كورونا والأزمة الصحية في الصومال

كورونا والأزمة الصحية في الصومال

25 ابريل 2020

شحن مساعدات طبية تركية من أنقرة إلى الصومال (17/4/2020/الأناضول)

+ الخط -
يواجه الصومال، كغيره من بلدان القرن الأفريقي، أزمة صحية متفاقمة، بسبب نقص المعدّات الطبية وشح في المساعدات الدولية والعربية لتجاوز محنته الصحية؛ فضلاً عن نقص حاد في الكوادر الطبية؛ حيث يسجل يومياً أكثر من 20 إصابة بفيروس كورونا، مع وفيات تزداد ارتفاعاً، وقد أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة الفيروس أن 15 شخصاً توفوا بسبب العدوى. والمخيف أن معظم الوفيات تسبب بها نقص في أجهزة الإنعاش وغياب أجهزة التنفس؛ حيث الأسرّة المزوّدة بالمعدّات والأجهزة الطبية اللازمة لعلاج المصابين بالوباء لا تتجاوز الثمانين، مع وجود 286 حالة إصابة مؤكدة لدى الدوائر الصحية في البلاد. على الرغم من أن الحكومة الصومالية رصدت خمسة ملايين دولار لمواجهة جائحة كورونا، وخمسة ملايين أخرى خصصتها للولايات الفيدرالية الأخرى في البلاد. 
واضح أن الصومال في صدارة الدول المهددة بتوسع رقعة جائحة كورونا فيها، كما جيبوتي التي تزداد أعداد الإصابات بالفيروس فيها بشكل مضطرد، وقد بلغت نحو 400، بالإضافة إلى كينيا (نحو 300 إصابة)، لكن معدل الوفيات ما زال كبيراً في الصومال، بسبب قلة الإمكانات الطبية وغياب الوعي وضعف الحملات التوعوية في صفوف المجتمع، إذ يتداول الناس أن وباء كوفيد – 19 مجرد زكام عابر ترافقه حمى ووعكات صحية. وأخطاء مثل هذه شائعة في المجتمع المحلي ستضاعف أعداد المصابين، وإن اتخذت الحكومة الفيدرالية إجراءات عديدة للوقاية من
الفيروس، وفرضت حظر تجول على سكان العاصمة مقديشو، دخل حيز التنفيذ منذ أسبوع، ولكن القرار سيأتي بنتائج عكسية ما لم ترافقه إجراءات صارمة لتطبيقه في ظل انتشار الوباء في العاصمة التي هي حالياً بؤرته في الصومال، ومن المتوقع أن تفرض الحكومة الصومالية الحجْر الصحي الجزئي على المدينة، في حال انفلت كورونا من العقال، لا سمح الله، في أوساط الصوماليين في العاصمة وضواحيها. ولتمديد الحظر على سكان مقديشو تبعات اقتصادية واجتماعية وإنسانية أخرى؛ فالسواد الأعظم من الصوماليين يعتمدون على المعاش اليومي، وفي حال توقف حركة التنقلات والأسواق، فسيؤثر هذا حتماً على دخول أسر عديدة يعاني بعضها حالياً من توقف حوالاتها المالية شهرين، نتيجة الإغلاق الشامل الذي شلّ نظام الحوالات والصيرفة في العالم.
المقلق أن نقص الرعاية الطبية في مستشفيات مقديشو وعدم تطبيق بعضهم، وخصوصا المصابين بكورونا، تعليمات وزارة الصحة، عبر فرض حجْر منزلي طوعي على أنفسهم، سيفاقم أعداد المصابين بالفيروس، وسيصيب القطاع الطبي واللجنة الوطنية لمكافحة كوفيد - 19 بالإرهاق، ويستنزف قدراتهم المتواضعة المادية والنفسية، كما أن أعداداً فلكية مجهولة مصابة بالوباء ما زالت مختلطة بالسكان، وتمارس حياتها الطبيعية، فالأعداد المعلنة حالياً من الوزارة غيض من فيض.
وينتاب العاملين في مجال تقديم العون الإنساني في الصومال قلق كبير في حال تفشّى كورونا في أوساط النازحين خارج مقديشو؛ حيث يعيش نحو مليون نازح صومالي في أكواخ متلاصقة، ومع 
أعداد غفيرة، فضلاً عن تجمعاتهم اليومية تحت الصفائح المعدنية وفي ظل الأشجار، وهو ما يمثل خوفاً حقيقياً إذا امتدت خيوط جائحة كورونا إلى أوساط النازحين، مع انعدام المرافق الطبية لاستقبالهم، حيث أوقفت بعض المستشفيات في العاصمة خدماتها الصحية، نظراً لعدم قدرتها على تحمل موجات المصابين بالوباء، وأوقف أكبر مستشفى في العاصمة (مستشفى أردوغان) توفير خدماته الصحية لسكانها، والمتوقع أن يغادر الفريق الطبي التركي في طائرة تركية خاصة، وهو ما يعكس قلقاً متزايداً إذا استمرت أعداد البشر تتساقط يومياً بفعل جائحة كورونا، كأوراق الشجر في خريف جاف.
تواجه الحكومة الفيدرالية حاليا إشكالات كثيرة وتحدّيات جمّة، في ظل عجز المجتمع الدولي وتقصير الأشقاء في توفير الدعم العاجل للقطاع الصحي الصومالي الذي يفتقر لأجهزة التنفس بشكل كبير، حيث إن غياب تلك الأجهزة سيرفع أعداد الوفيات في البلاد. ووحدها تركيا قدّمت كمّامات وملابس واقية وقفازات، وتحاول الإمارات تقديم مساعدات طبية، وأعلنت الولايات المتحدة تقديمها نحو ثلاثمائة سرير للصومال، ولكن نداءات استغاثة الحكومة المحلية مستمرة.
كثيرة هي الدول العربية التي كانت توفر للصومال، في أوقات محنه وأزماته الكثيرة، الدعم الإنساني، ولكن جائحة كورونا ربما أربكت حسابات تلك الدول الشقيقة والصديقة للصومال، فلم يكن في مقدورها أن تقدّم عونا في وقت تعاني هي الأخرى من وباء لا يميز بين البشر ولا الجغرافيا، لكن الصديق الوفي يبقى في النهاية سنداً وعوناً لا يفتقد، أليس "الصديق وقت الضيق؟".
3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
الشافعي أبتدون

كاتب وإعلامي وباحث صومالي

الشافعي أبتدون