كيري .. والوصفة العراقية في اليمن

كيري .. والوصفة العراقية في اليمن

04 سبتمبر 2016
+ الخط -
تسعى الولايات المتحدة الأميركية، عبر مقترحات وزير الخارجية جون كيري بشأن اليمن، إلى توريط اليمنيين في صراع أقليات وأكثريات، عبر توصيف جماعة الحوثي الانقلابية بـ "الأقلية". نعم، الحوثيون أقلية بالمعنى الفيزيائي العددي، لكنها ليست جماعة من الدراويش الذين يواجهون تمييزاً قائماً على الدين والهوية واللغة من اليمنيين.
أساس المشكلة أنّ هذه "الأقلية" وثبت على حلم اليمنيين بدولة المواطنة والقانون، واستولت على الدولة وسلاحها، واستدعت تدخلاً عسكرياً دولياً على البلاد، ولا زالت تصرّ على أنّها جماعة مقاومة "للعداون الخارجي" من دون الشعور بفداحة الانقلاب على خيارات اليمنيين في الداخل، ودفعهم إلى حمل السلاح في مشهد متخم بالكراهية والانتقام، من ذلك الاستخفاف الذي طال الإجماع الذي أسّسه الشباب اليمني في ربيع العام 2011. ولن ننسى أن هذه الأقلية أمطرت مدينة واحدة فقط بخمسين ألف قذيفة، وقتلت فيها آلاف الأبرياء، وخلفت نحو 22 ألف جريح، وهذا هو جوهر الصراع مع ما سمّاه كيري أقلية.
الملاحظ أنّ كثيرين في الوسط السياسي والثقافي اليمني احتفوا بتصريحات كيري، باعتباره تقليلاً من نصيب الحوثيين في أيّ تسويةٍ مقبلة، كونهم أقلية لن تأخذ أكثر من حصتها في كعكة السلام السياسي والاجتماعي التي اقترحتها الأمم المتحدة. لكن الأمر احتوى، في جوهره، على قنبلة طائفية موقوتة، أساسها التقسيم القائم على الهويات والعناوين المذهبية التي دأبت، قروناً، داخل المجتمع اليمني الممتد من جبال صعدة حتى ساحل المهرة.
التواطؤ الغربي باتجاه إحداث انقسامات هوياتية في اليمن بات مفضوحاً، وإن قبل به اليمنيون تحت تأثير الصدمة سيرفضه الضمير الثوري الذي دافع عن خيارات الجميع، بمن فيهم جمهور الانقلاب، بالمواطنة القائمة على احترام حريات الفرد والتمييز الموضوعي القائم على المعرفة والكفاءة.
تلك هي الأسئلة التي تشغل عقول اليمنيين منذ ثورات الربيع العربي: الديموقراطية. فلدى الغالبية العظمى من اليمنيين اعتقاد راسخ بأنّ الديموقراطية هي المدخل الرئيس للسلام والعدل والرخاء الاقتصادي. ومن دون إخضاع الضمير اليمني لمادة اختبار عصرية للتمثيل السياسي وإدارة مصالح البلاد، ستبقى كلّ الحلول ضرباً من التنظير الفارغ الذي يؤسّس لجولات أكثر عنفاً من الصراع في المستقبل. وأزعم أنّ المجتمع الدولي يدرك ذلك جيداً، لكنه يوّزع الحلول "كأوراق الكوتشينة" على مساحةٍ مرعبة من الصراعات المسلحة التي تمتد من جبال كردستان حتى صحراء ليبيا، من دون حسابات أخلاقية أو إنسانية، كالتي تظهر عبر منظمات الإغاثة التي تطعم المئات قليلاً من الخبز وتتواطأ لحصار الملايين بمتتاليةٍ لانهائيةٍ من الحروب.
60862200-2486-49D1-BAB0-674115E16A02
60862200-2486-49D1-BAB0-674115E16A02
محمد السامعي (اليمن)
محمد السامعي (اليمن)