كورونا مصر: سياسات غير فعّالة نتيجة ضعف الإمكانات

كورونا مصر: سياسات غير فعّالة نتيجة ضعف الإمكانات

30 مارس 2020
تطالب منظمة الصحة العالمية مصر بخطوات أكبر (إسلام صفوت/Getty)
+ الخط -
ارتفعت نسبة الوفيات في مصر بسبب فيروس كورونا الجديد، من إجمالي عدد الإصابات المسجلة إلى 6.2 في المائة، بتسجيل ست حالات وفاة جديدة أول من أمس السبت، ليرتفع العدد إلى 36 وفاة، من إجمالي 576 حالة في 25 محافظة على مستوى الجمهورية.

وقالت مصادر مطلعة في مجلس الوزراء ووزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، إنه بحلول صباح أمس الأحد، فرضت الشرطة طوقاً أمنياً على 10 قرى في محافظات المنيا والمنوفية والدقهلية، ومنعت الدخول والخروج منها، ليرتفع عدد المناطق الصغيرة المعزولة بسبب انتشار حالات الإصابة فيها إلى 12 منطقة، مع تأكيد استمرار العزل لمدة 28 يوماً لجميع المخالطين لحالات مؤكدة والمشتبه فيهم والعائدين من الخارج.

وذكرت المصادر أن الأيام الباقية من الأسبوع الحالي هي "الأصعب في مسار الأزمة منذ بدئها"، فإما تستطيع السلطات محاصرة كل مناطق الاشتباه وبؤر الإصابة، أو تظهر بؤر جديدة، فتصبح البلاد على شفا حالة التفشي التي تستدعي بالضرورة تطبيق سيناريوهات المرحلة الثالثة، الخاصة بالغلق الكامل للمحال والأنشطة، ووقف العمل الحكومي تماماً، وغلق المصالح الخاصة، وتوسيع حظر التجول، وعزل محافظات بكاملها، وحظر وسائل النقل العامة.

وكشفت المصادر أن فريق منظمة الصحة العالمية في مصر، أوصى الحكومة باتخاذ خطوات أكبر في حصر المخالطين للحالات المصابة والتحليل المبكر لهم، لكن وزارة الصحة أبلغت بأن الإمكانات المتوافرة لديها والمتمثلة بأجهزة ومواد التحليل في المعامل المركزية في القاهرة وعلى مستوى الجمهورية، وحتى في مستشفيات الصدر والحميات والعزل، لا تتيح إجراء تحليل "بي سي آر" pcr لجميع المشتبه فيهم بتوسيع دائرة الاشتباه. وبناءً عليه، اعتبرت الوزارة أنْ لا مناص من إبقاء الدائرة محدودة، ولذلك أصدرت تعليمات أول من أمس بقصر التحاليل على المخالطين الذين تظهر عليهم الأعراض، دون باقي المخالطين الذين لا تظهر عليهم الأعراض.

وأوضحت المصادر أن هذه السياسة ذاتها متبعة بالفعل في بعض الدول الأوروبية التي سجلت حالات إصابة كثيفة، لكن المشكلة في الاضطرار إلى تطبيقها في مصر، أنها تُنفَّذ مبكراً للغاية، قياساً بالعدد الإجمالي للإصابات المسجلة حتى الآن. فهذه السياسة ليس من المفيد، بل من المضر، استخدامها في طور منع تفشي الوباء، ومحاولة استكشاف سلوك انتقال الفيروس بين المواطنين والمناطق المختلفة، لأنها تمنع تحقيق الهدف الذي يجب تحقيقه أولاً في المرحلة الحالية، وهو حصر جميع البؤر والحالات المرجعية وقياس مدى تأثير تلك الحالات في نطاقها المجتمعي ومحاصرة انتشار العدوى.

وأشارت المصادر إلى أن كل القرارات الأخيرة لرفع كفاءة مواجهة الفيروس، سيكون لها أضرار جانبية عديدة على حجم الاهتمام بالأمراض غير السارية والمزمنة، المنتشرة في مصر. فبسبب غلق العيادات الخارجية في كل المستشفيات، وغلق معظم العيادات التخصصية داخلها، والإبقاء فقط على عيادات الباطنة والأطفال والعظام والجراحة، وتحويل الحالات اليومية غير الخاصة بكورونا للوحدات والمراكز الصحية الصغيرة بالأقاليم، حصل ازدحام يومي كثيف على تلك الوحدات، بأعداد عصية على التنظيم، الأمر الذي يمثل خطورة أيضاً على صحة الجميع، ويوفر بيئة مثالية لانتشار الفيروس.


واعتبرت المصادر أن مصر تدفع الآن ثمن ضعف الإمكانات في مرفق الصحة وتفضيل العديد من المجالات الأخرى للإنفاق، بما يصعّب معه إحداث نقلة في أداء الوزارة في مواجهة فيروس كورونا الجديد. ويأتي ذلك حتى بعد حصول مصر على ما يقرب من 4 مليارات جنيه منذ بدء الأزمة من الخزانة العامة للدولة، ستستهلك قسماً كبيراً منها البدلات والأجور الإضافية للأطباء والتمريض المنخرطين في فرق التصدي للعدوى، إلى جانب المواد والأدوات والأدوية والأجهزة.

ولفتت المصادر أيضاً إلى مغبة السياسة التي اتبعتها الحكومة مع الأطباء - وغيرهم من المهنيين - لتقليص عدد العاملين في الدولة، والتي أدت إلى انخفاض كبير في عدد أطباء وزارة الصحة تحديداً، بعد استقالة المئات منهم على مدار العامين الماضيين، بسبب ضعف الرواتب والبدلات، والتضييق عليهم وتسليط جهات مختلفة للرقابة على أدائهم، وفقاً لاستراتيجية التنمية المستدامة (2030) التي أعلنها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي العام الماضي.
وعوّلت الحكومة لتنفيذ تلك الاستراتيجية، على اتّباع آلية التقاعد المبكر المذكورة في قانون الخدمة المدنية الجديد، مع حظر التعيينات الجديدة نهائياً، إلا في صورة تعاقدات مؤقتة، أو عقود استشارية مؤقتة، أو في الجهات ذات الطابع الاستثنائي التابعة لرئاسة الجمهورية. وتهدف هذه الآلية إلى التخلص من 50 في المائة على الأقل من الرقم المراد تخفيضه، وهو مليونا موظف، حتى يصل الجهاز الحكومي إلى نحو 3 ملايين و900 ألف موظف فقط بعد عامين. علماً أن العدد الحالي للموظفين هو 5 ملايين و800 ألف موظف تقريباً، منهم 5 ملايين في الجهاز الإداري الأساسي، و800 ألف يتبعون لقطاع الأعمال العام المكوّن من الشركات القابضة والتابعة التي تديرها الحكومة وتساهم فيها مع مستثمرين آخرين.

وفي سياق كورونا أيضاً، ذكر مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" أن التحاليل جاءت سلبية لجميع الذين التقوا بالضابط الراحل اللواء شفيع عبد العليم داود، مدير إدارة المشروعات الكبرى في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، في اليوم السابق لوفاته مباشرة، وأن اللواء محمود أحمد شاهين، رئيس أركان إدارة المهندسين العسكريين، وهو المصاب الثالث من كبار قادة الجيش، في طريقه للتعافي ومغادرة العزل خلال ساعات.

وأوضح المصدر أنه مُدّد عزل عددٍ من قيادات الهيئة الهندسية، ذاتياً، لمدة 14 يوماً إضافية، وفقاً لتعليمات وزارة الصحة الأخيرة، كذلك أوقف التعامل مع أي وفود أجنبية في العاصمة الإدارية الجديدة، سواء كانت قد دخلت مصر قبل شهر مارس/آذار الحالي أو خلاله، وعزلَت أيضاً في أحد دور القوات المسلحة بشرق القاهرة ذاتياً. وأضاف المصدر أن معظم شركات المقاولات المحلية أوقفت عملها في العاصمة الإدارية، بعدما تبين صعوبة إجراء تحاليل لجميع العاملين فيها، الأمر الذي كان يطالب به المقاولون، ولم يُنفَّذ بحجة ضعف الإمكانات. 

يذكر أن حظر التجول المفروض حالياً في مصر يسري من السابعة مساءً وحتى السادسة صباحاً، وخلاله تغلق كل المحال التجارية من الخامسة مساءً، وتغلق كل المطاعم وأماكن التجمع والترفيه، طوال اليوم، عدا الصيدليات ومحال البقالة والمستشفيات والمستوصفات. لكن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أصدر أول من أمس قراراً استثنى فيه عدداً إضافياً من أنشطة النقل للسلع والبضائع والحاصلات الزراعية والأدوية والمستلزمات الطبية، حتى لا تشهد السوق قفزة استثنائية للأسعار، بعد رصد الحكومة ارتفاع سعر العديد من السلع الغذائية بعد قرار الحظر بساعات معدودة.

وسبق أن كشفت مصادر في مجلس الوزراء لـ"العربي الجديد" أن هناك مقترحات عدة موضوعة بالفعل للتعامل مع الجائحة في مرحلتها الثالثة، منها وقف حركة القطارات ومترو الأنفاق بشكل كامل، وعزل بعض المناطق داخل القاهرة الكبرى ومنع حركة الخروج والدخول منها، ثم عزل بعض المحافظات الأكثر تسجيلاً للإصابات. ولفتت إلى أن تنفيذ هذه الإجراءات سيتطلب بالتأكيد اشتراك الجيش في إدارة الحظر بصورة أكثر فاعلية، إلى جانب الشرطة التي تتولى مراقبة تنفيذ القرارات حالياً في المدن.