30 أكتوبر 2023
كلوفيس مقصود... العروبي المتعدّد
كلوفيس مقصود... العروبي المتعدّد
كلوفيس مقصود: العروبة مسألة مصير للأمة
"ليس الالتزام بالعروبةِ ترفاً، ولا تحزّباً، إنه مسألةُ مصيرٍ لهذه الأمة..". هذه قناعةُ كلوفيس مقصود التي واظب على تأكيدها، واعتنقها بإيمانٍ خالص، وثابر على مزاولتها، في حضوره الذي ظلّ مضيئاً، منذ شبابه المبكّر، لمّا نشط طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت، قبيْل نكبة فلسطين التي حلّت ذكراها الثامنة والستون أمس، وصولاً إلى إطلالاتِه على قرائه وتلاميذه ومحبيه، في منبره الذي اختاره، أخيراً، "العربي الجديد". وإذ يرحل، رحمه الله، في يوم هذه الذكرى، فكأن الأقدار في ذلك تؤكّد المؤكد، وموجزُه أن هذا الرجل الجليل واحدٌ من المشاعل العربية في الفكر والثقافة والدبلوماسية التي نذرت جهدَها من أجل فلسطين وعروبتها، وحماية مكانة قضيتها في وجدان الأمة.
رأى المثقف العربي المستنير، كلوفيس مقصود، في انتقال انتفاضات الربيع العربي، من قطر عربي إلى آخر، وبتلقائيةٍ، أحد الأدلة التي رسّخت إيمانه بوحدة الشعب العربي. كما كتب في تقديمه مذكراته الشائقة، والتي لا تُسعفنا فقط في التعرّف على بعض ما أعطى، وما اجتهد فيه، في ساحات نشاطاته الثقافية والسياسية والدبلوماسية في الغرب والشرق، وإنما تجعلنا، أيضاً، نستضيء بالروح الوثّابة التي أقام عليها الراحل الكبير، وهو يخوضُ كفاحاً سياسياً في أثناء عواصف عربيةٍ عاتية، أزيد من نصف قرن، من أجل الحقوق العربية، وفي مقدمتها حقوق شعب فلسطين في استعادة وطنه.
رحل كلوفيس مقصود، أمس، في مغتربه العتيد، في الولايات المتحدة، والتي كانت واحدةً من ساحات نشاطه الفكري والدبلوماسي والثقافي المديد، وهو ابن مهاجر لبناني قدم إليها، ولد فيها، ثم غادرها طفلاً، وعاد إليها مقيماً، طالباً للدراسات العليا، ثم لمّا بدأ عمله سفيراً لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة، في 1979، حتى غادر موقعه هذا، عندما "ارتدّ البيت العربي على نفسِه"، كما كتب في خطاب استقالته، بعيْد اجتياح الجيش العراقي الكويت صيف 1990. وهو الذي اجتهد كثيراً من أجل توفير كل أسباب التوافق العربي في المحفل الأممي، وفي مداولاتٍ سياسيةٍ غير قليلة، حتى إذا طرأت تلك العاصفة المهولة، شعر بأنه لن يقوى على أي مداورة. ومن مفارقةٍ بالغة الأهمية في سيرة كلوفيس مقصود، أنه انتقد وجود جامعة الدول العربية، لأنها "سمحت لسيادة الدول العربية أن تتجاوز في الأهمية رغبة الشعوب العربية بإقامة وحدةٍ عربية"، غير أنه عمل سفيراً لها في الهند في الستينيات، قبل النكسة المعلومة، ثم التحق بمقرّها في القاهرة، قبل مغادرته وظيفتَه فيها، إلى أن اختير لتمثيل العرب، مجتمعين، في الأمم المتحدة. وكان في مواقعه هذه يعمل من أجل توظيف الشرعية الدولية لخدمة قضايا الشعوب العربية، مع معرفته "الحساسيات والخلافات وأجواء الارتياب" العربية التقليدية، لكنه آثر أن يبذل ما أمكَنه من جهد ومجهود.
لا تزيّد في الزعم، هنا، أن الراحل كان مدرسةً في الدبلوماسية والكفاح السياسي، ومن ذلك أنه أدرك، جيداً، أهمية الاشتباك بالحوار والسجال والنقاش مع الرأي العام الأميركي، في الإعلام والمؤتمرات والجامعات والتجمعات العديدة، وفي سيرته مآثر غزيرة في الدفاع عن قضايا العرب وعدالتها وإنسانيتها، وفلسطين في مقدمتها، في هذا كله. ولعلّ نزوعه اليساري المبكر، ذي المسحة الاشتراكية، والتي كان من مظاهرها قربه من كمال جنبلاط في لبنان، كما تلك المسحة الليبرالية التي تلقّى أنفاسها في يفاعته في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم ثقافته الواسعة باحتكاكه بمستجدّات العالم، في أميركا نفسها، وفي أكسفورد التي درس فيها الدكتوراه، وكان رئيس اتحاد الطلاب العرب فيها. ولا يُنسى وجودُه في صحيفتي "الأهرام" المصرية و"النهار" اللبنانية. لعل هذه المرجعيات، وغيرها، ما جعلت كلوفيس مقصود يتصف بلطافة روحية، وبالسماحة والوداعة الضافيتين في شخصه، وباللياقة الفكرية في المجادلة، وفي انحيازه إلى الشعوب وحقوقها، وهو الذي ابتهج بالربيع العربي، ودعا إلى نبذ اليأس مما آلت إليه أحوال غير بلد عربي في غضونه... وهل تُرانا نغفل أنه صاحب كتابٍ بعيد "نحو اشتراكية عربية"، وآخر عن "أزمة اليسار العربي". وهل تُراه يكفي، تعليقٌ مرتجل، هنا، في الإحاطة بكلوفيس مقصود، مفكراً وسياسياً ودبلوماسياً مكيناً؟
رأى المثقف العربي المستنير، كلوفيس مقصود، في انتقال انتفاضات الربيع العربي، من قطر عربي إلى آخر، وبتلقائيةٍ، أحد الأدلة التي رسّخت إيمانه بوحدة الشعب العربي. كما كتب في تقديمه مذكراته الشائقة، والتي لا تُسعفنا فقط في التعرّف على بعض ما أعطى، وما اجتهد فيه، في ساحات نشاطاته الثقافية والسياسية والدبلوماسية في الغرب والشرق، وإنما تجعلنا، أيضاً، نستضيء بالروح الوثّابة التي أقام عليها الراحل الكبير، وهو يخوضُ كفاحاً سياسياً في أثناء عواصف عربيةٍ عاتية، أزيد من نصف قرن، من أجل الحقوق العربية، وفي مقدمتها حقوق شعب فلسطين في استعادة وطنه.
رحل كلوفيس مقصود، أمس، في مغتربه العتيد، في الولايات المتحدة، والتي كانت واحدةً من ساحات نشاطه الفكري والدبلوماسي والثقافي المديد، وهو ابن مهاجر لبناني قدم إليها، ولد فيها، ثم غادرها طفلاً، وعاد إليها مقيماً، طالباً للدراسات العليا، ثم لمّا بدأ عمله سفيراً لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة، في 1979، حتى غادر موقعه هذا، عندما "ارتدّ البيت العربي على نفسِه"، كما كتب في خطاب استقالته، بعيْد اجتياح الجيش العراقي الكويت صيف 1990. وهو الذي اجتهد كثيراً من أجل توفير كل أسباب التوافق العربي في المحفل الأممي، وفي مداولاتٍ سياسيةٍ غير قليلة، حتى إذا طرأت تلك العاصفة المهولة، شعر بأنه لن يقوى على أي مداورة. ومن مفارقةٍ بالغة الأهمية في سيرة كلوفيس مقصود، أنه انتقد وجود جامعة الدول العربية، لأنها "سمحت لسيادة الدول العربية أن تتجاوز في الأهمية رغبة الشعوب العربية بإقامة وحدةٍ عربية"، غير أنه عمل سفيراً لها في الهند في الستينيات، قبل النكسة المعلومة، ثم التحق بمقرّها في القاهرة، قبل مغادرته وظيفتَه فيها، إلى أن اختير لتمثيل العرب، مجتمعين، في الأمم المتحدة. وكان في مواقعه هذه يعمل من أجل توظيف الشرعية الدولية لخدمة قضايا الشعوب العربية، مع معرفته "الحساسيات والخلافات وأجواء الارتياب" العربية التقليدية، لكنه آثر أن يبذل ما أمكَنه من جهد ومجهود.
لا تزيّد في الزعم، هنا، أن الراحل كان مدرسةً في الدبلوماسية والكفاح السياسي، ومن ذلك أنه أدرك، جيداً، أهمية الاشتباك بالحوار والسجال والنقاش مع الرأي العام الأميركي، في الإعلام والمؤتمرات والجامعات والتجمعات العديدة، وفي سيرته مآثر غزيرة في الدفاع عن قضايا العرب وعدالتها وإنسانيتها، وفلسطين في مقدمتها، في هذا كله. ولعلّ نزوعه اليساري المبكر، ذي المسحة الاشتراكية، والتي كان من مظاهرها قربه من كمال جنبلاط في لبنان، كما تلك المسحة الليبرالية التي تلقّى أنفاسها في يفاعته في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم ثقافته الواسعة باحتكاكه بمستجدّات العالم، في أميركا نفسها، وفي أكسفورد التي درس فيها الدكتوراه، وكان رئيس اتحاد الطلاب العرب فيها. ولا يُنسى وجودُه في صحيفتي "الأهرام" المصرية و"النهار" اللبنانية. لعل هذه المرجعيات، وغيرها، ما جعلت كلوفيس مقصود يتصف بلطافة روحية، وبالسماحة والوداعة الضافيتين في شخصه، وباللياقة الفكرية في المجادلة، وفي انحيازه إلى الشعوب وحقوقها، وهو الذي ابتهج بالربيع العربي، ودعا إلى نبذ اليأس مما آلت إليه أحوال غير بلد عربي في غضونه... وهل تُرانا نغفل أنه صاحب كتابٍ بعيد "نحو اشتراكية عربية"، وآخر عن "أزمة اليسار العربي". وهل تُراه يكفي، تعليقٌ مرتجل، هنا، في الإحاطة بكلوفيس مقصود، مفكراً وسياسياً ودبلوماسياً مكيناً؟