كلمة السرّ اليمنيّة

كلمة السرّ اليمنيّة

26 مارس 2015
+ الخط -

القدرة الاستراتيجية للدول تفرضها ثوابت الجغرافيا، وتحركها دوافع التاريخ، والجغرافيا تمثل ظل العمق الاستراتيجي للدول. تدرك إيران هاتين النقطتين الجوهريتين، وتتحرك في دول الإقليم بمقتضاهما، من العراق إلى سورية ولبنان واليمن، فاليمن تحديداً، بموقعه الجغرافي، يمثّل عمقاً استراتيجياً مهمّاً للقيادة الإيرانية، وينظر إليه لتطوير القدرة العسكرية البحرية، والسيطرة على المنافذ البحرية المهمة في المنطقة.
لم يعد خافياً ما أسرّه الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لأحد الصحافيين، أن أي دولة تسيطر على مضيقي باب المندب ومضيق هرمز لن تكون بحاجة إلى قنبلة. فما صرح به هادي قبل أشهر، تشكَّل اليوم، وأصبحت إيران المسيطر غير المباشر على مضيق باب المندب، بالإضافة إلى سيطرتها على مضيق هرمز. ويشكل هذان المضيقان معاً منفذ العالم إلى العالم، وبدونهما لا يمكن للغرب أن يرى الشرق، ولا يمكن للشرق أن يرى الغرب.
وتكمن أهمية مضيق باب المندب بوصفه من أهم الممرات البحرية في العالم، إذ يقدّر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنوياً، بمعدل 57 قطعة يومياً، وتمر عبر المضيق سفن محملة بـ3.3 ملايين برميل من النفط يومياً، وتمثل هذه حوالي 17.5% من حمولة كل حاملات النفط في العالم.
لبت جماعة الحوثيين المدعومين إيرانياً الحاجة التوسعية الإيرانية في تدعيم القوة الاستراتيجية في السيطرة على المضيق، وفرضت نفسها، بحكم الأمر الواقع، مسيطرة على هذا المنفذ، بعد سيطرتها على صنعاء، وتطويقها المدن الاستراتيجية البحرية، أملاً منها في أن تؤدي السيطرة البحرية إلى تعزيز صورتها، قوة استراتيجية في المنطقة.
سيكون تأثير سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب كبيراً جداً، بقدر ما يمثله هذا المضيق من أهمية جيوسياسية. فإيران، الرابح الأكبر، ستمتلك ورقة ضغط مهمة على القوى الكبرى في مفاوضاتها حول الملف النووي، وفي تعزيز موقفها من الأزمة السورية، وفي إبرام اتفاق لحل المشكلة، وتوسيع نفوذها في العراق سياسياً وعسكرياً. أما الخاسر الأكبر، فهي دول الخليج، والسعودية تحديداً، ستواجه مشكلة اقتصادية بالدرجة الأولى، ومشكلة في النفوذ في حديقتها الخلفية، اليمن، فصادراتها النفطية إلى الأسواق الآسيوية تمر عبر باب المندب. وستحظى طهران بوسيلة ضغط على الرياض، والقاهرة ليست بعيدة عن التأثر بالواقع الجديد، فالمضيق يعد المدخل الأساسي إلى قناة السويس، فهناك أكثر من 38% من الملاحة الدولية تمر عبر هذا المضيق. وقد صرح السفير المصري، الذي بقي موجوداً حتى اللحظة الأخيرة في عدن، أن الاعتداء على المضيق خط أحمر للمصريين. محصّلة ذلك أن الأمن القومي العربي مرتبط بشكل وثيق بالأمن القومي لليمن، والأمن القومي لليمن مرتبط بشكل أكثر بأمن البحر الأحمر والخليج وباب المندب.
فمضيق باب المندب يمثل كلمة السر في الصراع على اليمن، ويمثل التهديد الاستراتيجي الفعلي للمصالح الخليجية والعربية، فهل سيستدعي هذا التهديد تدخلاً عسكرياً مباشراً من هذه الدول للحفاظ على المصالح الاستراتيجية هناك؟

 


 

avata
avata
خالد الدعوم (الأردن)
خالد الدعوم (الأردن)