كرة اليد.. من هوميروس إلى ما بعد هتلر

كرة اليد.. من هوميروس إلى ما بعد هتلر

11 يناير 2017
(تصوير: نيكادا)
+ الخط -

اليوم تنطلق النسخة الخامسة والعشرون من مسابقة كأس العالم لكرة اليد للرجال، والتي يتم افتتاحها بمواجهة تجمع منتخب الدولة المستضيفة، فرنسا، مع المنتخب البرازيلي. وعلى الرغم من أن تاريخ هذه المسابقة يعود إلى سنة 1938، ورغم أن المدّة الزمنية التي تفصل بين كل مسابقتين لا تتجاوز السنتين، إلا أن ارتباط هذه اللعبة ببعض الأحداث التاريخية الإشكالية، جعل النسخة الخامسة والعشرين لهذه المسابقة، تتأخّر من سنة 1988 حتى سنة 2017.

بالنسبة لتاريخ اللعبة، فهو يعود إلى ما قبل الميلاد، وهو محط خلاف وجدل بين كثيرين، فالبعض يُرجع جذور اللعبة إلى الحضارة الفرعونية القديمة، مستشهدين ببعض الرسوم الموجودة على جدران المقابر الفرعونية، والتي تظهر النساء وهن يلعبن الكرة بأيديهن بعدة طرق؛ وفي المقابل، فإن البعض يعتبر أن جذور هذه اللعبة إغريقية، مستشهدين بما ورد في نص "الأوديسة"، الذي كتبه هوميروس في القرن الثامن قبل الميلاد، حيث ورد أن بنات الملوك ووصيفاتهن كنّ يلعبن بالكرة، ويتقاذفنها بأيديهن؛ ولكن في كلتا الحالتين، فإن تاريخ هذه اللعبة القديم يرتبط بألعاب النساء، وذلك ما جعل هذه الرياضة تعاني من التهميش في العصور اللاحقة.

وأما اللعبة في شكلها الحالي، فإن جذورها تعود إلى القرن الثامن عشر، فهي نتيجة لتطوّر العديد من الألعاب المتباعدة مكانيًا، والمتقاربة زمانيًا، والتي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا، ومنها: لعبة "هاند بولد" الدانماركية، لعبة "تور بول" الألمانية، لعبة "هازينا" التشيكوسلوفاكية ولعبة "غاند بول" الأوكرانية؛ وفي سنة 1906، قام مدرس "الجمباز" الدانماركي، هولجر نيلسن، بتأليف أوّل كتاب يجمع قواعد اللعبة، تحت عنوان "هاند بول"، أو "كرة اليد"، ولا تزال بعض القواعد التي وضعها نيلسن في كتابه سارية المفعول حتى اليوم.

بعد هذا التاريخ تطوّرت قواعد اللعبة ببطء، وتأخرّت أول مباراة رسمية لكرة اليد حتى سنة 1925، حيث أقيمت على ملعب مخصص لكرة القدم في برلين، وجمعت بين منتخبي بلجيكا وألمانيا، وكان كل منتخب حينها يضم 11 لاعبًا، على غرار منتخبات كرة القدم؛ وبعد ثلاث سنوات من هذه المباريات، تأسّس اتحاد أوروبي لكرة اليد في هولندا، وكانت وظيفته تنظيم مباريات كرة اليد وإدارتها.

ويعود الفضل لأدولف هتلر في إقحام لعبة كرة اليد ضمن الألعاب الأولمبية، ففي صيف 1936، استغل إقامة دورة الألعاب الأولمبية في ألمانيا، ليقحم رياضة كرة اليد التي أحبّها ضمن قائمة الألعاب؛ وانطلقت في عهده أيضًا أول بطولة رسمية لكرة اليد، في ألمانيا أيضًا، وحصل المنتخب الألماني على لقب كلا البطولتين؛ إلا أن دخول هتلر في الحرب العالمية الثانية سنة 1939، أدى لتوقف بطولة كأس العالم لكرة اليد حينها، كما أدى لشطب اللعبة من قائمة الألعاب الأولمبية في الدورات اللاحقة، حتى سنة 1972، التي شهدت عودة كرة اليد لقائمة الألعاب الأولمبية؛ وأما كأس العالم لكرة اليد، فاستأنف بطولته في السويد سنة 1954، ولم تتوقّف البطولة منذ ذلك التاريخ، ولكنها كانت حينها تُقام بشكل غير منتظم، فكان نظام البطولة يجعلها تبدو تارةً وكأنها مسابقة تُقام كل أربع سنوات، وتارةً تبدو وكأنها مسابقة تُقام كل ثلاث سنوات، حتى استضافت السويد البطولة مجددًا سنة 1993، وتحدّدت البطولة بنظام واضح، فأصبحت تُقام كل سنتين.

وتبدو الهيمنة الأوروبية واضحة على البطولة في النسخ الأربع والعشرين الماضية، فأبطال جميع النسخ السابقة كانوا من أوروبا، ويتجاوز عدد المنتخبات الأوروبية المشاركة بالبطولة، حتى في النسخة الحالية، النصف، ولم يتمكّن في النسخ الماضية أي منتخب غير أوروبي من أن يصل للمربع الذهبي، سوى المنتخب المصري، الذي حصل على المركز الرابع في نسخة فرنسا 2001، والمنتخب التونسي، الذي حصل على المركز الرابع أيضًا في النسخة التي استضافتها ألمانيا سنة 2007، والمنتخب القطري الذي كان وصيفًا في النسخة الماضية التي استضافها؛ ليبدو أن العرب هم الأقرب لكسر المركزية الأوروبية المهيمنة على هذه الرياضة العالمية.

المساهمون