كمامات مغشوشة... مصريون يلجأون إلى المتاح خوفاً من الغرامات

كمامات مغشوشة... مصريون يلجأون إلى المتاح خوفاً من الغرامات

02 يونيو 2020
هل تراعي كمامته المواصفات المطلوبة؟ (فرانس برس)
+ الخط -

لا مفرّ بعد اليوم من وضع كمامة عند الخروج من المنزل، كتدبير وقائي في وجه فيروس كورونا الجديد. فهي تُعَدّ من مستلزمات الحماية من العدوى في مصر كما في كلّ أنحاء العالم.

بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها تدريجاً في المحافظات المصرية، يوم السبت الثلاثين من مايو/ أيار المنصرم، بعدما كانت قد تعطّلت لمدّة أسبوع في خلال إجازة عيد الفطر على خلفية أزمة كورونا. وقد أصدرت الحكومة المصرية قراراً يقضي بإلزامية وضع الكمامة لتطويق تفشّي الفيروس الجديد في البلاد، الأمر الذي دفع التجار إلى استغلال الظرف من خلال طرح كميات كبيرة من الكمامات المغشوشة وغير الصالحة للاستخدام في الأسواق، خصوصاً في المناطق العشوائية، مستغلين عدم قدرة الناس على التفرقة بين الأنواع، بالإضافة إلى عدم توافر رقابة على الأسواق. وقد أُطلقت في هذا الإطار مطالبات بتغليظ العقوبات في ما يتعلّق بالغشّ الذي يطاول المستلزمات الطبية التي تُستخدم للوقاية من الأمراض المعدية والأوبئة، إذ إنّ من شأن ذلك التسبب في ضرر كبير.

وكانت الحكومة قد فرضت أخيراً غرامة على كلّ من يتخلّف عن وضع كمامة في أثناء وجوده في الشوارع أو استقلاله وسائل النقل والتوجّه إلى المصالح الحكومية والمصارف. وقد أدّى ذلك إلى انتشار كبير للكمامات الطبية المختلفة خلال الأيام الأخيرة، في عدد من المحافظات المصرية، خصوصاً في محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية). وصارت تُباع في الأسواق وفي الشوارع وعلى الأرصفة، ويعمد الباعة المتجولون إلى المناداة عليها، وهم يحملون على أكتافهم حقائب مليئة بها. وقد يحاول أحدهم إقناع الناس بأنّ ثمنها فقط 10 جنيهات مصرية (نحو 0.6 دولار أميركي) وأنّها من القماش الجيّد وصالحة للاستخدام لشهور عدّة بعد غسلها وكيّها، في محاولة لجذب المستهلك، فيقبل المواطنون على شرائها خوفاً من الغرامة والمرض في الوقت نفسه، بالإضافة إلى أنّهم لن يتمكّنوا من استقلال وسائل النقل العام من دونها.

في سياق متصل، أشار مصدر أمني مسؤول لـ"العربي الجديد" إلى "ضبط أكثر من 25 طناً من الكمامات الطبية المصنعة من خامات غير مطابقة للمواصفات، في خلال يومَين فقط، وذلك في عدد من الشقق السكنية والمحلات التجارية من دون ترخيص. وقد استغلت المصانع التي يُطلق عليها بير السلّم الظروف الراهنة لتحقيق أرباح غير مشروعة". ويوضح أنّ "كمية المضبوطات تلك لا تمثّل سوى 10 إلى 20 في المائة من الموجودة فعلياً في السوق من دون أن تطابق المواصفات القياسية والموضّبة في عبوات تحمل علامات تجارية وهمية". يضيف المصدر نفسه أنّها "تُطرح للتداول في الأسواق بهدف تحقيق أرباح غير مشروعة، وهو ما يبرّر وجودها وانتشارها بكثرة في المحافظات. وقد وصل الأمر إلى درجة أنّ أيّ حيّ من الأحياء لم يعد يخلو منها"، مؤكداً أنّ في ذلك "خطورة كبيرة وتهديداً لصحة المواطنين وحياتهم، إذ يؤدّي إلى زيادة عدد المصابين".



وكان رئيس الحكومة المصري مصطفى مدبولي، قد أعلن قبل نحو أسبوعَين توقّف وسائل النقل العام الجماعية في كلّ المحافظات في خلال إجازة عيد الفطر التي مُدّدت لأسبوع، مع غلق المحلات التجارية والنوادي والحدائق العامة والمتنزهات، على أن تعود الحياة مرّة أخرى إلى طبيعتها تدريجاً ابتداءً من 30 مايو/ أيار المنصرم، ولا سيّما استعادة وسائل النقل حركتها. لكنّ الحكومة اشترطت لذلك وضع الكمامة في الأماكن العامة حتى إشعار آخر، فيما يعاقب من يخالف القرار بغرامة لا تتجاوز أربعة آلاف جنيه (نحو 250 دولاراً).

من جهته، كشف مسؤول في وزارة التنمية المحلية فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد" أنّ "وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي كلّف المحافظين باستحداث لجان تتشكّل من الأجهزة التنفيذية والأمنية في الشوارع الداخلية للمدن وعلى الطرقات السريعة، لضبط غير الملتزمين بقرار وضع الكمامة الواقية وفرض غرامة مالية عليهم وتحرير محاضر فورية في حقهم. كذلك طالب بمراقبة وسائل النقل الجماعية من أتوبيسات ومترو وقطارات".



وقد عبّر مواطنون مصريون التقاهم "العربي الجديد" عن سخطهم من ارتفاع أسعار الكمامات المصنوعة من القماش التي تراوح الواحدة منها ما بين 10 جنيهات و20 جنيهاً (نحو 0.6 - 1.30 دولار)، مؤكّدين توافرها في الأسواق والشوارع وغير مبالين بمصدرها. همّهم تفادي المخالفة، وبالتالي الغرامة المالية في أثناء تحرّكهم. ويطالب صديق سليمان، وهو موظف في القطاع الخاص، بضرورة أن "يوفّر القطاع كمامات لموظفيه بهدف ضمان سلامتهم ولمواجهة ما هو غير صالح للاستخدام في الأسواق، ويساعد على نقل الأمراض". يضيف: "لا أعرف الفرق بين الكمامة الطبية الأصلية والمغشوشة، ومضطر إلى شرائها خوفاً من العقوبة المالية". أمّا سناء مصطفى، وهي موظفة رسمية، فتؤكد أنّها لا تخرج من المنزل إلا للعمل، مشيرة إلى أنّ لديها "عدداً محدوداً من الكمامات ستنفد بعد أيام". تضيف: "ربّما كان من المستحب توفير كميات كبيرة من الكمامات في منافذ رسمية، قبل تطبيق قرار المخالفة على مَن لا يضع كمامة خارج المنزل. وهذا ما دفع البعض إلى شراء المتوافر في الأسواق من دون التحقق منها، فيما راح آخرون يصنعونها منزلياً". من جهته، يقول محمد حسين، وهو موظف رسمي، إنّ "الكمامات المتوافرة في الأسواق موضوعة في أكياس بلاستيكية شفافة لا تحمل أيّ علامة تجارية وغير مرفقة بأيّ بيانات توضح مواصفات الكمامة وثمنها ومصدرها". يضيف: "اضطررت إلى شرائها نظراً إلى نقص في السوق وعدم قدرتي على ركوب المترو من دون وسيلة وقاية"، مطالباً بـ"تشديد الرقابة على منافذ البيع والصيدليات ووضع حدّ لأساليب التحايل واستغلال المستهلكين". بدورها، تلفت آمنة علي، وهي ربة منزل، إلى "نقص في الكمامات"، مؤكدة أنّ ثمّة منافذ بيع وصيدليات تستغل حاجة المستهلكين وتبيعها بسعر مرتفع. وقد اشترت ثلاث كمامات لأولادها في مقابل 30 جنيهاً (نحو 1.90 دولار) من دون أيّ بيانات حول مواصفاتها.

في المقابل، يقول محمد منصور، وهو تاجر، إنّ "القفزة الكبيرة في أسعار الكمامات أمر طبيعي في الوقت الحالي، إذ إنّها كأيّ سلعة أخرى تخضع لقانون العرض والطلب. بالتالي، إنّ استمرار انتشار فيروس كورونا الجديد، وعدم قدرة المصانع على الإنتاج الكافي لحاجة السوق، وإغلاق الحدود وتوقّف حركة الطيران بين الدول وتأثيرهما بعمليات الاستيراد والتصدير، كلّ ذلك أدّى إلى ارتفاع سعر الكمامات وظهور المغشوش منها والمقلّد في الأسواق". يضيف أنّ "الثمن يرتبط بالجودة، وثمّة أنواع تتلف بسرعة لعدم الاهتمام بجودتها"، مشدداً على ضرورة أن يدرك المستهلكون ما هي الكمامات التي قد تحمي من العدوى.



ويحذّر الدكتور محمد عز العرب، أستاذ الباطنة في جامعة عين شمس، من "خطورة الكمامات المغشوشة المتوافرة في الأسواق"، متوقعاً "زيادة انتشارها واستهلاكها مع عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجاً". ويشير إلى أنّ "التجّار يعمدون إلى استخدام شبان وأطفال لقاء أجر يومي لبيعها في وسائل النقل المختلفة والأماكن المزدحمة، أمام البنوك وفي المصالح الحكومية خصوصاً في القاهرة الكبرى، مستغلين بذلك الحاجة إليها". ويرى العرب أنّ "الأقنعة المغشوشة قد تشكّل تهديداً على صحة المواطن، لكونها ليست مصنوعة من مواد مناسبة أو في بيئات معقّمة، وبالتالى قد تسمح بدخول فيروسات مختلفة في الممرات التنفسية"، مطالباً بـ"ضرورة تغليظ عقوبة الغش بالمستلزمات الطبية التي تستخدم للوقاية من العدوى".

دلالات

المساهمون