كورونا يضرب تحويلات المغتربين ويهدد ميزانيات الأسر والدول

مغتربون مصريون في الكويت
27 اغسطس 2020
+ الخط -

تفجر جائحة كورونا مجموعة من التحديات لمخططي السياسات المالية والاقتصادية في العالم، وتؤسس للعديد من التغيرات في قطاع المغتربين الذي يعد من أهم المكونات التي تعتمد عليها الأسر بالمجتمعات الفقيرة وتعتمد عليها الدول النامية في الحصول على العملات الصعبة التي تحتاجها لدعم عملاتها المحلية وتخفيف وطأة التضخم. وكانت الجائحة قد أطلقت أزمة سيولة دولارية خلال الربع الثاني من العام الجاري كانت الدول الفقيرة والناشئة أكبر ضحاياها.

في هذا الشأن، يقول الاقتصادي بالبنك الدولي ديليب راثا إنّ تحويلات المغتربين تعدّ من موارد العملات الصعبة المهمة بالنسبة للاقتصادات الفقيرة والناشئة، كما أنها من الموارد الرئيسية التي تعتمد عليها الأسر الفقيرة في تمويل نفقات الصحة والتعليم ومستلزمات الغذاء في العديد من دول العالم.
ويشير راثا، في تحليل بهذا الصدد، إلى أن حجم تحويلات المغتربين في أنحاء العالم تفوقت في العام الماضي على حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة، إذ بلغت قيمتها 554 مليار دولار، مقارنة بقيمة التدفقات الاستثمارية المباشرة التي بلغت 540 مليار دولار.

لكن منذ بداية العام الجاري وتفشي جائحة كورونا، شهدت تحويلات المغتربين تراجعاً كبيراً بسبب تداعيات الجائحة على النشاط الاقتصادي في الدول الغنية والدول النفطية في منطقة الخليج العربي. 

وبحسب متابعين للملف، فإن تراجع التحويلات العالمية يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية وهي: خسارة المغتربين وظائفهم، والصعوبات التي واجهوها في التحويل بسبب إغلاق العديد من المصارف ومحال الحوالات في بعض الدول، وصعوبة السفر إلى بلدانهم. 

وحسب تعليقات الخبير راثا، فإن العديد من المغتربين يعتمدون على حمل السيولة النقدية إلى بلدانهم أثناء السفر أو التحويل عبر شبكات محلية، خاصة المغتربين في دول الخليج العربية.

ويقدر خبراء حجم التحويلات التي تتم عبر السيولة النقدية بنسبة تراوح بين 80 إلى 85% من إجمالي حجم التحويلات العالمية، كما قدرت تحويلات العاملين المغتربين من دول الخليج بنحو 113.1 مليار دولار في العام الماضي 2019 مقابل 117.9 مليار دولار في 2018.

وفي ذات الصدد، تشير دراسة إلى أن جائحة كورونا ضربت الدخول لنحو 272 مليون مغترب في العالم كانت تعتمد عليهم الأسر في إعالتها بشكل مباشر أو غير مباشر، كما تعتمد عليهم دولهم في الحصول على العملات الصعبة. ويقدر البنك الدولي تراجع التحويلات العالمية خلال العام الجاري 2020 بنحو 111 مليار دولار، كما توقع عودتها لتعويض 6.0% من الخسارة في العام المقبل 2021. كما توقعت دراسة صدرت عن بنك التنمية الآسيوي تراجع التحويلات بدول آسيا والمحيط الهادئ بين 31.4 و54.3 مليار دولار خلال العام الجاري.

وتعد بلدان آسيا من الدول العالمية الكبرى من حيث حجم استقبالها لتحويلات المغتربين، إذ تحتل 6 دول منها مراكز متقدمة بقائمة الدول العشر الكبرى المستقبلة للتحويلات المالية. وهذه الدول هي الهند والصين وباكستان والفيليبين وبنغلادش وفيتنام.

وبحسب بيانات البنوك المركزية في منطقة آسيا التي نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن تحويلات المغتربين تراجعت بنسبة 22% في جنوب آسيا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام، إذ تراجعت بنسبة 25% في بنغلادش و22% في سريلانكا. ويعني تراجع التحويلات في دول العالم الفقيرة تدهور المستوى المعيشي للأسر وتقويض التقدم الذي حدث على صعيد خفض الفقر المدقع وردم فجوة الدخول والتداعيات السالبة على صعيد التعليم والصحة. وعادة ما تعتمد الأسر الفقيرة في العالم النامي على تحويلات مغتربيها في دفع المصاريف الدراسية وتسديد كلف العلاج وشراء الأدوية.

وتمثل التحويلات المالية نسبة 5% من إجمالي الناتج المحلي لنحو 66 دولة، من بينها الدول العربية غير النفطية، خاصة الدول العربية التي تعاني من الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية مثل اليمن والسودان وسورية والعراق. ودعا المنتدى العالمي، الذي يوجد مقره في دافوس بسويسرا، في تقرير هذا الشهر حول تحويلات المغتربين، إلى ضرورة إنشاء دول جنوب آسيا الأكثر تضرراً مجموعة عمل لدعم الدول والأسر المتضررة من أزمة التحويلات. كذلك اقترح عليها أن تطالب المصارف بخفض كلف تحويلات العمالة المهاجرة التي لم تفقد وظائفها بنسبة تراوح بين 3 إلى 5%، وكذلك رفع الكلف كلياً عن التحويلات التي تقل عن 200 دولار. 

على الصعيد العربي، تواصل جائحة كوفيد 19 تأثيراتها المدمرة على دول الخليج النفطية التي كانت تمثل واحدة من أهم المناطق لتشغيل العمالة العربية الوافدة من مصر والسودان والأردن وسورية ولبنان والمغرب. كما أنها أثرت بشكل مباشر على القروض السهلة وبنسب الفائدة المنخفضة التي كانت تحصل عليها الدول غير النفطية من الصناديق العربية، كما ضربت المساعدات المباشرة التي كانت تقدمها الدول النفطية.

على صعيد التحويلات، يشير البنك المركزي الأردني إلى أن تحويلات المغتربين تراجعت في الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري. وتعتبر تحويلات المغتربين أحد المصادر المهمة للعملة الصعبة في الأردن إلى جانب الاستثمار الأجنبي المباشر والدخل السياحي والإيداعات بالدولار علاوة على إيرادات الصادرات. وأشار البنك المركزي الأردني في تقرير إلى أن تحويلات المغتربين تراجعت بنسبة 5.9% في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري إلى 800 مليون دينار (1.128 مليار دولار)، مقارنة مع 851 مليون دينار خلال نفس الفترة من 2019.

أما في اليمن، الذي يعاني من الحرب، فقد تراجعت التحويلات بنسبة تراوحت بين 70% و80% بحسب تقديرات متفاوتة، إذ تقول منظمة "أوكسفام" الدولية التي تعمل في اليمن على مساعدة ضحايا الحرب، إن التحويلات تراجعت بقيمة 253 مليون دولار، أي بنسبة 80% في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، مقارنة بمستوياتها في نفس الفترة من العام الماضي.

من جانبها، قالت منظمات محلية إن التراجع في تحويلات المغتربين بلغت نسبته 70%. وتأتي معظم التحويلات اليمنية من السعودية وأميركا. ولكن الولايات المتحدة تحاصر منذ مدة تحويلات المغتربين اليمنيين بحجة قوانين الإرهاب، بينما يتعرض العديد من اليمنيين في السعودية لعمليات طرد بتهم انتمائهم لجماعة الحوثي.

أما في السودان، فقد قدر جهاز السودانيين العاملين في الخارج، عدد المغتربين بنحو 6 ملايين مواطن. ويقدر الجهاز تحويلاتهم السنوية بمبالغ تراوح بين 3.5 و4.5 مليارات دولار. ولكن خلال النصف الثاني من العام الجاري خسر العديد من المغتربين وظائفهم في السعودية وبعض دول الخليج.

وسعت دول خليجية لتوظيف الشباب منهم في مليشيات تحارب في اليمن وليبيا، ما أدى لعزوف الشباب من الهجرة لبعض الدول العربية والخليجية.

وتعد مصر من كبريات الدول التي ضربتها تداعيات جائحة كورونا على صعيد تحويلات المغتربين والمساعدات، إذ فقد مئات الآلاف وظائفهم في الكويت والسعودية وقطر والإمارات. ومن المتوقع أن تعاني مصر خلال العامين المقبلين بسبب جفاف المساعدات السخية التي كانت تحصل عليها من السعودية والإمارات والكويت. وتقدر تحويلات المصريين في الخارج بنحو 25 مليار دولار سنوياً.

أما على صعيد الدول الأفريقية الأخرى، فيتوقع البنك الدولي أن تنخفض تحويلات العاملين في الخارج إلى الدول الأفريقية ــ جنوب الصحراء بـ23 في المائة إلى 37 مليار دولار في 2020 بسبب جائحة كورونا.

المساهمون