كيف نجح ترامب؟

كيف نجح ترامب؟

12 نوفمبر 2016
+ الخط -
انتهت مسرحية الإنتخابات الأميركية لعام 2016 بفوز المهرّج الارستقراطي دونالد ترامب بـ 288 صوتاً في المجمع الإنتخابي، وهو أمرٌ لم يتوقعه المراقبون، ما شكلّ صدمةً كبيرة للاتحاد الأوروبي والدول الإقليمية ذات الشأن في أوّل ردود الفعل إزاء القنبلة التي تمّ تفجيرها في تجمّع الحزب الجمهوري في نيويورك.
ساهمت في الصدمة الكبيرة بعد فوز ترامب، بشكلٍّ أساسي مراكز البحوث والدراسات ومراكز استفتاء الرأي العام، التي أوهمت الكل بأنّ من المستحيل فوز الأحمق الذي يدعى ترامب. وفي المقابل، عوّلت على فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، لكن نتائج الإنتخابات كشفت أنّ الحملة التي شنتها تلك المراكز تُصنّف نوعاً من البروباغندا الخبيثة، الأمر الذي يُعيدنا إلى الخلاف الذي دار بين البراغماتي بول لازارفسيلد وتيودور أدورنو حول الوظيفة التي تؤديها وسائل الإتصال تجاه المتلّقين، فهل هي نفعية تخضع للمال وسلطته، أم موضوعية ومتوازنة؟
ولكن، ما كان الجميع متخوّفاً منه، عدا الأحزاب اليمينية الأوروبية وروسيا، تحقّق، وتربّع ترامب على رأس البيت الأبيض، وسيقود الدولة الأقوى، ولم يكتفِ ترامب بوصوله إلى سدّة الحكم، بل عزّز فوزه باكتساح كبير للحزب الجمهوري كلٍّ من الكونغرس ومجلس الشيوخ، الأمر الذي سيمكنه من إحداث ما يصبو إليه في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأميركية، كما يعتقد بعضهم.
وعلى الرغم من الخطاب المتعصّب والتوّاق إلى الكراهية والعنصرية لترامب، في حملته الإنتخابية، إلا أنّ السؤال الذي يطرحه الجميع الآن كيف نجح ترامب في الإنتخابات الأميركية لعام 2016 في وقت تعتبر فيه أميركا بلد الحرية والديمقراطية؟
كان كثيرون يعتقدون أنّ ترامب رجلٌ معتوه وأحمق، ولا يفهم شيئاً في السياسة، لأنّه لم يدخل في دهاليزها بعد، لكن الحقيقة إنّ ترامب أظهر ذكاءً خارقاً في الحملة الإنتخابية، ولعب جيداً على الوتر الحساس الذي يدغدغ مشاعر المواطن الأميركي.
قال ترامب للمواطن الأميركي، هل المكسيكي يسرق لقمة عيشك؟ هل تريد طرد ملايين المكسيكيين الذين سرقوا خيرات البلاد؟ هل تواجه مشكلةً مع قوانين الضمان الاجتماعي؟ هل تريد أن تحصل على إجازاتٍ مدفوعة الثمن؟ هل أنت تعتقد أنه ليس من الضروري على الولايات المتحدة الأميركية دفع فواتير الدول العربية والمنطقة عموماً، علماً أنّه من الأوْلى أن نستثمر تلك الأموال من أجل مساعدتك؟ هل تشعر بالخجل من تطاول دولةٍ غبيةٍ وثيوقراطية، مثل إيران، علينا؟ هل تشعر بخطر امتلاك نظام شيوعي قذر مثل كوريا الشمالية أسلحةً نووية فتاكة؟ حسناً أنا سأكونُ أهلاً لكلِّ مشكلاتك، وسأعملُ على حلّها، وسأعيد أميركا قوية وعظيمة من جديد.
وبُعيد النتائج الرسمية للإنتخابات، انقسم المحللون والمراقبون الدوليون تجاه فوز ترامب، يعتقد بعضهم أن ترامب سيحدث ثورة أميركية جديدة، كالتي جرت في القرن التاسع عشر، وسيتغيّر النظام الدولي رأساً على عقب، بل توقع أحدهم اندلاع حرب عالمية ثالثة ستدمر الكون، وهم بنوا آراءهم كلّها على ما صرح به ترامب في حملته الإنتخابية، وهذا طرحٌ يفتقد إلى الكثير من المعرفة بسياسة الولايات المتحدة.
يصنف كلّ ما قاله ترامب في حملته الإنتخابية ضمن إطار البروباغندا، حتى يكسب الشعب الأميركي الذي سئم من سياسات الطبقة الحاكمة في واشنطن العاصمة، بقيادة الحزب الديمقراطي الذي تنتمي هيلاري كلينتون له. لذلك، يمكننا أن نضع خطاب ترامب العنصري جانباً على الأقل، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية.
لا يعرف بعضهم أنّ في الولايات المتحدة الأميركية ليس الحكمُ للرئيس الذي يقيم في البيت الأبيض. مَنْ يحكم في أميركا هي الشركات والمؤسسات العملاقة، وخصوصاً الشركات العملاقة في صناعة الأسلحة بمختلف أنواعها، والتي تجلب مليارات الدولارات لأميركا كلِّ عام، إضافةً إلى المستشارين والخبراء المسؤولين على وضع الخطوط التي على الرئيس، جمهوريًّا أو ديمقراطيًّا، اتباعها في سياسة أميركا الخارجية.
بلد كأميركا له مصالح وسياسة راسخة لا تتغيّر بتغيّر منصبٍ، مهما كان حجمه، وهذا كان واضحاً في أوّل تصريحٍ لترامب بُعيد إعلان النتائج النهائية، حيث قال: "سأكون رئيساً لكلِّ الأميركيين، وأقول للعالم إنّنا سنبحث عن الشراكات، لا الصراعات، وسنتعامل بعدل مع الجميع؟ فهل هذا هو ترامب الذي نعرفه؟
في ختام العرض المسرحي، جاءت هيلاري لتختتم المشهد الأخير، وتهنّأ ترامب التي نعتته في يومٍ ما بأبشع النعوت، كما فعل ترامب تماماً، لتؤكد أنّ لأميركا مصالح لا يمكنُ المساس بها، شاء من شاء وأبى من أبى.
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
بشير الكبيسي (العراق)
بشير الكبيسي (العراق)