كذب حبله قصير
دمار بعد قصف بقنايل النظام في حلب (إبريل/2014/أ.ف.ب)
كتب فاتح مصر، "عمرو بن العاص"، مقالة في موقع "كلنا شركاء"، عن تأسيس حزب جديد، يخطط لضم عدد كبير من الشباب إلى صفوفه"، بدأها، على مألوف كتبة – الأصح كذبة – هذه الأيام بمقدمة ضدي. يروي "عمرو بن العاص" هذا أن شاباً قابلني عشية تأسيس " المنبر الديمقراطي"، وسألني عن موقع الشباب فيه، وحين قلت إنني ضد فكرة تأسيس حزب، أيقن أنني أريد إقصاء الشباب عنه.
تدفعني هذه "الفرية" إلى التذكير بمواقفي المكتوبة، وليس المروية، من الحزب والشباب. نعم، كنت، وما زلت، ضد فكرة المسارعة إلى تأسيس حزب، قبل أن يتضح مآل الثورة السورية، لسببين: أولاً، لأن تأسيس الحزب ستمليه معادلة خاطئة، تزعم أن الديمقراطية هي البديل الوحيد الممكن للنظام الحالي، وأن أي حزب ديمقراطي الخطاب والنيات سينجح، لأنه سيكون جزءاً من هذا البديل. وثانياً: لأن الحزب الذي يتأسس من دون حامل تاريخي/ اجتماعي سيكون بالضرورة نخبوياً، ونمط الحزب النخبوي فشل في تحريك المجتمع وتثويره، وهو لن يكون، على الأرجح، شكل التنظيم الذي ستأتي به ثورةٌ انطلقت من المجتمع، ولم تكن أيديولوجية وذات تنظيم مسبق، بل سيكون مختلفاً عن الأحزاب التي عرفناها، وعجزت عن فعل أي شيء مما كانت قد وعدت بتحقيقه.
أما الشباب، فيمكن تلخيص موقفي حيالهم بالتالي: لقد أطلقوا الثورة، وقادوها، وضمنوا استمراريتها، وأنجزوا انقلاباً تاريخياً غير مسبوق في عالمنا العربي والإسلامي. لذلك، ركز النظام عنفه عليهم قبل كل شيء، وحال بينهم وبين قول ما كان يجول في عقولهم عن الثورة التي صنعوها. لذلك، وعندما سيسقط الأسد، سنقرأ ما سيكتبونه حول ما أرادوه بها، وكيف أبدعوها وانفردوا بتحضيرها وإطلاقها، وجعلوها عصية على الكسر، على الرغم من تفوق النظام المتنوع الأبعاد والمجالات عليها. بتغييب الشباب، أصحاب الثورة الأصليين، حاولت الأحزاب ركوب موجتها وتصدرها، لكنها فشلت، مثلما فشلت التشكيلات التي وضعت على رأس الثورة من مجلس وطني وائتلاف، واعتبرت دورها "بديلًا فاشلًا لدور الشباب المغيب"، أخفق في الحلول محله، أو في القيام بدوره قائداً للثورة.
حين تأسس "المنبر الديمقراطي"، دعوت إلى إدخال أكبر عدد من الشباب إليه، وطالبت بوضع قيادته بين أيديهم، ليكون أول وأقرب تجربة تمكنهم من تلمس دورهم المطلوب، المغيب بعنف النظام. كما أردت "المنبر" ساحةً، يتفاعل فيها الشباب، بحريةٍ، مع ثورته، ويعبر عن رؤيته لها، وبالتالي، فكرها، المغاير لفكرنا، على أن يمكنه (المنبر) من خوض صراع سياسي وفكري ديمقراطي، ومفتوح يبلور بفضله النموذج الذي لا بد أن يتمخض عنه كفاحه في سبيل الحرية. وبالنتيجة: ربطت في مقالة عنوانها "هل سينجح المنبر الديمقراطي" نجاحه ووجوده بالشباب، وبدورهم في قيادته، على عكس ما يزعمه من يسمي نفسه "عمرو بن العاص".
هل موقفي هذا معاد للحزب والشباب؟ أيها الكتبة، اتقوا الله في تعاملكم مع حقائق مكتوبة، يعرفها من تكذبون عليهم. تذكّروا دوماً أن حبل الكذب قصير، كما قال أجدادكم، وأكدته الوقائع!