من أنصار حزب "الحرية" الأوكراني المتطرف، شاركوا في مسيرة شموع في مدينة كييف، بمناسبة الذكرى 106 لميلاد زعيم القوميين الأوكرانيين ستيبان بانديرا.
ويشغل الأخير موقعاً سيئاً للغاية في ذاكرة الروس، كونه حارب إلى جانب الجيش النازي ضد الجيش السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، وشارك جيشه بمذابح ضد المدنيين الروس. وفي أثناء هذه المسيرة، اعتدى القوميون الأوكرانيون على فريق عمل القناة التلفزيونية الروسية "لايف نيوز"، فتعرّضوا بالضرب للصحافية جانا كربينكو وحطموا كاميرا المصور.

وفي سياق متّصل، أعلنت إدارة القناة التلفزيونية الأوكرانية "إنتر"، عن تعرضها لضغوط سياسية عبر دعوة عدد من الشخصيات الرسميّة الرفيعة المستوى، إلى سحب الترخيص منها ومنعها من البث، بسبب بثّها حفلاً لفنانين روس مشاهير في ليلة رأس السنة، بحسب ما أعلنه المكتب الصحافي للقناة.
وفي موقف يؤكد الضغوط على القناة، أشار رئيس مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، ألكسندر تورتشينوف، إلى أنّه "في ليلة رأس السنة، حين كانت الأمة كلها تشعر بالوحدة، قامت قناة "إنت" التلفزيونية بالتصرف كعادتها ضدّ الدولة الأوكرانيّة، من خلال نقل حفل لأولئك الذين سخروا من بلدنا".

ولم يتردد تورتشينوف، وفقا لمكتبه الصحافي، في دعوة "المجلس الوطني للبث التلفزيوني والإذاعي"، إلى أن ينظر من دون إبطاء في مسألة سحب الترخيص من هذه القناة. وفي الإطار ذاته، لم يغفل وزير الثقافة الأوكراني، فياتشيسلاف كيريلينكو، الإشارة إلى ضرورة إيقاف بث القنوات التي تنقل حفلات فنانين لهم مواقف ضد أوكرانيا، بحسب ما نقله عنه موقع "أوكرإينفورم. يوا".
وكانت السلطات الأوكرانية قد أصدرت، في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قراراً يقضي بمنع دخول 14 شخصيّة ثقافيّة وفنيّة روسيّة إلى الأراضي الأوكرانيّة، وتشمل القائمة أسماء فنانين روس كبار، لهم شعبيّة في صفوف الأوكرانيين.

السياسيون لا يغلقون الأبواب
وفي موازاة التصعيد الإعلامي والشحن الشعبي، يبدو أنّ جهوداً دبلوماسية تُبذل في منحى آخر. فقد نشر موقع وزارة الخارجية الروسية أنّ "اتصالاً هاتفياً جرى، في الثاني من الشهر الحالي، بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير والأوكراني بافلو كليمكين والفرنسي لوران فابيوس، تابع خلاله الوزراء مناقشة وسائل تحقيق التسوية السلميّة في جنوب شرقي أوكرانيا".
وكانت جولة ثانية من المفاوضات، قد جرت في الحادي والثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بين ممثلي القوات المسلّحة الأوكرانية وممثلين عن جمهورية لوغانسك الشعبيّة وبعثة منظمة التعاون والأمن الأوروبية، من دون أن يرشح عنها شيء للصحافة. وفي اليوم الذي سبقه، أعلنت وكالة "إنترفاكس" عن تبادل لقوائم الأسرى، الذين بلغ عددهم 1400 أسير، بين ممثلين عن كييف وعن سلطات جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين.

وفي موازاة تأكيده في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، على أنّه "لا يوجد حلّ عسكري للمسألة في دونباس"، يوضح بوروشينكو أنّ "الشيء الأهم في خطتي للتسوية السلمية على قاعدة اتفاقات مينسك، هو تحويل الهدنة الهشّة القائمة اليوم في الشرق إلى سلام راسخ ومضمون ومديد". ولكنه عاد ليقول، وربما في زلّة لسان، ما يشي باضطراره إلى السلام، من خلال تأكيده أن كييف تفتقر إلى القوة اللازمة لشنّ هجوم اليوم.
ولا تنوي كييف، وفق تصريحات الرئيس الأوكراني الأخيرة، اللجوء إلى حصار القرم كأداة للضغط في المفاوضات حول دونباس، ويقول: "ليس هناك أي حصار للقرم. هناك إجراءات لضمان أمن أوكرانيا، من المجموعات التخريبيّة".

ولم يتأخر بوروشينكو، في الإعلان عن توقيع عقد مع روسيا لتزويد أوكرانيا بالطاقة الكهربائية، الامر الذي يتيح منذ نهاية الشهر الماضي، الحصول على طاقة كهربائيّة بمقدار 1.4 جيجاواط ساعي، وبالتالي التوفير في استهلاك الفحم الحجري اللازم لتشغيل المحطات الحراريّة لتوليد الطاقة الكهربائيّة. وتخطط أوكرانيا لشراء الفحم الحجري من مناجم دونباس (الانفصاليّة)، وفق الرئيس الأوكراني الذي يوضح: "سنشتري بالفعل من الشركات الحكوميّة، بما فيها التي تستخرج الفحم من الأراضي المحتلّة مؤقتاً، مع ضمان أنّ المال سينفق حصراً على رواتب عمال المناجم مواطني أوكرانيا".
ولم ينه الرئيس الأوكراني، مؤتمره الصحافي ذاته، إلا بتأكيد ما تتخوّف منه روسيا، ولا يترك مكاناً للشك في موقع سلطات كييف الحالية، ولا يسمح باطمئنان الكرملين إلى خططها المستقبلية، مع مصادقته على القانون الخاص بخروج أوكرانيا من حالة عدم الانحياز، تمهيداً لمزيد من التنسيق مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) نحو الانضمام المتوخّى إليه.