عندما تقدم حزب العمل في الانتخابات البرلمانية وشكل اسحق رابين الحكومة الإسرائيلية عام 1992 كانت الأنظار تتجه إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والفرصة السانحة لوضع حد للانتفاضة الأولى التي كان رابين على يقين باستحالة التعايش معها خاصة مع جنوحها نحو المقاومة المسلحة، ولكن في الوقت الذي تطلع فيه رابين ووزير خارجيته شمعون بيرس لإنهاء الانتفاضة والتخلص من عبء احتلال المناطق المكتظة بالفلسطينيين خاصة قطاع غزة، لم يكن أي منهما على استعداد لدفع الثمن بتحقيق حق المصير للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس.
كانت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تدرك المأزق الذي وقعت فيه القيادة الفلسطينية في حينه، وحالة الضعف الفلسطيني والوهن العربي بعد حرب الخليج الثانية والانقسام العربي وتدمير العراق وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وخشية الرئيس الراحل ياسر عرفات وقيادة حركة "فتح" من التطورات في الأراضي المحتلة وصعود حركة حماس الجماهيري وتصاعد فعلها المقاوم وتحولها إلى منافس شعبي حقيقي يهدد تفرد منظمة التحرير التاريخي بالحضور الميداني والالتفاف الجماهيري، في هذا الظرف التاريخي نصحت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية القيادة السياسية بتوظيف الاستعجال الفلسطيني على قطف ثمرة الانتفاضة وتجاوز الإشكالات الداخلية والإقليمية، بعملية تسوية تحقق المصالح الصهيونية.
وتبين من محاضر اجتماعات الجلسات الثلاث عشرة السرية في أوسلو وبعض ما تسرب من الملاحق الأمنية، أن المفاوض الإسرائيلي ومن خلفه القيادة السياسية والعسكرية كانت تعرف بالضبط ماذا تريد أن تحقق وما حدود ما يمكن منحه للفلسطينيين، فقد كانت إسرائيل تتطلع إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
الهدف الأول: الانسحاب من المدن والمخيمات الفلسطينية (قطاع غزة وبعض مدن ومخيمات الضفة الغربية) ذات الثقل السكاني ومركز الانتفاضة الفلسطينية.
الهدف الثاني: عدم التطرق إلى القضايا المركزية للصراع، والتي تتمثل في الحقوق الفلسطينية التاريخية (القدس، اللاجئين، الدولة ذات السيادة، المياه، تفكيك المستوطنات في المناطق المحتلة عام 1967.
الهدف الثالث: تحويل العبء الإداري والأمني من المناطق التي ستنسحب منها إسرائيل إلى الإدارة الفلسطينية.
بينما القيادة الفلسطينية كانت تتطلع إلى تحقيق هدف واضح يتمثل في حلم الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، غير أنها كانت على عجلة من أمرها لدرجة التهور وتتمنى تحقيق إنجازات سريعة في ظل ميزان قوى مختل وظروف إقليمية ودولية غير مساعدة.
وخلال المفاوضات مارس الوفد الإسرائيلي المكون في الجلسات الأولى من يائير هيرشفيليد ورون بونديك اللذين انضم إليهما بعد ذلك كل من أوري سافير ويوئيل سنجر، كل أشكال التضليل والخداع والمراوغة، وتشدد بصورة مبالغ فيها، وتشبث بمعظم مواقفه من الجلسة الأولى حتى النهائية.
ومن أساليب الخداع التي مارسها الوفد الإسرائيلي بـ"حرفية" عالية وعلى طول مراحل المفاوضات التذرع بالأوضاع الداخلية وتداعيات تقديم أي تنازل على سقوط الحكومة، وكأن الحفاظ على الائتلاف الحكومي الإسرائيلي شأن مقدس المطلوب من الفلسطينيين مراعاة قدسيته، ففي الجلسة الثانية من المفاوضات السرية بداية عام 1993، وعندما طرح المفاوض الفلسطيني أحمد قريع تشكيل لجنة ثنائية غير رسمية أشار هيرشفيليد إلى أن القدس يجب أن تكون موحدة، وانتفض هيرشفيليد غاضبا قائلاً "في هذه الحالة ستسقط حكومة حزب العمل فوراً، لأن حزب شاس لن يبقى في الحكومة"، وتكرر الموقف مع المفاوض رون بونديك عندما أشار قريع لصعوبة إعلان مبادئ من دون القدس، فقال بونديك "كيف يمكن تمرير موضوع حساس كهذا على حزب شاس، عليكم إدراك أن حزب شاس بإمكانه إسقاط الحكومة".
ومن أساليب الخداع أيضا تراجع الوفد الإسرائيلي في كل مرة عن اتفاق الجولة السابقة عندما يرغب في تغيير بند أو فقرة، فقد طالب قريع بعدما شعر بالمراوغة والخديعة وخروج الوفد الفلسطيني صفر اليدين حتى الجلسة العاشرة رغم التنازلات التي قدمت، بتحديد ملامح المرحلة الانتقالية بدقة وقضايا المرحلة النهائية ومشاركة سكان القدس بالانتخابات، رد أوري سافير في الجلسة العاشرة في تموز/يوليو 1993م عليه "بأننا لا نستطيع مناقشة هذه القضايا، لأننا لو تعاطينا مع ما تطرحونه وعلم رابين وبيرس بذلك فسيغلقان هذه القناة التفاوضية فوراً، لذلك وحرصاً منا على استمرار هذه القناة لن أدون أي محضر"، وقد عقب سافير في نهاية الجلسة على مطالب الوفد الفلسطيني ببحث موضوع القدس بأن هذه "المواضيع ليس من الحكمة البحث فيها الآن".
واتقنت إسرائيل كعادتها وباحترافيه عالية التلاعب بالنصوص، وصياغة المصطلحات الفضفاضة، وتعدد تفسيرات القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وجندت لهذه المهمة خلال المفاوضات أفضل خبرائها القانونيين، وأكثرهم تجربة في صياغة الاتفاقيات الدولية، وبعد تأكد رابين وبيرس من جدية القناة السرية وحيز المرونة الفلسطينية غير المتوقع، قررا تعزيز الوفد الإسرائيلي بأوري سافير مدير عام وزارة الخارجية، الذي أثار إعجاب رابين عندما عبر عن امتعاضه الشديد من الوثيقة التي أعدها المفاوضان في الجولة الخامسة، كونها تحمل في طياتها أكثر مما يستحقه الفلسطينيون، فكان أول حديثه في الجولة السادسة لقريع أنه "يجب نسيان فكرة الدولة الفلسطينية مؤقتاً، وتأجيل الحديث في موضوع القدس، والمستوطنات، والتفاوض الجدي متوقف على تجاوز هذه المسائل الشائكة في المرحلة الحالية"، وانضمام يوئيل سنجر وهو أستاذ في القانون الدولي، وخدم مصالح إسرائيل عدة سنوات من خلال مكتب للمحاماة في واشنطن، وشارك في مفاوضات كامب ديفيد، وساهم في صياغة اتفاقية فك الاشتباك بين إسرائيل وسورية ومصر، وفوق ذلك اختيار بيريز له عندما وصله رأيه في مسودة اتفاق الجولة الخامسة والتي تلخصت بأنها "غير صالحة".
ومن الأمثلة على ذلك قبول الوفد الإسرائيلي تغيير صيغة "تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و338 وفقاً لما يتفق عليه الطرفان" إلى "المفاوضات حول الوضع النهائي ستؤدي إلى تطبيق القرارين 242 و338" في وثيقة إعلان المبادئ، ولكن المشكلة هنا ان لإسرائيل تفسيرا خاصا بها لقراري مجلس الأمن سالفي الذكر.
وفي نهاية مفاوضات قناة أوسلو ولحسم القضايا المختلف عليها، تم فتح خط اتصال تلفوني استمر لسبع ساعات بين استكهولم عاصمة السويد التي تواجد فيها شمعون بيرس، وتونس حيث مقر الراحل ياسر عرفات، بمعاونة محمود عباس وياسر عبد ربه، وهناك خط ثالث لم يكن الفلسطينيون على علم به وهو الخط المباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين في تل أبيب، ومن خلال هذه القناة التلفونية التي غاب عنها أي مستشار قانوني فلسطيني تم حسم القضايا العالقة لتمهد الطريق لتوقيع الاتفاق في حديقة البيت الأبيض.
كان من الواضح من الجولات الأولى لمفاوضات قناة أوسلو السرية أن المفاوض الفلسطيني ورغم ورقة الانتفاضة الضاغطة، كان يبحث عن تحقيق أي إنجاز وتحصيل ما يمكن تحصيله، وهو ما فهمه المفاوض الإسرائيلي وتأكد منه بعد المرونة العالية والقابلية غير المحدودة لتقليب المواقف والتراجع والقبول بالصيغ العامة والفضفاضة، هذا السلوك فتح شهية الإسرائيليين على مصراعيها، وفي الوقت الذي كانت فيه القيادة الإسرائيلية قد أعدت مخططها وحددت أدواتها ووضعت تصوراً لمخرجاتها، لم يكن المفاوض الفلسطيني ومن خلفة قيادة المنظمة (حركة فتح) لديهم إلا هدف الدولة بعيد المنال، ولا يوجد غير ذلك، وفي الوقت الذي كان فيه المفاوض الإسرائيلي مؤهلاً خاصة في الجانب القانوني، ومسنودا برؤى وخرائط وتفصيلات من المؤسسة الأمنية والعسكرية ومستشارين رسميين وغير رسميين، كان المفاوض الفلسطيني يتحرك في سياق دائرة ضيقة، وفي النهاية كانت الخلافات تترك لشخص أو شخصين للبت فيها.
فكانت النتيجة متوقعة، كارثة حقيقية حلت بالقضية الفلسطينية، والوقائع على الأرض بعد ربع قرن لصالح الاحتلال لا تحتاج إلى إثبات.
(باحث فلسطيني في الشأن الإسرائيلي)
كانت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تدرك المأزق الذي وقعت فيه القيادة الفلسطينية في حينه، وحالة الضعف الفلسطيني والوهن العربي بعد حرب الخليج الثانية والانقسام العربي وتدمير العراق وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وخشية الرئيس الراحل ياسر عرفات وقيادة حركة "فتح" من التطورات في الأراضي المحتلة وصعود حركة حماس الجماهيري وتصاعد فعلها المقاوم وتحولها إلى منافس شعبي حقيقي يهدد تفرد منظمة التحرير التاريخي بالحضور الميداني والالتفاف الجماهيري، في هذا الظرف التاريخي نصحت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية القيادة السياسية بتوظيف الاستعجال الفلسطيني على قطف ثمرة الانتفاضة وتجاوز الإشكالات الداخلية والإقليمية، بعملية تسوية تحقق المصالح الصهيونية.
وتبين من محاضر اجتماعات الجلسات الثلاث عشرة السرية في أوسلو وبعض ما تسرب من الملاحق الأمنية، أن المفاوض الإسرائيلي ومن خلفه القيادة السياسية والعسكرية كانت تعرف بالضبط ماذا تريد أن تحقق وما حدود ما يمكن منحه للفلسطينيين، فقد كانت إسرائيل تتطلع إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
الهدف الأول: الانسحاب من المدن والمخيمات الفلسطينية (قطاع غزة وبعض مدن ومخيمات الضفة الغربية) ذات الثقل السكاني ومركز الانتفاضة الفلسطينية.
الهدف الثاني: عدم التطرق إلى القضايا المركزية للصراع، والتي تتمثل في الحقوق الفلسطينية التاريخية (القدس، اللاجئين، الدولة ذات السيادة، المياه، تفكيك المستوطنات في المناطق المحتلة عام 1967.
الهدف الثالث: تحويل العبء الإداري والأمني من المناطق التي ستنسحب منها إسرائيل إلى الإدارة الفلسطينية.
بينما القيادة الفلسطينية كانت تتطلع إلى تحقيق هدف واضح يتمثل في حلم الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، غير أنها كانت على عجلة من أمرها لدرجة التهور وتتمنى تحقيق إنجازات سريعة في ظل ميزان قوى مختل وظروف إقليمية ودولية غير مساعدة.
وخلال المفاوضات مارس الوفد الإسرائيلي المكون في الجلسات الأولى من يائير هيرشفيليد ورون بونديك اللذين انضم إليهما بعد ذلك كل من أوري سافير ويوئيل سنجر، كل أشكال التضليل والخداع والمراوغة، وتشدد بصورة مبالغ فيها، وتشبث بمعظم مواقفه من الجلسة الأولى حتى النهائية.
ومن أساليب الخداع التي مارسها الوفد الإسرائيلي بـ"حرفية" عالية وعلى طول مراحل المفاوضات التذرع بالأوضاع الداخلية وتداعيات تقديم أي تنازل على سقوط الحكومة، وكأن الحفاظ على الائتلاف الحكومي الإسرائيلي شأن مقدس المطلوب من الفلسطينيين مراعاة قدسيته، ففي الجلسة الثانية من المفاوضات السرية بداية عام 1993، وعندما طرح المفاوض الفلسطيني أحمد قريع تشكيل لجنة ثنائية غير رسمية أشار هيرشفيليد إلى أن القدس يجب أن تكون موحدة، وانتفض هيرشفيليد غاضبا قائلاً "في هذه الحالة ستسقط حكومة حزب العمل فوراً، لأن حزب شاس لن يبقى في الحكومة"، وتكرر الموقف مع المفاوض رون بونديك عندما أشار قريع لصعوبة إعلان مبادئ من دون القدس، فقال بونديك "كيف يمكن تمرير موضوع حساس كهذا على حزب شاس، عليكم إدراك أن حزب شاس بإمكانه إسقاط الحكومة".
ومن أساليب الخداع أيضا تراجع الوفد الإسرائيلي في كل مرة عن اتفاق الجولة السابقة عندما يرغب في تغيير بند أو فقرة، فقد طالب قريع بعدما شعر بالمراوغة والخديعة وخروج الوفد الفلسطيني صفر اليدين حتى الجلسة العاشرة رغم التنازلات التي قدمت، بتحديد ملامح المرحلة الانتقالية بدقة وقضايا المرحلة النهائية ومشاركة سكان القدس بالانتخابات، رد أوري سافير في الجلسة العاشرة في تموز/يوليو 1993م عليه "بأننا لا نستطيع مناقشة هذه القضايا، لأننا لو تعاطينا مع ما تطرحونه وعلم رابين وبيرس بذلك فسيغلقان هذه القناة التفاوضية فوراً، لذلك وحرصاً منا على استمرار هذه القناة لن أدون أي محضر"، وقد عقب سافير في نهاية الجلسة على مطالب الوفد الفلسطيني ببحث موضوع القدس بأن هذه "المواضيع ليس من الحكمة البحث فيها الآن".
واتقنت إسرائيل كعادتها وباحترافيه عالية التلاعب بالنصوص، وصياغة المصطلحات الفضفاضة، وتعدد تفسيرات القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وجندت لهذه المهمة خلال المفاوضات أفضل خبرائها القانونيين، وأكثرهم تجربة في صياغة الاتفاقيات الدولية، وبعد تأكد رابين وبيرس من جدية القناة السرية وحيز المرونة الفلسطينية غير المتوقع، قررا تعزيز الوفد الإسرائيلي بأوري سافير مدير عام وزارة الخارجية، الذي أثار إعجاب رابين عندما عبر عن امتعاضه الشديد من الوثيقة التي أعدها المفاوضان في الجولة الخامسة، كونها تحمل في طياتها أكثر مما يستحقه الفلسطينيون، فكان أول حديثه في الجولة السادسة لقريع أنه "يجب نسيان فكرة الدولة الفلسطينية مؤقتاً، وتأجيل الحديث في موضوع القدس، والمستوطنات، والتفاوض الجدي متوقف على تجاوز هذه المسائل الشائكة في المرحلة الحالية"، وانضمام يوئيل سنجر وهو أستاذ في القانون الدولي، وخدم مصالح إسرائيل عدة سنوات من خلال مكتب للمحاماة في واشنطن، وشارك في مفاوضات كامب ديفيد، وساهم في صياغة اتفاقية فك الاشتباك بين إسرائيل وسورية ومصر، وفوق ذلك اختيار بيريز له عندما وصله رأيه في مسودة اتفاق الجولة الخامسة والتي تلخصت بأنها "غير صالحة".
ومن الأمثلة على ذلك قبول الوفد الإسرائيلي تغيير صيغة "تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و338 وفقاً لما يتفق عليه الطرفان" إلى "المفاوضات حول الوضع النهائي ستؤدي إلى تطبيق القرارين 242 و338" في وثيقة إعلان المبادئ، ولكن المشكلة هنا ان لإسرائيل تفسيرا خاصا بها لقراري مجلس الأمن سالفي الذكر.
وفي نهاية مفاوضات قناة أوسلو ولحسم القضايا المختلف عليها، تم فتح خط اتصال تلفوني استمر لسبع ساعات بين استكهولم عاصمة السويد التي تواجد فيها شمعون بيرس، وتونس حيث مقر الراحل ياسر عرفات، بمعاونة محمود عباس وياسر عبد ربه، وهناك خط ثالث لم يكن الفلسطينيون على علم به وهو الخط المباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين في تل أبيب، ومن خلال هذه القناة التلفونية التي غاب عنها أي مستشار قانوني فلسطيني تم حسم القضايا العالقة لتمهد الطريق لتوقيع الاتفاق في حديقة البيت الأبيض.
كان من الواضح من الجولات الأولى لمفاوضات قناة أوسلو السرية أن المفاوض الفلسطيني ورغم ورقة الانتفاضة الضاغطة، كان يبحث عن تحقيق أي إنجاز وتحصيل ما يمكن تحصيله، وهو ما فهمه المفاوض الإسرائيلي وتأكد منه بعد المرونة العالية والقابلية غير المحدودة لتقليب المواقف والتراجع والقبول بالصيغ العامة والفضفاضة، هذا السلوك فتح شهية الإسرائيليين على مصراعيها، وفي الوقت الذي كانت فيه القيادة الإسرائيلية قد أعدت مخططها وحددت أدواتها ووضعت تصوراً لمخرجاتها، لم يكن المفاوض الفلسطيني ومن خلفة قيادة المنظمة (حركة فتح) لديهم إلا هدف الدولة بعيد المنال، ولا يوجد غير ذلك، وفي الوقت الذي كان فيه المفاوض الإسرائيلي مؤهلاً خاصة في الجانب القانوني، ومسنودا برؤى وخرائط وتفصيلات من المؤسسة الأمنية والعسكرية ومستشارين رسميين وغير رسميين، كان المفاوض الفلسطيني يتحرك في سياق دائرة ضيقة، وفي النهاية كانت الخلافات تترك لشخص أو شخصين للبت فيها.
فكانت النتيجة متوقعة، كارثة حقيقية حلت بالقضية الفلسطينية، والوقائع على الأرض بعد ربع قرن لصالح الاحتلال لا تحتاج إلى إثبات.
(باحث فلسطيني في الشأن الإسرائيلي)