كيف تعاملت السينما المغربية مع السِيَر الحياتية؟

كيف تعاملت السينما المغربية مع السِيَر الحياتية؟

16 يوليو 2020
من فيلم "سراب" إنتاج 1979 (يوتيوب)
+ الخط -

سِيَر مناقبية، تحكي كرامات الصالحين فقط. سِيَر تمجيدية صالحة لا طالحة، لم يكتبها أصحابها، بل مؤلفّون لاحقون بمئات السنين، يرجون بها الحسنات. يبدو أنّ هذه النظرة غير النقدية تسرّبت إلى الأفلام المغربية. من أفلام السِيَر في المغرب، هناك "جارات أبي موسى" (2003) لعبد الرحمن التازي، و"القمر الأحمر" (2012) لحسن بنجلون، و"زهرة أغمات" (2013) لفريدة بورقية، و"نصف السماء" (2014) لعبد القادر لقطع، و"آدور" أي "الشرف" (2017) لأحمد بايدو، و"الباب السابع" (2017) لعلي الصافي.

كيف تعاملت السينما المغربية مع السِيَر الحياتية؟ وما حصّة الأمانة والتخييل فيها؟ في السياسة بداية، يُلاحَظُ تركيز المخرجين على شخصيات تاريخية أو معاصرة، في مجالي السياسة والفن. في التاريخ، يحكي "زهرة أغمات" سيرة زينب النفزاوية، زوجة يوسف بن تاشفين، مؤسّس مرّاكش وأول إمبراطورية مغربية. نصف الفيلم حديثٌ عن النبات والسحر والمحاولات الكوميدية لخادم زينب. من يُشاهده، يجد تركيزاً على الحياة الداخلية. حتّى في لحظة تصوير الحرب، يظهر القمر. هكذا تظهر السماء ولا يظهر سياق مغرب القرن الحادي عشر الميلادي بوضوح. تصوير ديكورات الماضي مُكلِفٌ.

أما "آدور"، فيعرض واقع مقاومة الاستعمار الفرنسي جنوب شرق المغرب، من دون تصوير مقاومة القبائل، بل سِيَر مقاومين أفراد، دوّخوا المستعمِر بفضل معرفتهم بتضاريس المنطقة، واحتضان السكّان لهم. هؤلاء، بالنسبة إلى المقاوِم، كالماء للسمكة، كي تنجح حرب العصابات. النتيجة؟ تأخير سيطرة فرنسا على المنطقة إلى عام 1935، ثم مغادرتها عام استقلال المغرب، 1956. الاستعمار لم يدم هناك إلا عشرين عاماً. بالتركيز على الرصاص، لم يخصّص أحمد باديو ما يكفي من الوقت لعرض أشكال النهب التي يمارسها المستعمِر تجاه الشعب.

هناك غياب تام لـ"برويتاج" (المؤثّرات الصوتية) المرحلة. في الربع الأول، يظهر المغاربة فرادى لا جماعة تعطي للمقاومة بُعداً سياسياً مُتجذّراً في بيئته. بالنسبة إلى اللقطات التي تُنقص صدقية الحدث: عندما يهجم المقاوم على حفلةٍ، لا يُطلق الجنود الفرنسيون النار عليه. هو وحده من يسدّد بندقية، يبدو أنّها تحتوي على مئة طلقة قبل اختراع الكلاشينكوف. القمر الأحمر في الأفلام التي تُصوّر سِيَر الفنانين، هناك "القمر الأحمر"، الذي يروي قصّة مستوحاة من حياة الموسيقار الظاهرة عبد السلام عامر، التي تثير إشكالية مواجهة أوضاع مزرية تطبعها الإعاقة والفقر والمرض. يعلن رفع التحدّي بالإبداع الفني الرفيع، يُلهمه حبّ جيّاش من طرفٍ واحد. يُتابع "الشعيبية" (2015) ليوسف بريطل سيرة رسّامة عصامية، أعجب بها الغربيون الباحثون في أنتربولوجيا المجتمع المغربي. بينما لوحاتها تعرض في باريس ونيويورك، كان اليساريون المغاربة في سبعينيات القرن الماضي يصفونها (اللوحات) بأنّها فولكلورية فطرية (art naïf)، ترمز إلى التخلّف. في الفيلم قليلٌ من التشويق ومن السينما، لكنّ قيمته كامنةٌ في رصده البعد التاريخي للظواهر الثقافية، وموقف نخبة السبعينيات، الملتزمة الفنّ الثوري لا الفنّ الفطري.

بعد سقوط جدار برلين، تغيّر موقف الرفاق من الفنّ الفطري والفولكلور. نصف سماء أما "نصف السماء"، فيروي سيرة الشاعر المناضل عبد اللطيف اللعبي سجيناً. يتتبع عبد القادر لقطع عشرة أعوام من تاريخ المغرب، عبر سيرة مثقّف عاش قمع "سنوات الرصاص"، وهو متعفِّف يفكّر في الثورة أكثر من رفاهية جسده. كان اللعبي مثقّف عضوي، بالمفهوم الغرامشي، ولا يزال هكذا. كتبت جوسلين اللعبي سيرة زوجها التي صوّرها لقطع. بينما صوّر يوسف بريطل سيرة "الشعيبية" بحضور ابنها في الفيلم.

أثّر حضور الأقارب على غياب النظرة النقدية لسيرة الرسّامة والشاعر، كما أثّر التصوير الداخلي على غياب السياق التاريخي. التصوير الداخلي الكثيف يُغيّب زخم المرحلة، ويُبقي الواقع المغربي خارج الكادر. في ردّه على هذه الملاحظة، قال لقطع إنّه لم يكن يبحث عن "المطابقة التاريخية"، مُضيفاً: "أنا أحكي عن الشخص. الشخص هو الأساس". الباب السابع آخر مثل لتصوير سيرة فنان، هو الفيلم الوثائقي "الباب السابع"، الذي يُقدّم سيرة المخرج أحمد البوعناني في شيخوخته. بحسب الملف الصحافي، عانى البوعناني (1938 ـ 2011) التهميش والتعتيم حتّى آخر حياته.

مع ذلك، طبع تاريخ السينما المغربية بفيلم طويل واحد، هو "السراب" (1979)، الذي يبدأ بمونولوغ طويل يكشف خيبات المخرج، ولا علاقة له بوعي الفلاّح على الشاشة. أثارت شهادات البوعناني في الوثائقيّ جدلاً، لأنّه تحدّث عن مخرجين أحياء، ينسب نجاحهم إلى نفسه. هذه عينات أفلام تحكي سيرتي امرأتين، سياسية ورسّامة، وسِيَر مُقاوم وشاعر ومخرج. واضح إذاً أنّ أفلام السِيَر نادرة في الفيلموغرافيا المغربية. ففي الثقافة العربية الإسلامية عامة، يُعتَبر الحديث عن الذات تفاخراً، والحديث عن الأنا عيبٌ منهيّ. في سياق كهذا، لم تُنتَج إلا أفلامٌ يُستدعى فيها التاريخ من دون نقده وتفسيره لإضاءة الحاضر. معيبٌ الحديث عن ميت بذكر الحقائق، فعلى الميت لا تجوز إلا الرحمة.

المساهمون