كيف تؤثّر قنوات الأطفال وأغنياتها على أطفالنا؟

كيف تؤثّر قنوات الأطفال وأغنياتها على أطفالنا؟

19 يناير 2015
فاقت مشاهدات بعض قنوات الأطفال على الإنترنت المليار
+ الخط -
تجتاح العشرات من قنوات الأطفال والتلفزيونات، سواء الأجنبية أم العربية. وتجتاح الفضائيات العربية البيوت. فمن منّا لا يستمع ابنه أو ابنها، أو أطفال من عائلتهم، إلى "طيور الجنّة" أو "نون" أو غيرها؟ 


فطيور الجنّة بات عدد مشاهداتها على موقع يوتيوب، إلى تاريخ كتابة هذا الموضوع، أكثر من مليار و138 مليوناً، مع أكثر من مليون و200 ألف مشترك، خلال سبع سنوات، فيما حظيت "نون" بمائة ألف مشترك و40 مليون مشاهدة خلال عام تقريباً، وقناة "كرميش" شاهد فيديوهاتها 120 مليوناً في ثلاث سنوات، مع 142 ألف مشترك.

وهذه أرقام عملاقة. فقناة الجزيرة مثلا، التي تأسّست على الإنترنت قبل عام من "طيور الجنّة"، مشتركوها لا يصلون إلى 700 ألف، وعدد مشاهداتها لا يزيد على 330 مليوناً. الأطفال إذاً يشاهدون الإنترنت أكثر من أهلهم، ويشاهدون قنوات محدّدة تبثّ أغنيات محدّدة بمواضيع قليلة، تعليمية وتثقيفية. 

لكن هل يمكن أن تثق الأسرة العربيّة بمحتوى هذه القنوات من دون أن تعرف عن مموّليها وأهدافها شيئاً؟ أم يتوجب مراعاة واختيار برامج دون أخرى؟ 

يقول الباحث في التربية والفنون نعمة نعمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن هذه القنوات بشكل عام إنّها تكاثرت "بعدما شهدنا تخلّي الأدوات الرسمية والحكومات العربية في الثمانينيّات عن وسائل الإعلام وتخصيصها على حساب المحطات الرسمية. فباتت محكومة بالتمويل من الإعلانات ومن الشركات الكبرى التي اشترت معظم المؤسسات الخاصّة، ما أدّى إلى إضعاف القنوات الرسمية".

يشرح نعمة أنّ هذه القنوات "بعضها مدعوم من دول وبعضها شركات خاصّة، هدفها إمّا تجاري بحت وإما سياسي، من ضمنها أهداف أيديولوجية"، ويجزم أنّ "جميعها أهدافها أيديولوجية وهي تُروّج للفكر النيوليبرالي، أو الإسلامي أو الحزبي، في تسويق الأفكار".

وعن قنوات الأطفال شدّد نعمة على "أهمية الأطفال في المجتمع فهم جزء أساسي من مكوّناته وهم يشكّلون نحو 40 في المائة من المجتمعات العربية، وهذه الفئة العمرية هي الأهمّ لأنّ المفاهيم في هذا العمر تؤثّر على شخصيات الأطفال وخياراتهم عندما يكبرون. وبالتالي فإنّ عملية التحريض لا تُوجّه إلى البالغين فقط، والأطراف السياسية تُركّز على هذه الفئة". 

ويقول نعمة عن قنوات الأطفال، مثل "طيور الجنة" و"المنار الصغير"، إنّها "تسوّق لفكر ديني. ويتفاوت حجم التسويق، أي ضخّ الفكر الأيديولوجي الديني، بحسب الحزب أو التيار الذي تمثّله القناة. لكنّها تحمل دعوات إلى الأطفال ليؤمنوا بمثل عليا. وهو جزء من صناعة رأي عام وبيئة، قد تكون لينة أو متطرّفة وأحيانا أقلّ تطرفاً، لكنّها تُهيّئ الأطفال ليكونوا جزءًا من البيئة التي تمثّلها المحطة".

ويكمل نعمة: "بعض القنوات تهيّئ الأطفال ليكونوا آلات قتل حيث يجب وآلات دعم حيث يجب، وهي قادرة على أن تلعب دوراً في خلق علاقة تفاعلية مع المحيط كما يُمكنها خلق دور تصادمي وقاتل للمجتمعات".

ويشرح نعمة أنّ "هناك أشكالاً عديدة في تقديم مادّة إلى الأطفال، تعتمد على ثلاث ركائز هي التالية: الحدث، والقصّة، والإطار. فإذا كانوا واقعيين تُصبح عملية القبول للتصديق أكبر لدى الطفل".

وعن برنامج Tom & Jerry مثلا، الذي تربّت أجيال على مشاهدته، وإذا ما كان يُروّج للعنف، يقول نعمة إنّ "الطفل يعرف ضمناً أنّ المشكلة بين القطّ والفأر لا توصل إلى الموت ويفصل الخيال عن واقعه ولا يتماهى معه بشكل كامل، لكنّ قناة طيور الجنة مثلا تحمل فكراً مسيّساً أو أيديولوجياً معيّناً، وهناك تماهٍ مع الشخصيات والحدث والموسيقى".

ويقول نعمة إنّ "هذه القنوات لا تفتقد فقط إلى الدراسة، فيجب عليها أن تلتزم باتفاقية حقوق الطفل، وأن تحترم حريّة اختيار الدين الذي يُريده الطفل، وهذا ليس فقط موجّهاً إلى القنوات بل أيضا إلى المدارس والقوانين التي تُعامل الطفل على أساس أنّه ليس حرّاً".

لكنّ صاحبة دار نشر "أصالة"، الذي ينشر كتباً للأطفال حصراً، والحائزة على ماجستير في أدب الأطفال، شيرين كريدية، اعتبرت أنّه "حتّى البرامج الأجنبية الخاصّة بالأطفال باتت عنيفة مثل النسخ الجديدة من Tom & Jerry الذي يحتوي على مشاهد عنيفة".

وأضافت في حديث لـ"العربي الجديد": "مشكلة القنوات العربية أنّها تترجم البرامج الأوروبية التي ليس لها علاقة بواقع الطفل، مثل برامج عن القطار، ونحن ليس لدينا في العالم العربي قطار، وهنا باتت الترجمة غير مدروسة".

ومن بين القنوات العربية أعطت كريدية رأيها بقناة "طيور الجنة" التي اعتبرتها "تُعطي العبر وتعظ الأطفال ولا تتركهم ليختاروا كما تفعل البرامج الأوروبية، التي تطرح المشكلة وتترك الأطفال يبحثون عن طرق لحلّها بمفردهم. كما أنّ الموسيقى في طيور الجنّة قويّة وسريعة وقاسية، فتقود إلى الوعي والاختبارات والدراسة".

لكن هل تبعد هذه البرامج والقنوات أطفالنا عن قراءة الكتب، وتستبدلها بالإكثار من مشاهدة التلفزيون؟ تجيب كريدية: "هناك اليوم ما هو أقوى من التلفزيون. فقد باتت الكتب تستبدل بالآيباد". وهنا تلفت إلى "أهمية دور الأهل في هذا الموضوع. فهم نموذج لأطفالهم، الذين يُقلّدونهم في كثير من الأفعال". وتستغرب أنّ "الأهل ما عادوا يقرأون قصّة لأطفالهم الصغار قبل النوم أو يخصّصون وقتا للمطالعة معاً، فالمعلمة هي التي تشتري الكتب والقصص أكثر من الأهل"، تقول بحسب خبرتها في دار النشر الذي تملكه وتديره. 

المساهمون