30 أكتوبر 2023
كيف سرقوا واسيني الأعرج؟
كيف سرقوا واسيني الأعرج؟
عُرض، في موسم دراما رمضان الماضي، مسلسل أردني من أجواء الريف، "الخوابي" (38 حلقة!)، طَبَخَه صنّاعه مستفيدين من ثلاث رواياتٍ عالمية (إحداها الحب في زمن الكوليرا). لم تُشر مقدّمته إلى هذا، غير أن كاتبة العمل ومخرجه وشركة إنتاجه أشاروا إليه في أحاديث للصحافة، وفي ترويج المسلسل البعيد كثيراً في مساره الممطوط عن تلك الروايات، القريب منها في مطارح ظاهرة فيه. ما فعله صنّاع المسلسل المصري "النهاية"، الذي تُوبع في الموسم الرمضاني أخيراً، أنهم أخذوا الكثير من رواية واسيني الأعرج، "2084 حكاية العربي الأخير" (دار الآداب، بيروت، طبعة أولى 2016)، أقلّه المبنى العام له إلى حد كبير، وكذا نهايته المتطابقة إلى درجةٍ بالغة مع نهاية الرواية، فضلاً عن مقاطع مركزية فيه، ثم لم يكتفوا بالاستخفاف بحقوق الروائي الجزائري المعروف، ولا بأخلاق الأمانة، وإنما أيضاً أنكر كاتب السيناريو، عمر سمير عاطف، أي معرفةٍ مسبقة له باسم واسيني الأعرج، ونفى اطّلاعه على الرواية، بل قال إن على من يدّعي سرقة عمله أن يثبت صحة اتهامه أمام القضاء. ولكن الرجل أفاد بما قد "يوضح" موضع "السرقة الموصوفة"، كما سمّاها واسيني، فقد قال إن صاحب فكرة المسلسل هو البطل الرئيسي فيه، يوسف الشريف، ومخرجُه ياسر سامي، وإن عدداً من أسرة العمل شاركوا في كتابته.
وبذلك، يصحّ الترجيح، ربما، أن ثمّة واحداً من كل طبّاخي المسلسل هؤلاء، أو صاحب فكرته، هو الذي اقترف "المجزرة"، بتعبير واسيني، في حقّ الرواية، فليس من الصعب أن يُصادِف التقاطعَ بين العمليْن، الدرامي التلفزيوني والسردي الأدبي، من شاهد "النهاية" جيداً وقرأ ".. حكاية العربي الأخير"، كما فعل صاحب هذه الكلمات، وإنْ، في الوقت نفسه، ثمّة اختلافاتٌ بلا عدد بينهما في تفاصيل غزيرة. والمسلسل جديدٌ في نوعه في الدراما العربية، إذ ينتسب إلى "الخيال العلمي"، وتدور وقائعه في العام 2120، في القدس (المحرّرة من الإسرائيليين!)، وفي "واحةٍ" متطوّرة تكنولوجيا. وفيما أدب الخيال العلمي شحيحٌ عربياً (وليس جذّاباً فيما أظن)، إلا أن واسيني الأعرج قدّم فيه، في روايته موضوع القضية التي لا يمكن السكوت عنها كما قال، جديداً طموحاً، وتجريباً جريئاً، ولكل قارئٍ (أو ناقد) ذائقتُه ومزاجُه، للحكم عن توفيق هذا النص أو عدم توفيقه، في إيصال مرسلته، فنياً وجمالياً طبعاً، عن وحشية التطرّف، وعن الاختلال الحضاري، وعن توسّل العلم لصناعة الخراب، ومسائل أخرى احتشدت في هذه الرواية، الثقيلة معرفياً وأدبياً.
أغلب الظن أن واسيني لم ينتظر قول كاتب السيناريو عن عدة مشاركين في كتابة "النهاية"، لمّا أعلن أنه في طور مقاضاة شركة سينيرجي، منتجة المسلسل، وليس هذا السيناريست، "لأنها المسؤولة أخلاقياً". وإذ يُخطر الكاتب الشهير قرّاءه والمهتمين بأن ملفّ القضية يتم إعداده لإثبات الملكية، وأن التقاضي سيتم في محاكم مختصة، وأنه، ودار الآداب ووكيلته الأدبية، بدأوا اتصالاتٍ مع "هيئات دولية" خبيرة، إحداها في جنيف، وبالنظر إلى إنكار كاتب السيناريو (وحده حتى الآن) أي سرقةٍ أو اقتباس، فإننا سنكون أمام قضيةٍ غير مسبوقةٍ ربما، إذا ما تمّ فعلاً وأن جهةً دولية تداولت الأمر، ثم قضت فيه. ومعلومٌ أن كفاءة المحاكم العربية في شأنٍ كهذا منقوصة. والبادي أن واسيني يعرف في هذا جيداً، والأهم أنه، وهو أستاذٌ في الأدب العربي في جامعة السوربون، يعرف تماماً المسافات بين "التناصّ" في الأدب، بوصفه مسألة إبداعية وأدبية، و"التلاصّ" باعتباره سرقة، كما أوضح في مقالٍ حاذق.
أما السؤال في عنوان هذه المقالة، فلا مشقّة في الإجابة عليه. يُخطَف عالم فيزياء عربي، ليُحتجز في قلعة صحراوية، لإنجاز مشروع قنبلة جيبٍ نووية. يعثُر على مخطوطةٍ تعرّفه بمخطط قتل علماء. يتحدّث إلى زوجته، "الهوليغرام" المبرمجة لتقنعه بالاستمرار في المشروع، من على شاشة كمبيوتر. تنظيمٌ غامض في المكان. طائرات القلعة ترمي قنبلتين نوويتين فتتدمر الأرض وتصبح صحراء، وبعد زمنٍ تعثر ابنة العالِم عليه، حياً، بعد أن كادت أعضاؤه تتيبس من البرد والثلج، ثم نقفل صفحات الرواية. أما في المسلسل، فهذا كله وغيرُه كثيرٌ بيّن، ومنه أن عالِما خُطف واحتجز في الواحة لينجز مشروعاً دفاعياً بالطاقة، (يعثر على مخطوط أيضاً). وبعد دمار الأرض، بسبب صاروخين يطلقهما المتحكّم في الواحة، ومعه قائد الأمن في شركة الطاقة الحاكمة في القدس، تعثر عليه، بعد زمن، شابّة كان يعلّمها سراً في طفولتها، وقد نجا بعد أن تجمّد طويلاً في الثلج هو الآخر... إلخ.
أغلب الظن أن واسيني لم ينتظر قول كاتب السيناريو عن عدة مشاركين في كتابة "النهاية"، لمّا أعلن أنه في طور مقاضاة شركة سينيرجي، منتجة المسلسل، وليس هذا السيناريست، "لأنها المسؤولة أخلاقياً". وإذ يُخطر الكاتب الشهير قرّاءه والمهتمين بأن ملفّ القضية يتم إعداده لإثبات الملكية، وأن التقاضي سيتم في محاكم مختصة، وأنه، ودار الآداب ووكيلته الأدبية، بدأوا اتصالاتٍ مع "هيئات دولية" خبيرة، إحداها في جنيف، وبالنظر إلى إنكار كاتب السيناريو (وحده حتى الآن) أي سرقةٍ أو اقتباس، فإننا سنكون أمام قضيةٍ غير مسبوقةٍ ربما، إذا ما تمّ فعلاً وأن جهةً دولية تداولت الأمر، ثم قضت فيه. ومعلومٌ أن كفاءة المحاكم العربية في شأنٍ كهذا منقوصة. والبادي أن واسيني يعرف في هذا جيداً، والأهم أنه، وهو أستاذٌ في الأدب العربي في جامعة السوربون، يعرف تماماً المسافات بين "التناصّ" في الأدب، بوصفه مسألة إبداعية وأدبية، و"التلاصّ" باعتباره سرقة، كما أوضح في مقالٍ حاذق.
أما السؤال في عنوان هذه المقالة، فلا مشقّة في الإجابة عليه. يُخطَف عالم فيزياء عربي، ليُحتجز في قلعة صحراوية، لإنجاز مشروع قنبلة جيبٍ نووية. يعثُر على مخطوطةٍ تعرّفه بمخطط قتل علماء. يتحدّث إلى زوجته، "الهوليغرام" المبرمجة لتقنعه بالاستمرار في المشروع، من على شاشة كمبيوتر. تنظيمٌ غامض في المكان. طائرات القلعة ترمي قنبلتين نوويتين فتتدمر الأرض وتصبح صحراء، وبعد زمنٍ تعثر ابنة العالِم عليه، حياً، بعد أن كادت أعضاؤه تتيبس من البرد والثلج، ثم نقفل صفحات الرواية. أما في المسلسل، فهذا كله وغيرُه كثيرٌ بيّن، ومنه أن عالِما خُطف واحتجز في الواحة لينجز مشروعاً دفاعياً بالطاقة، (يعثر على مخطوط أيضاً). وبعد دمار الأرض، بسبب صاروخين يطلقهما المتحكّم في الواحة، ومعه قائد الأمن في شركة الطاقة الحاكمة في القدس، تعثر عليه، بعد زمن، شابّة كان يعلّمها سراً في طفولتها، وقد نجا بعد أن تجمّد طويلاً في الثلج هو الآخر... إلخ.