كيف نَجَت تشيلي؟

كيف نَجَت تشيلي؟

28 يناير 2015
التشيلي عرفت كيف تنجو باقتصادها (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
تُعتبر جمهورية تشيلي التي يسكنها 15 مليون نسمة، نموذجاً في تنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق، قائمة على تحرير آليّات السوق والتجارة. 
قبل ثلاثين عاما، شَلّت الحكومة الاشتراكية الاقتصاد الوطني وزعزعت استقرار المجتمع، ما أدى إلى اندلاع اضطرابات تسبّبت بانقلابات عسكرية. وبالنظر إلى الوضع السيئ السائد حينذاك، فإن الاقتصاد التشيلي مرّ بمرحلة احتضار مقارنة مع بلدان لاتينيّة أُخرى، مثل المكسيك وفنزويلا والأرجنتين، حيث كانت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول تمثل، على الأقل، ضِعف حصّة الفرد في تشيلي.
واليوم، فقد تمكنت تشيلي من تجاوز الأرجنتين لتصبح أغنى دولة في أميركا اللاتينية. فعلى مدى ثلاثة عقود، كان الاقتصاد في تشيلي يسجل نمواً هو الأسرع في المنطقة، وانخفض معدل الفقر بشكل كبير، وارتفعت مستويات المعيشة وتحسنت أوضاع المواطن التشيلي بشكل ملحوظ.
واحدة من أهم السمات المميزة للإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة التشيلية هو نظام التقاعد الخاص الذي تميّز بدرجة عالية من التطور. فمنذ أن سُمح للعُمّال بوضع 10% من دخلهم في حساب التقاعد الخاص بهم أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، حقّق هذا النظام نجاحاً ملحوظاً، فقد ساهم في الحد من عِبء الضرائب والإنفاق، وعمل على زيادة معدلات الادخار والاستثمار، علاوة على تحقيقه زيادة تجاوزت 70٪ في معاشات المتقاعدين.
حزمة من الإصلاحات الساعية لتحرير شامل للاقتصاد، هي ما جعلت من تشيلي قصة نجاح اقتصادي باهرة. على صعيد الضرائب التجارية، وبعد أن كانت أرباح الشركات خاضعة لمعدل ضريبة يصل إلى 50%، فقد جرى تخفيضها إلى 10% في عام 1984، ما أسهم بإزالة العائق الأهم أمام عجلة الإنتاج، حيث استفاد المستثمرون ورجال الأعمال من انخفاض معدلات الضرائب من خلال إنشاء أعمال تجارية كبرى. وخُفِّضت، كذلك، ضريبة الدخل العليا للفرد من 58% في عام 1980 إلى 40% عام 2005.
جَنَت تشيلي الكثير من الفوائد جرّاء تخفيض معدلات الضرائب، فتم إصلاح العديد من الثغرات في القانون الضريبي، التي كان يستغلها بعض جماعات المصالح، وانخفض التهرب من دفع الضرائب بشكل كبير، فلم تعد الشركات تدفع كثيرا من الضرائب كما كان في الماضي، ما ساهم في رفع إيرادات الخزينة من العوائد الضريبية. ووفقاً لمؤشر "فريدريك شنايدر" لاقتصادات الظل، الذي يقيس الأنشطة التجارية التي لا تخضع للقوانين ولا تعمل بطريقة نظامية، فإن تشيلي تمتلك أصغر اقتصاد ظل (السوق السوداء) في المنطقة، مع متوسط درجة 20، مقارنة مع كولومبيا التي سجلت 41، والمكسيك 30، والسلفادور 48، والبرازيل 41.
وتضمنت عملية الإصلاح خطّة خصخصة ضخمة وناجحة شملت عمليات بيع لشركات كبرى كانت تمتلكها الحكومة مثل موزع الوقود "كوبك"، وشركة الكهرباء الرئيسية "انديسا"، وشركتي الاتصالات والصلب، إضافة إلى بعض المصارف. وباتت الشركات المخصخصة حديثاً تمتلك فرصة أكبر للتطور والتوسع، فارتفعت الصادرات من 3.8 مليارات دولار إلى 8.1 مليارات دولار من عام 1985 إلى 1989، وبدأت شركات جديدة بالنمو، وساهم دخول مستثمرين من القطاع الخاص في تراجع تكاليف الإنتاج بشكل واضح.
وعلى الجانب التنظيمي، كان لتخفيف العبء البيروقراطي الشديد في تشيلي دور كبير في تدفق الاستثمارات إلى البلاد، إذ يشير تقرير البنك الدولي في هذا الصدد إلى تراجع المدة الزمنية لبدء أعمال تجارية جديدة إلى سبعة أيام فقط، بعد أن كانت تستغرق 27 يوماً عام 1982، ما كان له الأثر في ارتفاع الاستثمارات من 11%، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، في عام 1982 إلى 21% عام 1989. إضافة إلى ارتفاع الادخار المحلي، خلال نفس الفترة، من 2% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 17%.
واليوم، أصبح الاقتصاد في تشيلي صاحب أفضل أداء اقتصادي في المنطقة، مع نسب استثمار عالية نسبياً، ومعدلات تضخُّم ومديونيّة منخفضة، وإدارة مالية حكيمة. وعلاوة على ذلك، فإن الدراسات الدولية تُصنّف تشيلي من بين الاقتصادات الكُبرى في العالم من حيث القدرة التنافسيّة الدولية، وظروف العمل، والشفافيّة، والفساد، فباتت تشيلي من بين وجهات الأعمال العشرين الأكثر جاذبيّة على مستوى العالم.
(خبير اقتصادي أردني)

المساهمون