كواليس قرار الخدمة العامة الإلزامية

كواليس قرار الخدمة العامة الإلزامية

10 سبتمبر 2015
ما الحاجة إلى جيش "مدني" من خريجي الجامعات؟!(مواقع التواصل)
+ الخط -
في خطوة جريئة من أحد وزراء حكومة ابراهيم محلب "وزيرة التضامن الاجتماعي"، قررت "معاليها" أن تقتدي بالمؤسسة العسكرية، وتنفذ السياسة العامة التي استشفتها من تصريحات الحاكم "عبدالفتاح السيسي"، فاتخدت قرارا بالتجنيد الإجباري لخريجي الجامعات المصرية من الإناث والمعفيين من الخدمة العسكرية، للعمل لمدة عام في ما سمّته "الخدمة العامة الإلزامية" تحت إشراف وزارتها.


للوهلة الأولى يبدو القرار مبهما وغير مفهوم، فلم يسبق للوزارة أن أعلنت عن مشروعات للخدمة العامة تحتاج إلى عشرات الآلاف من الشباب، ولم تطرح الحكومة مشروعا قوميا يحتاج لهذا العدد من العاملين غير المؤهلين، ما الحاجة إلى جيش "مدني" من خريجي الجامعات؟!.

للإجابة عن التساؤلات أعود معكم بالذاكرة نحو عقد من الزمان حتى منتصف عام 2005، حيث يقوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمشروع تعداد متكامل للسكان والإسكان والمنشآت على مستوى الجمهورية كل عشر سنوات، وهو جهاز تم تأسيسه عام 1964م بقرار جمهوري ويتبع رئيس الجمهورية مباشرة، ويرأسه دائما قيادي سابق بالقوات المسلحة.

يقوم التعداد على 3 مراحل رئيسية أولاها حصر الشوارع، وهي عملية تحديد مناطق العمل الميدانية وحصر أوليّ لعدد الشوارع في كل منطقة، ثم تتبعها مرحلة حصر العقارات وجمع معلومات أولية حول عدد الوحدات السكنية والمنشآت التجارية والأسر بالعقارات، وفي المرحلة الأخيرة يأتي دور جندي التعداد الأخير في جمع معلومات مفصلة حول ساكني الوحدات، من حيث عددهم وأعمارهم وظروفهم المعيشية.

تقسم في المرحلة الأولى الأقسام الإدارية الى شياخات وتقسم الشياخة إلى وحدات أصغر يعمل على كل منها مفتش يتولى تنفيذ المرحلة الأولى بنفسه، ويتم اختيار المفتشين عادة من موظفي الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والتنمية المحلية، ثم يتولى كل مفتش إدارة عدد من المعاونين يقومون بتنفيذ المرحلة الثانية ويتم اختيارهم عادة بانتداب من موظفي الحكومة الراغبين والمدرسين وصغار موظفي التنمية المحلية.

ثم تأتي المرحلة الأصعب والأخيرة حيث يقوم على جمع بيانات كل 150أسرة "عداد" واحد، وهو ما يعني الحاجة إلى عشرات الآلاف من العدادين ليعملوا لمدة شهر واحد، وقد ابتكرت الحكومة حلا جديدا في تعداد 2006 باعتبار العمل بالتعداد تدريبا عمليا إجباريا لطلاب معاهد وكليات الخدمة الاجتماعية بالجامعات المختلفة، وفتح الباب لتوظيف الخريجين لهذه المرحلة. 
يكفي أن نعرف أن تنفيذ تعداد 2006 احتاج لزمه 125000 عامل على مدار مراحله الثلاث، وتقدر تكلفته بـ 150 مليون جنيه، ولزم المرحلة الأخيرة وحدها أكثر من 100 ألف "عداد" بتكلفة فاقت 30 مليون جنيه.

بعقلية عسكرية مشابهة للعقليات التي تختار للتجنيد الإجباري المهندسين والأطباء، للعمل في مشروعات القوات المسلحة من مصانع ومزارع ومستشفيات ومقاولات، قررت الوزيرة سد حاجتها من العمال في هذا المشروع الضخم بتجنيد شباب الخريجين إجباريا لمدة عام من "الخدمة العامة"، لتصنع شكلا جديدا من العمل بالسخرة لصالح الدولة والنظام.

وبالطبع سوف يقوم الجهاز ببيع الإحصائيات الناتجة من عملية التعداد في مطبوعات إلى الجهات الدولية والمحلية، ويحقق أرباحا كبيرة في مثال أقرب إلى أرباح الجيش من نشاطه الاقتصادي الذي يعتمد فيه على عرق المجندين إجباريا، وسلطان الحكم العسكري وسطوة المؤسسة.

أتمنى أن يحسب الحاكم العسكري أرباح تشغيل شباب مصر بالسخرة، قبل أن يتحدث عن تضحيات ضباط الجيش من أصحاب الرواتب المرتفعة والمعاش المتزايد، ويعتبر بمجهودهم في خدمة المؤسسة قبل أن يصدر أوامره بإطلاق الرصاص على صدورهم إذا خرجوا مطالبين بحقوقهم في العدل الاجتماعي والكرامة والحرية.

(مصر)

المساهمون