كورونا ونظرية المؤامرة!

كورونا ونظرية المؤامرة!

01 ابريل 2020
+ الخط -
منذ بداية ثورات الربيع العربي، يبدو العالم وكأنه يتجهز لحدث ما تجهله الشعوب، وتعلمه قيادات الدول العظمى. في نظري، ما كانت هذه الثورات إلا لإعادة تقسيم المقسم في سايكس بيكو في ظل أزمة اقتصادية عالمية طاحنة تحاول الدول الكبرى إيجاد حلول لها.

بعد أن انتهت مرحلة الربيع العربي، وتخلص العالم الأول من ثوراته في سلة الحروب الأهلية، يظهر فيرس كورونا المستجد، والذي يمتد تاريخه منذ عام 1890 حين تفرعت منه أنواع خيلية وبقرية، ثم بشرية في 1950، ثم خفاشية "سارس" في عام 1986 الذي أصيبت به حوالي 8000 حالة، توفي منهم 10% في 2003..

تطور كورونا إلى (MERS-COV) وأدى لوفاة 52 حالة في 2013؛ و93 حالة في 2014؛ تفشت الإصابة به في كوريا الجنوبية 2015؛ وتفرعت منه سلالة جديدة (nCOV-19) في 2019، وبحلول مارس/ آذار 2020 بلغت الإصابات نحو 220 ألف إصابة، وما يزيد عن 9000 وفاة حول العالم.

تتفشى الأنفلونزا الموسمية في كل أنحاء العالم سنويا، مما يؤدي إلى إصابة شديدة لحوالي 5:3 ملايين حالة، وحوالي 290.000 إلى 650.000 حالة وفاة، وفقا للتقديرات الجديدة الصادرة عن مراكز الولايات المتحدة لمكافحة الأمراض والوقاية، وعن منظمة الصحة العالمية، وشركائها العالميين في مجال الصحة؛ ومع ذلك لا تثار حولها كل هذه الضجة!

أكدت تقديرات هذا العام أن موجة الإنفلونزا التي اجتاحت ألمانيا في 2017 و2018 أودت بحياة نحو 25 ألف شخص؛ ويقدر معهد روبرت كوخ عدد الأشخاص الذين يصابون بالإنفلونزا في فصل الشتاء في ألمانيا بما بين 4 و16 مليون شخص.


نشر مركز السيطرة والوقاية في الولايات المتحدة الأميركية أرقاماً صادمة عن أعداد وفيات موسم الإنفلونزا الأميركي، حيث تراوحت منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2019 وحتى فبراير/ شباط 2020 بين 16 ألفا و41 ألفا، وهو رقم هائل إذا ما قورن بضحايا كورونا، وتراوحت حالات الإصابة بين 30 و40 مليوناً. كذلك تصيب الإنفلونزا الموسمية من 2 إلى 6 ملايين شخص في فرنسا، قتلت منهم في 2019 نحو 9500 شخص.

من المثير للدهشة أنه وبالرغم من تاريخ فيرس كورونا الطويل، فإن العلماء لم يتوصلوا إلى لقاح أو علاج يقلّل من تدهور الحالات المصابة؛ وهذا يجعلنا إما أن نتهم العالم بالإهمال والكسل، أو بالتآمر!

هناك تفسيرات تقول إن شركات الدواء العالمية تتهرّب من إنتاج علاج لمرض غير مستمر لأنه لن يكون مربحا كالأمراض المتكررة. ربما نفهم قرارات شركات الأدوية، لكن كيف نستوعب تأخر زعماء العالم في إيجاد حل لهذه الكارثة، مع الأخذ في الاعتبار أننا طالعنا تحذيرات طبية على المواقع العالمية عن هذا الوباء منذ 2018، العام الذي تعرضت فيه ابنتي للإصابة بنفس أعراض كورونا الحالي، ونقلت حالات كثيرة في مدينتي وقتها إلى المستشفيات إثر إصابتها بالتهاب رئوي حاد!

في ظل تاريخ طويل من المخططات والمكائد، والدسائس، وفي إطار الجنون العالمي والأحداث المتلاحقة والمعلومات الشحيحة، لا تستطيع إلا أن تصب تصوراتك عبر نهر مخاوفك الطويل في بحر نظرية المؤامرة.

مع تفشي فيرس كورونا، تعود إلى ذاكرة الجمهور مشاهد من مسلسل (The simpsons) الشهير قبل 27 عاما، الذي يحكي قصة تفشي مرض يشبه كورونا في أميركا عقب تسلمها طروداً من اليابان، ومشاهد من فيلم Contagion) 2011)، الذي استعان مخرجه بمنظمة الصحة العالمية وبآراء العلماء والأطباء ليصبح الفيلم أكثر مصداقية، وكذلك مقتطفات من رواية (eye of darkness 1989)، التي تحدثت عن حرب بيولوجية ينتشر فيها فيرس كورونا من يوهان الصينية، ولمزيد من التذكرة، فإن أحداثاً أخرى ظهرت في أفلام عالمية، وبعد أعوام تم تنفيذها كما هو الحال في فيلم (The long kiss goodnight 1996)، الذي شرح خطة ضرب برجي التجارة العالميين بأميركا؛ ولأني لا أؤمن بالصدف، لا يتبقى أمامي سوى احتمالين، إما أنها خطط سياسية سرّبت، أو أن الأفلام ملهمة لصناع الأحداث العالمية فتبنوها!

إن تعجّل قادة العالم في إظهار فشلهم في إيجاد حل لأزمة كورونا يذكرني بأفلام الخيال العلمي، حين تهتز الصورة، وتنتقل اللقطات من رئيس دولة إلى رئيس وزراء ليواجهوا شعوبهم بحقيقة انهيار منظوماتهم الأمنية أمام مريخيين، فتحدث حالة من الذعر بين المواطنين ينجم عنها سهولة انصياعهم لأوامر حكامهم الذين يخبرونهم أنهم قد أعلنوا الحرب، وأن لا شيء يعلو فوق صوت المعركة.

تتبادل الصين وأميركا الاتهامات، وتدور الشبهات حول ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وغالبا يكون الفاعل هو آخر من يتوقعه المتفرج..

يحيط بأرقام إصابات هذا الفيروس كم كبير من الغموض، فالجمهور يسمع عن رؤساء في الحجر الصحي ولا يدري إن كانوا هناك للوقاية أم لإصابة! ويعلن رؤساء وزراء وفنانون إصابتهم ولا يعلم أهذا من قبيل الدعاية أو لغرض سياسي، ويعلن إعلام دول ديكتاتورية وفاة لواءات في الجيش، ولا يدرى أهو اغتيال أم عدوى؟

يحاصر المواطن أمر مباشر من الحكومات بالبقاء في المنزل بشكل متكرر، وإفراغ لدور العبادة، وتطبيق نفس الإجراءات الاحترازية في كل الدول على الرغم تفاوت معدلات الإصابة بين مناطق وأخرى.

إن هذا التناول الإعلامي المشبوه للمرض، يدفعنا كمتابعين دفعاً إلى التفكير في سيناريوهات قد ينعتها البعض بالمبالغة أو الجنون أو السخف، لكن ما اتفق عليه الجميع أن عالم ما بعد كورونا سيتغير بالتأكيد على نحو ما، فربما ترتفع اقتصاديات دول وتنهار أخرى، وقد تتغير موازين القوى العالمية، أو تتعرض أوروبا لمزيد من الإنهاك لتتنازل عن مكتسباتها في منطقة الشرق الأوسط، أو يكون ما يحدث هو نوع من الانتخاب غير الطبيعي أسوة بما يحدث في الغابات للتخلص من الضعفاء وخاصة كبار السن وذوي الإعاقات الذين يمثلون عبئاً اقتصادياً، أو تغطية على اتفاقات دولية لا يراد لها أن تعلن،أ و تجربة عالمية لشل حركة الكوكب وانصياع كل سكانه لأمر واحد، أو فرصة لانسحابات من حروب للحفاظ على ماء الوجه، أو خلاصا من أجيال قديمة خبرت الحياة والسياسة والتاريخ لتصبح الأجيال الجديدة دون مرجع أو مرجعية.

لا أدري لماذا لا أصدق اهتمام العالم بروح الإنسان مؤخرا، فلو أنها بهذه الأهمية لتوقف مثلا عن حروبه الطاحنة التي خلفت في اليمن مجاعة تضرر فيها أكثر من ثلاثة ملايين شخص، ما أدى إلى تفشي الكوليرا وقتل ما يزيد عن خمسة آلاف، والتي قتلت في سورية ما يزيد عن نصف مليون نفس؛ فهل قتل الإنسان بمرض يختلف عن إزهاق روحه ببندقية؟ الخلاصة أنّ هناك تحولاً ما يختبئ تحت عباءة كورونا لن يظهر إلا بعد هدوء العاصفة.
7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر