كماشةُ "داعش" تُطبِق على العراق والشام

كماشةُ "داعش" تُطبِق على العراق والشام

13 يونيو 2014
+ الخط -
هنالك موجة تجتاح المنطقة بأسرها، تحتل المدن والقرى، وتسيطر على آبار نفط، بقوة نارية هائلة، وأعداد مقاتلين لا بأس بها، وتنظيم استخباراتي عالٍ، وليست محصورة في حيّز واحد، إنها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الملقب بـ"داعش". لدى وقوع الاحتلال الأميركي للعراق، تم تشكيل ما تسمى جماعة التوحيد والجهاد، على يد أبي مصعب الزرقاوي، من ثم، وقعت مبايعته زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، وتم تشكيل تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. في هذه الأثناء أُثيرت مشكلة بين التنظيمات حول مفهوم الخلافة، ومَن له حق الخلافة، انتهت بفتوى لزعيم التنظيم، أسامة بن لادن، بأن الحل هو إقامة إمارات في كل مكان يوجد فيه التنظيم، حتى الوصول إلى دولة الخلافة.
بعد مقتل الزرقاوي، عام 2006، تولى زعامة التنظيم أبو حمزة المُهاجر، إلى أن تشكَّل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بزعامة أبي عمر البغدادي، حتى قُتل كل من القائدين على يد الأميركيين والعراقيين، هنا وقعت مبايعة أبو بكر البغدادي زعيماً للتنظيم. هناك أيضاً، أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة حالياً، الذي كان يقاتل بدايةً من داخل الدولة الإسلامية في العراق، تحت زعامة أبو بكر البغدادي. تم الاتفاق، قبل الثورة السورية، بأن سورية أرض ممر وليست أرض مقر، أي ألا يقيم تنظيم القاعدة أية إمارات، أو ولايات، داخل الأرض السورية. إنما مجرد المرور من دون الإقامة، حتى بدايات الثورة السورية، حيث رأى التنظيم أن سورية هي أرض المقر، وهي أرض الرباط والجهاد الموعودين، فأصبحت للتنظيم قوة كبيرة داخل سورية، متمثلة في جبهة النصرة، بقيادة الجولاني، الذي أضحت الدولة الإسلامية تدعوه الغدار، بسبب رفضه الانضمام لكيان جديد دعا إليه أبو بكر البغدادي، يدعى الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأن تكون جبهة النصرة امتداداً لهذا التنظيم الجديد. هذا التنظيم الأخير، وإن كان يحمل فكر القاعدة، لكن زعيمه، أبو بكر البغدادي، انشقَّ عن القاعدة، قد يكون لإحراز مجد شخصي له، باعتباره الأمير، ومن ثم الخليفة، وقد تكون له رؤية مختلفة عن رؤية القاعدة.
نلمس حالة من الغموض تشوب هذا الكيان في سورية، حيث شهدنا، بين ليلة وضحاها، دخول داعش إلى الرقة والسيطرة عليها، وإقامة إمارتهم هناك، من دون أي مقاومة تذكر من النظام السوري الذي كان مسيطراً على الرقة. حتى الآن، وفي خضمّ الصراع في سورية بين التشكيلات المعارضة والنظام، أو حتى بين هذه التشكيلات نفسها، نجد أن داعش ليست في مواجهة مباشرة مع النظام، وإن كانت تدخل في صراعات مع المعارضة على مناطق نفوذ وسيطرة على آبار نفط، ومواقع الثروات.
السؤال المثار حديثاً، هو حول كيفية سيطرتها على مدينة نينوى، والتمدّد باتجاه الموصل، من دون أية مقاومة من الجيش العراقي، المدرّب والمجهّز أميركياً، حيث تم تسجيل هروب الجيش العراقي وفراره من أمام قوات داعش المتقدمة. من الجدير بالملاحظة، أن هنالك تشابه بين السيطرة على نينوى، والتمدد والسيطرة على الرقة، دون أية مقاومة تذكر من القوات النظامية للبلدين.
إن طريقة سيطرة داعش على المدن، وعدم المواجهة الصريحة مع النظامين العراقي والسوري، تثير شكوكاً كثيرة، ناهيك عن اعتبار إيران، الدولة الإسلامية الشيعية، أرض ممر فقط، وهي التي تعتبر خطراً، وهدفاً للتنظيم، حسب عقيدته، لكن، لا نلحظ  أية محاولة للقيام بأي عملية داخل إيران. يرد مراقبون أن داعش فزاعة إيرانية، خُلقت في المنطقة لإرهاب سنّة المنطقة والطوائف الأخرى، من التشدد السني، ولجعل العامة يفاضلون بين الأنظمة في العراق وسورية، وبين هذا التنظيم المتشدد، ولإيصال صورة أن المحتجين على سياسة النظاميين العراقي والسوري، ما هم إلا هؤلاء المتشددين، مُريدي قطع الأيدي والرؤوس.
لكن الصيرورة الطبيعية في هذه الحالة، أن تتحول داعش إلى خطر على هذه الأنظمة، لأن التنظيم الذي أطلقته قبل سنوات أصبح، وسيصبح، أكثر قوة وصلابة، والقضاء عليه سيكون أكثر صعوبة من إنشائه، كذلك فإن بقاءه في المنطقة يشكل خطراً على جميع دول الجوار، حتى أوروبا مستقبلاً، ناهيك عن وجود إسرائيل في المنطقة.
ما حصل مع تنظيم القاعدة في أفغانستان، يبيّن ذلك، حيث يقال إن القاعدة كانت آخر مسمار دُقَّ في نعش النفوذ السوفييتي من قبل الولايات المتحدة، وسرعان ما تحوّل هذا التنظيم إلى خطر على الأميركي نفسه، بعد قيامه بعمليات داخل أميركا وأوروبا، وتكبيد الجيش الأميركي خسائر هائلة في حربه في أفغانستان والعراق.
هنالك عدة تساؤلات واستفسارات حول تنظيم داعش، ما زالت عصية على الحل، من حيث ارتباطاته وعدم وجود الرغبة الحقيقية في القضاء عليه، بينما يحمل هؤلاء عقيدة تنظيم القاعدة ذاتها، وأممية التنظيم عينها، ويحاربون الأنظمة التي يدعونها بالنصيرية في سورية، والشيعية في العراق، ويقضّون مضاجع هذه البلدان، بتنظيمهم العملياتي والاستخباراتي، متناهي الاحترافية، وموارده المالية الضخمة. فماذا ستشهد المنطقة، إثر هذه الموجة الداعشية.
D2E09192-410D-49DC-84E7-5663E07D486C
D2E09192-410D-49DC-84E7-5663E07D486C
محمد زيكار (سورية)
محمد زيكار (سورية)