كورونا مصر: خلافات حول التعامل مع الموجة الثانية

كورونا مصر: خلافات حول التعامل مع الموجة الثانية

30 اغسطس 2020
استعادت مصر الكثير من الأنشطة (فرانس برس)
+ الخط -

عادت الخلافات لتسيطر على لجنة مكافحة جائحة كورونا في مصر، بعد عودة أعداد المصابين الرسمية للارتفاع، بمعدل أعلى من 200 حالة يومياً، وفشل الدولة في خفض النسبة المرتفعة للوفيات من بين الحالات المسجلة. ويأتي ذلك وسط اختلاف شديد في وجهات النظر بين الجهات الطبية الفنية في وزارة الصحة والمستشارين الصحيين للرئاسة والحكومة من جهة، وبين الأجهزة الأمنية والسيادية والجهات التنفيذية الأخرى، حول كيفية التعامل مع الموجة الثانية من الجائحة، والتي بدأ صداها يدوّي في المحافظات المختلفة بمؤشرات عدة، مع إصرار رسمي على التعتيم والحديث عن نجاح الدولة في مواجهة الجائحة، والتمسك بعدم المساس بالأنشطة الاقتصادية والحكومية. ويسري ذلك أيضاً على الأنشطة المختلفة التي من المقرر أن تبدأ وفق خطة احترازية منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وقالت مصادر في وزارة الصحة، لـ"العربي الجديد"، إن الأعداد المصابة فعلياً بالفيروس أعلى من المسجلة رسمياً بنسبٍ غير معروفة، بسبب توسع وزارة الصحة في الاعتماد على العزل المنزلي للمصابين بمجرد التشخيص، والتخلص من الحالات المصابة عقب وقت قصير من إيداعها المستشفيات، بالسماح بخروجها وقضاء باقي وقت العلاج بالمنزل، كجزء من خطة الاعتماد على العزل المنزلي. ويأتي ذلك بعد شهرين تقريباً من صدور تعليمات تنص على خروج الحالات المستقرة خلال أسبوع من تاريخ دخولها المستشفى، من دون إجراء مزيد من الفحوصات أو انتظار تحول نتيجة تحاليلها من موجبة إلى سالبة. هذا الأمر تسبّب في إشاعة حالة من الاستهانة بالمرض في أوساط المصابين والمخالطين لهم، فضلاً عن عدم ملاءمة نسبة كبيرة من المساكن في المناطق الفقيرة والريفية في مصر لتطبيق العزل المنزلي بصورة صارمة، ما حوّل هذه الحالات المستقرة ظاهرياً إلى ما يشبه القنابل العنقودية، التي يمكن نقل المرض بواسطتها للعشرات من المخالطين المباشرين وغير المباشرين.

رضخت لجنة مكافحة كورونا للمطالبات الصادرة من مصادر مختلفة بتخفيف الإجراءات الإلزامية، لا سيما من قطاع الأعمال

وتكاملت هذه التعليمات مع توسع الدولة منذ نهاية يونيو/حزيران الماضي في الاعتماد على العزل المنزلي وانتشار طرق العلاج بين المواطنين بصورة تقليدية، عبر وسائل الإعلام ومجموعات المصابين وحالات الاشتباه المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تخوف المواطنين المطرد من التوجه للمستشفيات. ويشكو المصابون وذووهم من ضعف الإمكانيات وعدم توافر الأسرة داخل المستشفيات، لا سيما في وحدات الرعاية المركزة، الأمر الذي تسبّب في وجود عدد كبير من المصابين خارج منظومة الصحة الرسمية لم يتم تسجيلهم، واعتمدوا على أنفسهم أو أطباء في التشخيص بواسطة الأعراض.

ومنذ ذلك الوقت، أوقفت وزارة الصحة ربط صرف العلاج من المستشفيات بوجوب إجراء تحليل "بي سي آر" موجب للحالة، فمن الممكن الصرف بناء على الأشعة أو التشخيص الطبي الصادر من طبيب للحالة، طالما كانت معزولة منزلياً ولا يتطلب الوضع دخولها المستشفيات. وساهم هذا الأمر في توفير العلاجات الرسمية أيضا للمصابين وبالتالي استمرار عزلهم خارج منظومة التسجيل. وأضافت المصادر أن هناك مؤشرات عدة لزيادة الأعداد خارج منظومة التسجيل، مثل ارتفاع الإقبال على الأدوية الخاصة بعلاج كورونا حسب البروتوكول المعتمد من وزارة الصحة، بعد الاتفاق مع الشركات المصنعة للأدوية على زيادة ضخ الكميات في الأسواق.

وأطلعت المصادر "العربي الجديد" على نتائج دراسة مسحية أجريت على الحالات الجديدة المسجلة خلال شهر أغسطس/آب الحالي، تبيّن منها ارتفاع عدد المصابين في المحافظات الساحلية والمناطق السياحية منذ السماح للقرى السياحية والفنادق بالعودة للعمل مع البداية الفعلية للموسم الصيفي، وما شاب ذلك من تراخٍ واضح في تطبيق قرارات غلق الشواطئ ومنع الحفلات الخاصة والعامة، خصوصاً في منطقة الساحل الشمالي وباقي المنتجعات الصيفية. وأوضحت الدراسة أن أكثر من 40 في المائة من المصابين خلال الشهر الحالي ينتمون لتلك المناطق أو مرّوا بها أو أقاموا فيها بضعة أيام، ما دفع وزارة الصحة لتخصيص مستشفيي النجيلة والعلمين القريبين من المنتجعات لمصابي كورونا حصرياً، كما أن 45 في المائة من المصابين المسجلين خلال الشهر الحالي، ينتمون إلى شرائح عمرية أصغر من 40 عاماً، في مؤشر آخر على طبيعة المواطنين الأكثر تضرراً من عودة الأنشطة الاجتماعية.

خلاف حول عودة الدراسة تحديداً، واعتراض وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية على خطة وزير التعليم طارق شوقي

وذكرت المصادر أن السبب الثاني لارتفاع الأعداد، هو الإهمال المستمر من قبل الشرطة والجهات الرقابية الأخرى في تنفيذ الإجراءات الاحترازية، وتطبيق العقوبات المقررة على المواطنين الذين يتجاهلون ارتداء الكمامات في وسائل المواصلات العامة، وكذلك الأماكن العامة المغلقة التي تسمح بمثل هذه المخالفات. ورصدت فرق وزارة الصحة في حملاتها التفتيشية غير المنتظمة للمطاعم والمقاهي والمناطق السياحية والصناعية، تجاهلاً متزايداً لتعليمات السلامة والتباعد الاجتماعي والإجراءات التي تضمنها البرنامج الذي أعدته الوزارة للتعايش مع كورونا. الجدير بالذكر أن هذا البرنامج لم يتم اعتماده رسمياً، وأخذت منه الحكومة بنوداً محدودة، استجابةً لضغوط مارستها بعض الجهات على ما ستتكلفه من أموال طائلة تفوق ميزانياتها في تطبيق بعض البنود، مثل الإلزام بارتداء الكمامات، وشراء المواد المطهرة، وزيادة المركبات الخاصة بنقل العمال، وتخصيص أماكن داخل المنشآت كعيادات وأماكن للعزل.

فعلى عكس توجه الوزارة، رضخت لجنة مكافحة كورونا للمطالبات الصادرة عن مصادر مختلفة بتخفيف الإجراءات الإلزامية، وبجعلها غير مرتبطة بعقوبات على المنشآت الحكومية أو الخاصة أو رجال الأعمال، بحجة حاجة الدولة للاستثمارات والعمل وعدم تعطيله أو طرد المستثمرين الأجانب. بالإضافة إلى ذلك، خرجت مطالبات أخرى بدعم مالي من الحكومة والوزارات المعنية للمنشآت، في صورة إعفاءات ضريبية أو تخفيضات لبعض الرسوم لتوفير التمويل الكافي لاستحداث بنود التعايش، ما أفرغ خطة التعايش من مضمونها تماماً لحساب رجال الأعمال والإدارات، في وقت كانت وزارة الصحة والجهات العلمية الأخرى توصي بالعمل على تشديد الإجراءات.

وذكرت المصادر أن هناك خلافاً حول عودة الدراسة تحديداً، باعتبارها النشاط الأكثر خطورة على صحة الأسرة المصرية في حال نزول الأطفال والشباب للمرافق التعليمية. وكشفت المصادر في هذا الإطار، عن اعتراض وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية على الخطة الموضوعة من قبل وزير التعليم طارق شوقي، والمدعومة سياسياً من رئاسة الجمهورية، والتي تقوم على تقليل أيام الحضور الفعلي في المدارس للطلاب في السنوات المتقدمة تدريجياً، وزيادة الأيام بالنسبة لطلاب رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية. هذا الأمر تعترض عليه الوزارة والمنظمة، إذ تعتبران أنه عكس المنطق، لأن الطلاب الأكبر سناً سيكونون أكثر حرصاً وفهماً للتدابير الواجب اتخاذها، وبالتالي تطالبان بتطبيق الإجراءات ذاتها على الطلاب الأصغر سناً. لكن وزارة التعليم من جهتها، عاجزة عن إيجاد وسائل تعليمية لتعويض غياب الأطفال عن المدارس، مع صعوبة تدريب معلمي تلك المراحل المبكرة على التدريس عن بعد في فترة وجيزة.
ومن 27 يونيو/حزيران الماضي، ألغت الحكومة المصرية حظر التجول مع فرض قيد مخفف على حركة وسائل النقل العامة من منتصف الليل وحتى الرابعة صباحاً، ثم أعادت فتح المقاهي والمطاعم ودور السينما والمسارح والنوادي الرياضية الخاصة يومياً حتى منتصف الليل بنسبة إشغال 25 في المائة، وغلق المحال التجارية الأخرى في العاشرة مساء، مع استمرار الإلزام بارتداء الكمامات، واستمرار غلق الشواطئ العامة والحدائق العامة وقاعات الأفراح والمآتم.

لكن التطبيق العملي الرخو والمشوب بالفساد والتمييز لتلك القرارات المخففة أساساً، أكسبها مزيداً من التخفيف. فعلى سبيل المثال، تمّ السماح لجميع أندية القوات المسلحة والقرى السياحية والفنادق في الساحل الشمالي والبحر الأحمر وجنوب سيناء بتشغيل الشواطئ، بحجة أنها شواطئ خاصة وليست عامة، ما تسبب في خلق مزيد من بؤر الاختلاط والتواصل الاجتماعي.
كما تم السماح لقاعات فنادق ودور القوات المسلحة باستضافة الحفلات والأفراح والمؤتمرات، تحديداً دون غيرها من الفنادق وقاعات الاحتفال، حيث لا تتم مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي في مثل تلك المناسبات، وهو ما فتح مجالاً سهلاً لنشر العدوى من جهة، كما كرّس احتكار اقتصاد الجيش لهذا النشاط من جهة أخرى.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية