كراجات لـ "المشنططين" السوريّين

30 أكتوبر 2015
يأملون الوصول إلى بر الأمان (لويزا غليماكي/فرانس برس)
+ الخط -

مكانٌ افتراضي استطاع جمع اللاجئين السوريين. هناك، لا يحتاجون إلى تأشيرة دخول، ولن يأخذ أحد بصمتهم أو يطلق الرصاص المطاطي عليهم ترهيباً، أو يعتقلهم. "كراجات المشنططين" ليست مجموعة تفاعلية أو خدماتية على "فيسبوك" فحسب، بل إنها تمثل المجتمع السوري بشكل مصغر، وهي بمثابة بديل للهاربين من روائح الجثث والدماء.
تبدو هذه المجموعة بمثابة بارقة أمل لكثيرين يعانون من الظلم في بلادهم، وأولئك الذين همشوا من قبل جميع الأطراف المتنازعة، ويريدون فقط العيش في أمان.

قبل 18 شهراً، انطلقت المجموعة لتضم نحو 145 ألف شخص، من خلال جهود عدد من المتطوعين. يقول أحد المؤسسين، لـ "العربي الجديد"، إن "المجموعة تساند الذين تقطعت بهم السبل". يضيف: "نريد إيصال أصوات لا تسمع، قبل أن تقرر الهجرة بحثاً عن الأمن والأمان وأبسط مقومات الحياة". ويوضح أنه مع دخول الحرب في سورية عامها الخامس، تزداد الأوضاع الإنسانية سوءاً، مما دفع ملايين السوريين إلى الهرب حفاظاً على حياتهم وكرامتهم. بداية، توجه هؤلاء نحو دول الجوار، إلا أن كثيرين اختاروا أوروبا لتبدأ المعاناة. ولأن السفارات لم تفتح أبوابها لهم، اختاروا طرقاً غير شرعية.
تتابع المجموعة أن عدداً كبيراً من السوريين اختاروا المضي بتلك الطرق المميتة والمحفوفة بالمخاطر والمغامرات. ولأن البعض يجهل الوسائل، كان لا بد من النصيحة.
تتكون المجموعة من متطوعين يرغبون في مساعدة أبناء وطنهم، من دون أن يتعاملوا مع سماسرة، أو يدلّوا الناس عليهم، علماً بأن غاية المهرّبين هي جمع المال فقط. على الصفحة، تمنعُ المجموعة الترويج لأسماء المهربين والسماسرة. وبهدف تجنب المشاحنات بين الأعضاء، منعت أيضاً نشر أية منشورات سياسية أو دينية. الهدف واضح، وهو مساعدة الهاربين إلى أوروبا.

وتفاعل عدد كبير من السوريين "المشنططين" مع الصفحة. وتكادُ لا تمر دقيقة واحدة من دون أن يطرح الناس الأسئلة، أو يطلبون الإنقاذ، أو يضعون أخباراً وتصريحات تتعلق بموضوع الهجرة. بدورها، تساعد المجموعة في البحث عن المفقودين في المحيطات. يتشارك الناس تجاربهم، ويقدمون النصائح لبعضهم بعضاً، وينشرون أرقام خفر السواحل والصليب الأحمر الدولي وغيرها، وخصوصاً تلك المتعلقة بدول العبور. يضيف المسؤولون عن المجموعة أن الشاب السوري يبدأ حياة "الشنططة" باكراً، حين يجد نفسه مجبراً على تأمين كل شيء، ومن الصفر.

محمد عبدو، أبو صافي العكر، أبو عمر الشامي، وسام الصفدي، ومشنطط سوري، أسماء معظمها وهمية، التقت بهدف إنشاء المجموعة، وقد تعرفت على بعضها بعضاً في رحلة "الشنططة" السورية. سافر البعض بطريقة غير شرعية، فيما ما زال آخرون في سورية.
عن المخاطر، يقول الفريق: "واجهنا تحديات كثيرة، منها أن السماسرة يحملون أسماء وهمية، وقد راقبناهم بشكل مكثف من أجل فضحهم، ونصح الغير بالحذر من التعامل معهم. وقد حاول كثيرون إنشاء مجموعات مشابهة تحمل الاسم نفسه في محاولة لاصطياد البشر". يضيف: "ناهيك عن مخاطر البر والبحر، نحاول ما استطعنا أن نكون مع المهاجرين خطوة بخطوة في طريقهم".

في البحر، تسعى "كراجات" إلى توعية الناس، لناحية أهمية شراء سترات الإنقاذ، وأجهزة شحن الهواتف الخلوية، وخط هاتف للتواصل مع فريق الإنقاذ والمتابعة، في حال حدوث أية مشكلة في الطريق، بالإضافة إلى تحديد المكان لإبلاغ خفر السواحل. وقد ساهمت المجموعة في إنقاذ عشرات المراكب. مهمة المجموعة لا تنحصر هنا. وبعد اجتياز البحر، يتتبعون سير المهاجرين براً، في حال تاهوا أو احتاج أحدهم إلى مكان للمبيت. وتلفت المجموعة إلى أنها تتابع يومياً نحو 8 مراكب.

نبحث عن الأمان

توجه المجموعة القائمة على "كراجات المشنططين" رسالة باسم الشعب السوري "الذي لاقى على مدار خمس سنوات ظلماً وإهانة في دول الجوار"، قائلة إن "الإعلام العربي تأخر في الحديث عن قضية اللاجئين. من جهة أخرى، ساهم الإعلام في إغلاق طرقات كان المهاجر يسلكها". وتؤكد: "إننا لا نريد الوقوف مكتوفي الأيدي أمام حلم السوريين في حياة كريمة. نبحث عن الأمان لأبناء بلدنا".

اقرأ أيضاً: موسم الغرق في المتوسط