فرضت سويسرا، في 23 يوليو/ تموز الجاري، الحجرَ الصحي على القادمين من الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث باتت تُصنِّف من الأماكن الأكثر عرضةً للإصابة بفيروس كورونا. وهذا ما حدا صديقة سويسرية على أن تراسلني وتسألني: "فلسطين الآن على قائمة بلدان الحجر الصحي في سويسرا. إلى أي حدّ صار الوضع سيئًا؟" فأجبتها: "سيئ، ومن الممكن أن يسوء أكثر".
عندما سألتني صديقتي عن وضع الفيروس في فلسطين في أواخر الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، كنت قد أخبرتها أن "انتشار كوفيد - 19 خفيف - متوسط، ولكن من المتوقع وصول موجة أخرى أقوى وأعتى، سيما في ظل ضعف البنية التحتية الصحية، والوضع المالي الهش والمتدهور للسلطة الفلسطينية، والتداعيات السياسية التي يخلفها الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وخصوصا التهديد الوشيك بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية". وهذه كانت الرسالة الرئيسية لموجزٍ سياساتي تشاركت في كتابته مع الزميلة يارا هواري بعنوان "فلسطين وكوفيد - 19: المعايير العالمية والمقيدات المحلية".
لا يلبي قطاع الرعاية الصحية الفلسطيني، في الوقت الحالي، المعايير الأساسية المطلوبة بسبب عقود من الاحتلال العسكري الإسرائيلي
ولغاية 19 يونيو/ حزيران، سجلت الضفة الغربية المحتلة (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة 834 حالة إصابة مؤكدة وخمس وفيات. وأُجري حتى ذلك التاريخ 69730 فحصًا، وبلغ عدد المحجورين صحيًا في منازلهم 97078 شخصًا، أي أن معدل الإصابة لكل مائة ألف نسمة بلغ 16.6، بينما بلغ معدل الوفيات 0.1 لكل مائة ألف نسمة. والأمر المقلق لم يكن تلك الأرقام بحد ذاتها، وإنما حتمية حدوث موجة ثانية أقوى.
ومنذئذ، أخذ الوباء يتفشّى حتى بلغ عددُ الحالات المؤكدة لغاية تاريخ 27 يوليو/ تموز 12,958 وبلغ عدد الوفيات 79 (أي أن الأرقام تضاعفت 16 مرة في غضون شهرٍ). وبلغ مجموع الفحوص183,541، وبلغ معدل الإصابة 259 ومعدل الوفيات 1.6 لكل ألف نسمة. وسيكون استمرار هذه الاتجاهات كارثيًا، بالنظر إلى كل ما يكابده الفسطينيون من معوقات ومقيدات.
لا يلبي قطاع الرعاية الصحية الفلسطيني، في الوقت الحالي، المعايير الأساسية المطلوبة بسبب عقود من الاحتلال العسكري الإسرائيلي، حيث تبلغ الطاقة الاستيعابية لوحدات الرعاية المكثفة المخصصة للبالغين في المستشفيات الحكومية والخاصة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، 375 سريرًا (255 في الضفة الغربية و120 في قطاع غزة)، و295 جهاز تنفس (175 في الضفة الغربية و120 في قطاع غزة). وتوجد في الضفة الغربية وقطاع غزة 82 مستشفى بطاقة استيعابية تبلغ 6,440 سريرًا (1.33 سرير لكل 1,000 نسمة) تخدم خمسة ملايين نسمة.
بلغ معدل الإصابة بفيروس كورونا 259 ومعدل الوفيات 1.6 لكل ألف نسمة
يصف تقريرٌ صادر من الأمم المتحدة في 2018 قطاعَ غزة على وجه الخصوص بأنه "غير صالح للعيش"، حيث يبلغ معدل البطالة 45-52%، ويعيش 53% من سكان القطاع تحت خط الفقر، وتعاني 68% من الأسر المعيشية انعدامَ الأمن الغذائي. ولا ريب في أن أزمة كورونا سوف تفاقم تداعيات الأزمة والكارثة السياسية الراهنة.
هذا الوضع السيئ مُرشحٌ للتدهور، لأن اللامساواة في فلسطين هيكلية وبنيوية ومتجذرة سياسيا، وتعكس اختلالات القوة بين المستعمِر والمستَعمَر، غير أن الجائحة تضع أمام المجتمع الدولي فرصةً أخرى لمعالجة الأسباب الجذرية والجوهرية المسؤولة عن اللامساواة الهيكلية، بدلًا من المناورة حولها وتفاديها.
إسرائيل لا تُفاقم وحسب الظروف التي تزيد مدى عرضة الفلسطينيين للإصابة، بل تتحمّل المسؤولية المباشرة أيضًا عن إحداثها في المقام الأول
وفي هذا الصدد، أعلن البروفيسور مايكل لينك، مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ 1967، في مارس/ آذار الماضي، أن "الواجب القانوني الذي نصت عليه المادة 56 من اتفاقية جنيف الرابعة يفرض على إسرائيل، باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال، أن تتخذَ كل التدابير الوقائية اللازمة المتاحة لها لمكافحة تفشي الأمراض المعدية والأوبئة". وحذَّر بروفيسور لينك من أن نظام الرعاية الصحية في غزة كان "في حالة انهيار حتى قبل الجائحة بالنظر إلى النقص المزمن في الأدوية الأساسية، وتلوث مصادر مياه الشرب الطبيعية إلى حدٍ كبير، والانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي، وتفشي الفقر المدقع في ظل الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية المزرية في القطاع". وأردفَ لينك أن "سكانَ القطاع مهددون بدنيًا أكثر من غيرهم نظرًا لارتفاع معدلات سوء التغذية وضعف السيطرة على الأمراض غير المعدية، والاكتظاظ السكاني والعمراني، وافتقار كبار السن إلى الرعاية التمريضية المناسبة، وارتفاع نسبة المدخنين". ولذلك حذَّر من أن "تفشي الوباء على نطاق واسع سوف يُرهِق العاملين في القطاع الصحي المحاصر في غزة الذين اضطرّوا بمواردهم غير الكافية إلى التصدّي لثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق في غضون عقد ونيف، وإلى معالجة آلاف الجرحى الذين أُصيبوا في مسيرات العودة الكبرى".
وهكذا فإن إسرائيل لا تُفاقم وحسب الظروف التي تزيد مدى عرضة الفلسطينيين للإصابة، بل تتحمّل المسؤولية المباشرة أيضًا عن إحداثها في المقام الأول.