كورونا يختبر النظام البرلماني التونسي

كورونا يختبر النظام البرلماني التونسي

26 ابريل 2020
تركت طبيعة النظام بصمتها على إدارة الأزمة (ناصر طلال/الأناضول)
+ الخط -
أثيرت في تونس مجدداً أزمة تشتت السلطة بين رؤساء السلطات الرئاسية والتنفيذية والتشريعية، ما أدّى إلى تبعثر الجهود في مواجهة أزمة تفشي وباء كورونا. ورأى متابعون أن توزيع الصلاحيات التي يفرضها النظام السياسي، قد ترك أثره على صناعة القرار، في الوقت الذي كان يجدر فيه توحيد الجهود والمواقف، فيما اعتبر آخرون أن تونس تبلي بلاءً حسناً في التصدي للوباء، على الرغم من الشوائب الحاصلة. ومثّلت الأزمة الصحية التي تواجهها تونس، اختباراً حقيقياً للنظام السياسي في البلاد، الذي يعتبر نظاماً برلمانياً معدلاً، أو شبه برلماني، يمنح صلاحيات التشريع والرقابة لمجلس النواب، وتستأثر الحكومة فيه بجلّ الصلاحيات التنفيذية، بينما يهتم رئيس الجمهورية بالدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية.

ورأى المحلل السياسي، ماجد البرهومي، أن تونس "تدفع ثمن تشتت السلطة، ووضعها في يد أطراف متعددة، متناقضة أحياناً، ما قاد إلى بعض الغموض بما يتعلق بتحديد الصلاحيات الممنوحة للأطراف الحاكمة". وأوضح البرهومي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "في النظام البرلماني، مفروضٌ أن تصب جميع الصلاحيات في يد رئيس الحكومة، الذي يمثل حزب الأغلبية، لكننا نجد رئيس الحكومة اليوم، إلياس الفخفاخ، ينتمي إلى حزبٍ دون حاصل انتخابي، في مشهدٍ غريب"، لافتاً إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي وصل إلى الحكم بالاقتراع المباشر، "لا يملك إلا صلاحياتٍ محدودة، ولذلك فإن البلاد ضائعة بين هذا النظام وذاك". ووصف البرهومي، النظام المطبق في تونس بـ"الغريب والهجين"، والذي "أثّر على إدارة أزمة الوباء"، معتبراً أن "تشتت السلطة جعل رئيس الجمهورية قيس سعيّد عاجزاً عن اتخاذ القرارات، حتى أنه يبدو أحياناً، وكأنه ينتمي للمعارضة من خلال بعض تصريحاته"، مضيفاً أن رئيس الحكومة بدوره مشتت بين السلطتين التشريعية والرئاسية، فهو يمثل الأحزاب البرلمانية التي صوتت له، وأيضاً رئيس الجمهورية الذي اختاره، ومنه يستمد شرعيته، كما أن السلطة المحلية أي البلديات تتحرك في مسار آخر مختلف عن المركز". والمحصلة، برأيه، أن التشتت "ترك بصمته على إدارة الأزمة، حيث كان من المفترض أن ترتفع نسبة التنسيق، وهو ما لفت إليه أخيراً مجلس الأمن القومي، الذي دعا إلى توحيد القرار، في محاولة منه لحصر السلطة في اتجاه واحد".


لكن البرهومي قلّل من المخاوف التي تُثار حول إمكانية "عودة الاستبداد"، معتبراً أنها غير واردة، لأن النظام السائد برأيه كان "يجمع فيه رئيس الجمهورية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي الأنظمة الرئاسية الأمر مختلف، فكل سلطة تراقب الأخرى وتمنعها من التجاوز"، كما "يمكن الإشارة إلى النظام البرلماني، حيث يتم تعيين رئيس الجمهورية من قبل البرلمان، ويصبح غير منتخب، ولا يعرقل عمل رئيس الحكومة الذي يمثل الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحكومي"، مؤكداً أن تونس لم تحسم طبيعة نظامها، في الوقت الذي يجب توحيد القرار لتتمكن البلاد من مواجهة الأزمات المستقبلية، فكورونا لن يكون الأزمة الوحيدة.

من جهته، شدّد النائب عن حزب "تحيا تونس"، وليد جلاد، على أن رئيس الحكومة "يتمتع بصلاحيات واسعة وتنفيذية، لكن هناك تذبذباً حاصلاً حول بعض القرارات وغياب تنسيق أحياناً". وأوضح جلاد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن رئيس الحكومة الحالي إلياس الفخفاخ "يتمتع بصلاحيات لم يتمتع بها أي رئيس حكومة منذ الثورة، فالأزمة التي تمر بها تونس، فرضت تفعيل الفصل 70 من الدستور، ولكن غياب الجرأة في اتخاذ القرار، ونقص الخبرة في تسيير الأعمال، هما وراء هذا التذبذب، بحكم أن الحكومة جديدة". وأعطى مثالاً أنه "على مستوى مجلس الأمن القومي أخيراً، لوحظ غياب وزير الصحة عبد اللطيف المكي، وذلك ربما لحسابات سياسية"، لافتاً إلى عدم ملاحظته "أي تضامن بين الفريق الحكومي، ما قد يؤثر على تسيير شؤون الحكم، خصوصاً في أوقات الأزمات".

في المقابل، رفض النائب عن التيار الديمقراطي، هشام عجبوني، الحديث عن تشتتٍ للجهود، لأن "اللجنة الوطنية لمجابهة الكوارث غيّرت من إطارها القانوني، وتمّ استخدامه للهيئة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا، إلى جانب تخصيص غرفة عمليات موحدة يشرف عليها رئيس الحكومة مباشرة، وبالتالي فالقرارات مركزية، ولم يتم تحويل جزء منها للجماعات المحلية".

وأشار عجبوني في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذا لا ينفي وجود حالة ارتباك في بداية الأزمة، لأن لا أحد كان يعرف طبيعة الفيروس"، مذكراً بأن تونس كانت من بين الدول التي اتخذت قرارات استباقية على الرغم من عدم توفر إطار تشريعي لذلك، وكذلك ضعف الإمكانات، ما ساهم، مقارنة بعديد الدول، في التخفيف من حدّة كورونا، مؤكداً في هذا الصدد أن أرقام الإصابات "لا تزال إلى الآن مطمئنة".

وتعليقاً على بعض المظاهر، رأى عجبوني أنه "على الرغم من عدم الرضا على بعض الإجراءات والنقائص الحاصلة من اكتظاظ أمام مراكز البريد ومخالفة وزير الصحة لقواعد السلامة أثناء زيارته إلى محافظة سوسة، وكذلك خرق رئيس الجمهورية للإجراءات أثناء زيارته لمنطقة القيروان، إلا أن الوضع لا يزال تحت السيطرة".

وحول طبيعة النظام، شدّد عجبوني على أن المُشرّع التونسي انتبه إلى مسألة النظام السياسي في الأزمات، فكان الفصل 70 (من الدستور) الذي يمنح مزيداً من الصلاحيات للسلطة التنفيذية، أي لرئيس الحكومة، والذي يجمع اليوم تقريباً 80 في المائة من الصلاحيات التنفيذية"، مضيفاً أن مجلس الأمن القومي الذي حضرته الرئاسات الثلاث "يعمل أيضاً على اتخاذ قرارات هامة، وبالتالي فالوضع هو وضع حرب، وفي الحروب عادة قائد واحد يقود السفينة، لكن باستشارة الجميع".

وأثار عجبوني مسألة غياب المحكمة الدستورية، والتي قد يحصل جرّاءه "تنازع حول الصلاحيات، لكن تونس عموماً بصدد توحيد القرارات، فرئيس الحكومة يلعب دوره بحسب الفصل 70، بما يمكنه من إصدار المراسيم لإدارة الأزمة جيداً، أما رئيس مجلس النواب (رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي) فيُمارس صلاحياته التشريعية أيضاً، وهو ما ينطبق على رئيس الجمهورية، أي القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي فعّل جزئياً الفصل 80، الذي يتم اللجوء إليه في حالات الخطر الداهم، وبالتالي فالتعامل إلى الآن إيجابي مع أزمة كورونا".

وأخيراً، شدّد القيادي في حركة النهضة، نور الدين العرباوي، في تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، على أن تونس تعيش وضع طوارئ، حتى وإن لوحظ اضطراب فهو طبيعي، ولا يبرز سلبية النظام السياسي أو يضر بتوزيع الصلاحيات"، مؤكداً أن كل طرف يحاول من موقعه تحمل مسؤوليته، وأن ما حصل "هو تنافس على المصلحة العامة، استفادت البلاد منه، على أمل تجاوز الثغرات".