كيف يُدفن الألم

كيف يُدفن الألم

01 يوليو 2019
(خالد التِّني)
+ الخط -

قناعة

"لماذا على السود دائما أن يكونوا قانعين؟
تظاهروا في تلك الشوارع مثل سويتو!"
لورين هيل

بِمَ علّلوا أنفسَهم
حين استقرّ الغبارُ الجديدُ أسفلَ البساطِ القديم،
حيث القرنفل والنعناع والقرفة
صار لها مذاق التراب ورائحته

هل كنتَ صغيراً إلى درجة ألا تتذكر
سوى شجار والديك في السيارة
على فاتورة الهاتف

لذا، بعد ثلاثين عاماً
حين صاروا يلومونك على البعد
ونسيان الجذور
رحتُ أذكِّرُ نفسي
أن وراء طنين الهاتف ثمة خنجرا يختبئ خلف كلِّ كيف ومتى وأين

إلى أي درجةٍ شعرتَ بتلك الأصابع
تعبث بجسدكَ بحثاً عن ممنوعات
تخبّئها دائماً في قلبك

كيف استمعتَ إلى أربعَ عشرة محاضرة في اليوم الأول
بِلُغةٍ بالكاد تتهجّاها
فتمَلَّكَكَ الشعورُ أنك في البيت
أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضَى

طوال الشهر الأول بعد وصولك
كنت تجلس بعد العشاء
لتخيط الشقوق التي تركها
موظفُ المطار بعد أن فردَهُ على طاولة معدنية
وبهدوءٍ بالغٍ أخذ يبحث في العتمة عن شيءٍ قد يلمعُ

لِمَ إذاً لا يستطيع الحبُّ البقاء
على قيد الحياة إلا عبر الصور
وكيف يمكن لصوتٍ واحدٍ أن يختطف طائرة بأكملها،
ثم لا يستطيع الهبوط؟

ولِمَ لا زلتَ تبحث عن ذلك الطفل
الذي ألقى بنفسه أمام حافلة على الطريق السريع؟
الطفل الذي يعرجُ الآن،
ولكنه يستطيع أن يقرر متى يرفع سماعة الهاتف.


■ ■ ■


أطلس

علّمتني أُمّي
كيف أُلقي الأقاويل إلى الصحراء وأن أتركها هناك
مثلما أتركُ أولئك الذين يخفون مخالبهم.

أرَتني كيف تُشقُّ الأسلاك الشائكة
وكيف يُدفنُ الألم
في كهوف بحريةٍ لن يعثر عليها صاحبها.

أَحياناً
في بعض الصباحات
أجدني حائراً
مثل جرّة عسلٍ مقلوبة
منتظراً أن تطفو الفقاعة على السطح
وأن أبتلع شكوكي
حتى أُكمل الطريق.


■ ■ ■


ترحال

كان هناك زمن قبل أن تُقرِّرَ الحدودُ والأختامُ من أين أتينا
كنا نستقبل الولادات والوفيات بإبريق الشاي
ونقيسُ الرحيل بالحكايات وبما يتعقبنا من غبار.

تعالت أصواتُ الزَّبَدِ وفرّقت الناسَ كما يفعل الزلزال
قبل أن تفرَّ الأدعيةُ من القلوب
كما يتلاشى الخبز والماء.

في الصباح ترك المسافرُ خطوتين في الرمل
واحدةً نحو الرحلة
والثانية تودِّع البيت بنظرة أخيرة
قبل أن يتغيّر إلى الأبد.

ثمة أحداثٌ لا حصر لها
سبقت بكاءك الأول
وقَطْعَ حبلِك السُّريّ.

قبل خطواتِك الأولى
وقبل أن يبدؤوا بتشبيه تقاسيمك بوجوه أحياء وراحلين من أهلك
عن ملامح من زالوا أحياءً أو رحلوا
ثمة أكثر من مستقبل يمدّ يده لصياغة قَدَرك
لقد وُلدتَ لتُلاحق حقيقة وجودك
في محطات ترحالها.

* شاعر سوداني يكتب باللغة الإنكليزية وينشر تحت اسم K. Eltinaé. يقيم في الأندلس حيث أصدر وحرّر في غرناطة مجلة 21 الشعرية التي كانت تصدر باللغتين الإنكليزية والإسبانية. ظهرت قصائده في مجلات شعرية عالمية عديدة، والقصائد المترجمة هنا مأخوذة من مجموعة شعرية له بعنوان "ترحال" (Tirhal) التي كانت هذا العام ضمن القائمة القصيرة لجائزة "برونيل العالمية للشعر الأفريقي".

** ترجمة عن الإنكليزية: جورج دعبول

المساهمون