كيف نحمي الأشجار؟

كيف نحمي الأشجار؟

01 يونيو 2019
هذا يجلب شراً (جان فرانسوا مونيير/ فرانس برس)
+ الخط -


في كل مرة أكتشف أن في "سيّالة" جدي أسراراً لم نسبر غورها في ذلك الزمن البعيد. و"السيَّال" نوع من أشجار المناطق الجافة، ويصنّف من الأكاشيا. فقد وجدت مثله شامخة وسط الدار، ترمي بظلالها الممتدة على تلك الغرف الطينية الواطئة، لكأنها تشرف على تفاصيل الحياة فيها. تحت ظلها، تجتمع الجدات والخالات حيث جلسات الأنس والقهوة حول عنقريب الجد الذي أقعدته السنوات لا المرض، في وقت ظل ممسكاً بخيوط القرارات الكبيرة المتعلقة بالزراعة وإدارة الأسرة.

ما لم أدرك كنهه حتى الآن إصرار الكبار على قذف (خُلاصات) ولادات الأغنام والشياه إلى فروع الشجرة، فتظل معلقة حتى بعد جفافها. كما كانت تستقبل أسناننا اللبنية الصغيرة، نقذف بها بين الفروع آملين أن نعوّض أسناناً أقوى وأكبر. ولعش طائر السمبر (اللقلق) المهاجر حظه من تلك الشجرة، يحط عليها مبشراً بقدوم الخريف، وكذا أعشاش القمري، والزرازير، وطيور أخرى توقّع حياتنا عبر موسيقاها الصباحية والمسائية مع أصوات الحيوانات المغادرة أو الآيبة من المراعي والحقول.

حتى رحيل آخر الجدات لم يكن لأحدٍ أن يقترب من (السيّالة) وهو يحمل فأساً، فذلك فأل غير حسن. كما أن جذور تلك الشجرة المعمرة لم تتسبب في تصدعات المباني حولها، كما تُتّهم الأشجار الكبيرة الآن، وما إن رحل جدي حتى تبعته السيالة، ومعظم تفاصيل تلك الحياة.
صدقنا ما كان يشاع من أن قطع الشجرة قد يجلب شراً كثيراً كانقطاع أو تباعُد ولادات الأنعام، وشح المطر، وصمت الطيور. ولم يجزم الكبار أن هذا (سبر) أو نوع من التقديس. وإن كان الأمر كذلك، فقد أُشيع أنه ما كان للنهر أن يهجم في عام 1988 على البيوت والمزارع لولا ما جرى من قطع لأشجار (الطندب) حول القرية. ما يعني أن النظر إلى الشجرة يتعدى دورها البيئي والاقتصادي إلى دور ثقافي.



في إثيوبيا، ينظر إلى قطع الأشجار على أنه كشفٌ لأسلاف المواطنين. الغابات هي أماكن دفن الموتى التقليدية، وتُزرع الأشجار حول مقابر الأُسر، مثلما تُزرع حول المساجد والكنائس والأديرة. وهذه من المعتقدات التي ساهمت في حماية الأشجار، مثلما ساهم (سبر) أكل الحيوانات الوحشية في الحفاظ على الحياة البرية هناك. كما يعدّ السكان في مقاطعة كاموييجي في غرب أوغندا أشجار المهوقني رمزاً أسطورياً للقوة والحماية، ويحرّمون الاعتداء عليها تماماً، ويقدسون شجرة الأفريكانا والمار كامايا، ويمارسون شعائرهم ومناسكهم حولها.

كيف بنا أن نعود إلى مناهج الحماية هذه أو ما يشبهها في ثقافاتنا المحلية، والابتعاد الكبير عما يمكن أن نسميه الشعور بحياة الكائنات الأخرى حولنا؟ هناك بعض المبادرات التي تسهّل هذه المهمة الصعبة. أي أنه من الممكن الحفاظ على ما تبقى من موارد بل استعادة الكثير مما فقدناه.

(متخصص في شؤون البيئة)

دلالات