كيف سيكون اليمن بعد علي عبد الله صالح؟

كيف سيكون اليمن بعد علي عبد الله صالح؟

05 ديسمبر 2017
مرحلة جديدة تبدأ بعد قتل صالح(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
لا مبالغة في القول إن الحدث اليمني، بقتل علي عبد الله صالح أمس الاثنين، على يد مسلحين حوثيين وخروج زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي لتبرير عملية تصفية "الراقص على رؤوس الثعابين"، كما كان يلقب، ووصفها بـ"اليوم التاريخي والاستثنائي"، لم يكن الأهم على مستوى العالم فحسب، بل إنه يفتح مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة كلها. 
حدث ربما يُدخل اليمن في حقبة جديدة من الناحية السلبية على الأرجح، لما يمكن أن يحمله من تطوير الحرب الدائرة في البلاد إلى اقتتال أهلي أشد شراسة ودموية مما عاشه هذا البلد منذ عامين ونصف العام. من هنا يمكن ربما فهم عبارة "طار اليمن" التي ترددت على لسان عدد كبير من اليمنيين المقيمين في بلدهم أو في المنافي الاختيارية والقسرية، كلّ حسب خلفياته، لكن في ظل إجماع على أن الثأر الطائفي المناطقي القبلي السياسي سيجدد دماء الحرب الأهلية القائمة أصلاً.


قتل علي عبد الله صالح، على يد من ظلوا حلفائه حتى قبل يومين فقط، يطرح تساؤلات عدة عن اليوم التالي في صنعاء أولاً وفي عموم اليمن ثانياً، فضلاً عن تأثير الحدث على الحرب التي يقودها التحالف من دون أن يمتلك أي طرف القدرة على تقديم أجوبة.
فكيف سيرد محور السعودية على ما يعتبره صفعة إيرانية جديدة في اليمن، خصوصاً أن قتل صالح من قبل الحوثيين جاء بعد أيام فقط من التقارب معه، حتى بدا أن قرار تصفيته السريع اتخذ رداً على خطوته التي وضعها الحوثيون في سياق "الخيانة"؟ كيف سينعكس المشهد على الحرب الأهلية في شمال اليمن ووسطه؟ إلى أي مدى ستتبدل موازين القوى العسكرية والسياسية في هذه المناطق؟ ماذا بالنسبة للجنوب الخاضع لسلطة الإمارات الذي يمتلك تاريخاً طويلاً من العداء مع صالح لكن برزت في الساعات الـ48 التي سبقت قتله إشارات من حلفاء الإمارات المحليين إلى الاستعداد للتعاون معه بما في ذلك قول رجل الإمارات الأبرز هاني بن بريك إن "بعض الشر أهون من بعض"؟ وما هو مصير حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتزعمه صالح؟ من سيرث زعامة الحزب ومن سيرث زعامة صالح من أبنائه؟ هل سيقود نجله أحمد المرحلة المقبلة في مواجهة الحوثيين؟ كيف ستتصرف جماعة الحوثيين خلال الفترة المقبلة؟ هل ستنتقل إلى مرحلة جديدة من الانتقام والتصفية ضد من ترى فيهم تيار صالح داخل حزب المؤتمر، بعدما قدم زعيمها عبد الملك الحوثي، أمس، وبعد ساعات من قتل عناصر جماعته لصالح، خطاباً برر فيها قتله ووصفه بـ"اليوم الاستثنائي والتاريخي" ووضع التطورات في سياق وأد مؤامرة "قوى العدوان التي كانت تسعى للفتنة وإسالة الدماء" بالشراكة بين التحالف وصالح، في حين أبقى على إمكانية استمرار العمل مع "الشرفاء في حزب المؤتمر الشعبي العام"؟

توقيت القتل
ضمن هذا السياق، يحمل قتل صالح على يد الحوثيين، خلال هربه من صنعاء مع عدد من المقربين منه والتباهي بالخطوة من قبل زعيم الجماعة بعدما ربطه بخيانة صالح بسبب تواصله مع قوى التحالف، رسائل عدة، في بلد يعتبر أحد أبرز عناوين الصراع الإقليمي في المنطقة، وهي الحرب التي يقودها التحالف بقيادة السعودية، منذ ما يزيد عن عامين ونصف العام، وما يرتبط بها على صعيد الصراع مع إيران التي ينظر إليها على أنها الداعم الخارجي الأول والأبرز للحوثيين.
وبعيداً عن الملابسات والروايات حول تفاصيل مقتله، فإن قتل صالح يفتح التساؤلات عن يمن ما بعد صالح، فالأرجح أن مسار الحرب والأحداث الدائرة في البلاد، سيتغير، وأول الاحتمالات، هي ما أعلن عنه التحالف بقيادة السعودية والحكومة الشرعية من التصعيد لاقتحام صنعاء، حيث تقف القوات الموالية للشرعية على بعد عشرات الكيلومترات من صنعاء، وأعلنت أنها ستصعد عملياتها لاقتحام العاصمة.
وبناءً على ما تم إعلانه، بالتزامن مع قتل صالح، فإن على رأس الاحتمالات هو التصعيد العسكري لإعادة القوى الموالية للشرعية لصنعاء، بعد أن قُتل حليف الأيام الأخيرة للسعودية وخصمها خلال الحرب التي استمرت لأكثر من عامين. ولا يمكن التهكن الفوري بمدى نجاح التصعيد العسكري، وما إذا كان سيغير من الأمر شيئاً، أم أن الحرب ستستمر على وتيرتها، التي تمضي دون حسم لأي من الأطراف، منذ أكثر من عامين.
من جانب آخر، من غير المستبعد أن يشكل مقتل صالح نهاية من نوع ما للحرب، بحيث يلجأ الحوثيون للتفاوض وتقديم التنازلات من موقع القوي، بعد أن تمكنوا من فرض الأمر الواقع، والقضاء على حليفهم في الحرب وشريكهم في التسوية. لكن مقتل صالح، بعد أن أعلن التقارب من التحالف، قد لا يصب في خدمة الحوثيين، كما لو كان الأمر حدث قبل أشهر، على سبيل المثال.


وفي كل الأحوال، يدخل اليمن عهداً مختلفاً بمقتل صالح، أصبح الحوثيون هم الطرف الأقوى شمالاً (في صنعاء ومحيطها)، وبالتالي فإن شمال اليمن أصبح متنازَعاً عليه بين قوتين، الأولى هي الحوثيون، والأخرى هي مجموع الأحزاب ومراكز القوى المؤيدة للشرعية، والمدعومة سعودياً والتي تسيطر على محافظة مأرب، وسط البلاد، أما بالنسبة للجنوب فقد بات منفصلاً في الأمر الواقع إلى حد كبير.
وبمقتل صالح من المتوقع أن يحتدم الصراع بين إيران التي تدعم الحوثيين والسعودية التي تدعم القوى المناهضة لهم. وما لم ينجح الحوثيون بتقديم تطمينات قوية للسعودية، فإن الأرجح هو استمرار الحرب، حتى جولة ثانية من الحسم (الجولة الأولى حسمها الحوثي بقتله صالح)، والجولة الثانية بين قوات الشرعية (شمالاً) مع الحوثيين، سواء وصولاً إلى "الحسم" في صنعاء، أو بالتسوية وتطبيع الوضع على ما هو عليه من سيطرة للطرفين (الحوثيون - صنعاء، والشرعية وحلفاؤها - مأرب).
وفي كل الأحوال، فإن اليمن ما بعد مقتل صالح يعتمد أساساً على القرار الذي ستتخذه السعودية، بوصفها الدولة التي تقود تحالفاً يسيطر على أغلب مناطق اليمن، وما إذا كانت ستتجه إلى التصعيد، أو التطبيع مع الحوثيين. كذلك يعتمد الوضع، وإن بدرجة ثانية، على ما سيختاره الحوثيون، وما سيقدمونه من تنازلات للرياض من عدمها. وتبقى تطورات الأيام والأسابيع القادمة وحدها ما سيكشف ملامح المرحلة المقبلة في اليمن، والمفتوحة على كافة الاحتمالات.
وبالنسبة لكثير من اليمنيين، فإن نهاية صالح، بعد كل ما جنته البلاد في عهده من أزمات وحروب، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، تمثل تطوراً يؤشر إلى بدء مرحلة جديدة بعيداً عن "الراقص على الثعابين"، والذي قضى مقتولاً، لا سيما بعد أن قتل أو تسبب بقتل أعداد كبيرة من اليمنيين على مدى أيام حكمه، وللدور الذي أداه في السنوات الأخيرة، من خلال الانقلاب على الشرعية والتحالف مع الحوثي، وغيرها مما أفضى بالبلاد إلى حرب مدمرة مزقت البلاد وجعلت أجزاء كبيرة منها تحت السيطرة الخارجية، فضلاً عن خلق ملايين الفقراء الجدد، ليصل اليمن في السنوات الأخيرة لصالح، إلى أسوأ مجاعة إنسانية في العالم.
في المقابل، وكما هو واقع الحال، فإن أغلبية اليمنيين لا يتفقون مع الحوثي، وبالتالي فإن الخوف من المرحلة المقبلة وما ستحمله للمدنيين يطغى عليهم، خصوصاً في ظل ما حمله قتل الحوثيين لصالح من رسالة مفادها أنه لا تسامح مع من يخالف توجهاتهم، إذ تعكس تطورات الساعات الماضية في اليمن، وخطاب زعيم الجماعة، أن الحوثيين كانوا على أهبة الاستعداد للتخلص من صالح واحتاجوا فقط إلى الذريعة التي تمكنهم من تحقيق هدفهم، ولذلك لم يكد الأخير يهاجمهم علانية حتى انتقلوا إلى مرحلة التنفيذ، الأمر الذي ترجم باستماتة مسلحي الجماعة من أجل حسم المعركة في مربع سكنه أولاً، مستخدمين الدبابات ومختلف الأسلحة الثقيلة، فيما كانت حراسة صالح محدودة من حيث التسليح والعدد، بالنظر إلى قطع خطوط الإمداد عنها، بما جعل الحوثيين يتقدمون في كل الأحوال. وبعدما تحول صالح، منذ أول من أمس، إلى محاصر في منطقة ضيقة بين "الحي السياسي" وشوارع "حدة" و"الجزائر" و"بغداد" وصولاً إلى "الزبيري"، تم رصده أثناء خروجه إلى خارج صنعاء وتصفيته لتكتب نهاية مصيره على أيدي حلفائه/ خصومه الحوثيين، وليس على أيدي التحالف بقيادة السعودية، والذي قصف منازله ومنازل أقربائه بعشرات الضربات الجوية على مدى ما يزيد من عامين، وعندما تمكن أخيراً من إصلاح بعض خيوط علاقته مع الرياض ودعا لـ"الانتفاضة" ضد الحوثيين، جاء مقتله أخيراً.
مع العلم أن صالح نجا من محاولات اغتيال عدة مرات، أثناء وجوده على رأس السلطة، وخلال الثورة الشعبية عام 2011، والتي أُصيب فيها بجروح بليغة، وعاد بعدها ليدخل في المغامرة الكبرى بدافع الانتقام، وهي المغامرة التي قادت إلى مقتله لاحقاً، حيث تحالف مع الجماعة التي حاربها بين عامي 2004 و2010، بانقلاب كان مقدمة لأكبر حرب تشهدها البلاد، تدخلت فيها أكثر من عشر دول بقيادة السعودية، وتستهدف حليفها - عدوها بعد التحالف مع الحوثيين، ثم يعود مجدداً للتقارب معها في أيامه الأخيرة.

دلالات