ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، ما يلي الحلقة الرابعة:
بدأت في العمل مسؤولاً عن قطاع الشباب في فيورنتينا. كان النادي يمتلك أبطالا عظماء ولاعبين شبابا لديهم خبرة بالفعل. كانت مهمتي ترتكز على تحسين قطاع الناشئين؛ الأمر الذي واجهته بنفس الحماس المعتاد.
بدأت أتعامل هناك مع الأبطال الذين شاهدتهم، وأعجبت بهم عبر التلفاز في مونديالي 1978 و1982. اعتدت دعوة دانييل باساريلا للحديث مع اللاعبين. كانت لقاءات مهمة تحدث فيها اللاعبين عن اللعب عبر أسلوب الضغط الذي مارسته الأرجنتين مع مينوتي وخبراته حول هذا الأمر.
كانت الظروف مثالية من أجل التطور واكتساب خبرة كبيرة، فالفريق الأول، على سبيل المثال أنهى البطولة في المركز الثالث وقدم كرة قدم جميلة وتنافسية وفنية. حاولت من جانبي تطبيق النموذج، الذي كان يحلم به إيتالو ألودي لكرة القدم الإيطالية؛ بمعنى آخر التنسيق بين فئات الشباب المختلفة بشكل يصنع سلسلة تخلق لاعبين وأجيالاً جديدة تصل للفريق الأول.
كانوا يعتمدون في فلورنسا على رقابة رجل لرجل ولاعب ليبرو متأخر، ولكن أنا فرضت دفاع المنطقة على كل قطاعات الشباب لأن اللعب بهذه الطريقة يجبر على التفكير وتطوير العقل، بخلاف أنه يحسن القدرات العقلية في حالة حدوث مواجهة رجل لرجل.
تتضمن منطقة الضغط المصنوع دفاعا نشطا، أو بمعنى آخر، أنه حتى ولو كانت الكرة في حوزة الخصم فأنت المهيمن الحقيقي على الملعب، لأنك عبر هذا الضغط تجبره على اللعب بسرعة وبوتيرة وحدة ستؤدي في النهاية لارتكابه أخطاء.
كان مدرب الفريق الأول في فيورنتينا في تلك الفترة هو سيرجيو شيرفاتو. كان في الأساس مدافعاً واعتاد على طريقة اللعب القائمة على الرقابة اللصيقة. كل منا كانت لديه طريقته في فهم كرة القدم: تلك الإيطالية الدفاعية من ناحية والعدوانية والقائمة على الهجوم عبر مناطق الضغط من ناحية أخرى، ولكن حينما لا تعتمد على رقابة رجل لرجل فإن مرجعيتك الأساسية تكون الكرة ثم زميلك وفي النهاية خصمك وهذا هو الأفضل.
كان إيتالو ألودي اداريا كبيراً ولديه أفكاره المتميزة في كرة القدم. كافح من أجل جلب أفضل اللاعبين للنادي. أحدهم كان رودي فولر لاعب فيردر بريمن ولكن النادي فضل ضم سوكراتيس. هكذا ظهر أول شرخ في علاقة الطرفين وقرر تقديم استقالته. لم أفكر ولو للحظة في الاستمرار على الرغم من حصولي على عرض مدته ثلاث سنوات من فيورنتينا والعمل الجيد الذي كنت أقوم به مع الشباب، وأنهيت علاقتي مع النادي.
دائما ما آمنت بأن لعب الفريق يشيد بناء على قرارات النادي وأهدافه. إذا لم يقدموا لك الظروف المناسبة لاستمرار عملك فإن الفريق سيلعب بصورة سيئة، ولن يوجد أي مشروع يقود لأي مكان.
العودة لريميني
التقيت في يوم من الأيام مصادفة برئيس ريميني دينو كابيلي الذي فاتحني في مسألة العودة إلى تدريب الفريق، لذا قدمت له عرضاً: سأعيد بناء كل شيء وأحصل على ضعف راتبي الأخير معكم. مد كل منا يده للآخر واتفقنا بالفعل.
أعدت التعاقد مع عدد من اللاعبين الذين رحلوا. جلبت والتر بيانكي من بريشا ودافيدي زانوني من كالياري وجلبت جانكارلو بولديني وجانلوكا ريجيتي من تشيزينا. وأبقينا على أفضل اللاعبين في ريميني وجلبنا بعض الشباب لنبدأ المهمة.
كانت مهمتي حينما توليت المسؤولية في ريميني تجنب الهبوط. كنا نلعب في المجموعة الأولى بالدرجة الثالثة، ولكن هدفي لم يكن البقاء فقط، بل أن نصبح أبرز من في البطولة. كنت أرغب في زرع عقلية هجومية وفائزة في لاعبي فريقي: يجب أن نستحوذ على الكرة ونقدم لعبا رائعا. تصدرنا البطولة لأكثر من 20 مباراة. أنهينا الدور الأولي في الصدارة.
لم نقبض أي راتب حتى ديسمبر، ولكن كنا نحصل على أموال مقابل النقاط التي نحصدها في كل مباراة. كنا اتفقنا مع اللاعبين على أن يحصلوا على عشرة آلاف ليرة مقابل النقطة الواحدة وعشرين ألف ليرة مقابل الفوز إذا ما أنهينا البطولة في أحد المراكز الأربعة الأولى و200 ألف ليرة في حالة الوصول لأي من المركزين الأول والثاني. بمعنى آخر حصلنا على قدر كبير من الأموال، دون أن يكون لدينا راتب ثابت.
اختتمنا البطولة في النهاية بالمركز الرابع، ولكن كما سيظهر لاحقا فإن فيشينزا كان لجأ للتزوير بشراء آخر خمس مباريات. كانت هذه المرة الأولى التي أتعرض فيها للاصطدام بهذا الجانب المظلم من عالم كرة القدم، الأمر الذي منعني من الاحتفال كما كنت أرغب بنتائج الفريق الذي كنت أدربه.
انتهى عقدي مع ريميني، لأنني كما اعتدت أن أفعل كنت قد وقعت لمدة عام واحد فقط. خلال البطولة كان نادي أنكونا تواصل معي ورئيسه إدواردو لوناريني كان يرغب في جعلي مدربا لفريقه، ولكن في نفس موعد لقائنا تلقيت مكالمة من ريتشاردو سوليانو المدير الرياضي لبارما. التقيت به وعدد من أعضاء مجلس الإدارة. هم أيضا كانوا يرغبون في جلبي.
ذهبت لمقابلة رئيس أنكونا الذي استقبلني، جالسا خلف مكتبه الضخم بصحبة اثنين من أعضاء مجلس الإدارة كانا أشبه برجال الحرس الشخصي ودار بيننا هذا الحوار:
- أنا فائز بالفطرة. لا أعرف سوى الفوز بكل شيء وأرغب في تحقيق الفوز بعالم الكرة.
-أخطأت في الشخص المطلوب. لا يمكنني ضمان الفوز.
كنت أشعر بانعدام الراحة والدهشة من هذا الاستقبال وطريقة الحديث تلك وكنت أهم بالنهوض ولكنه قال لي "اجلس".. بدأت في انتقاد طريقة لعب الفريق والنادي، وقلت "هذا الفريق لا يعجبني. إذا ما وقعت معكم سنعمل على تغيير الكثير من اللاعبين"، في محاولة للهرب وإنهاء الحوار.
مع كل عقبة وضعتها أمام رئيس أنكونا كان يرد بأنها لن تكون مشكلة وأنه سيعمل على حلها أو تذليلها وفقا لرغباتي، لهذا في النهاية لعبت بورقتي الأخيرة وهي العائلة. بقيت صامتا لعدة ثوان ثم قلت له "أنا رجل متزوج وسأسعد بالمجيء لأنكونا إذا ما جاءت زوجتي جوفانا معي. يتوجب علي إقناعها".
في اليوم التالي طرق مندوب على باب المنزل وسلم باقة من الزهور لزوجتي مع بطاقة معايدة عليها عبارة "للسيدة ساكي من طرف رئيس أنكونا". نظرت لي جوفانا وقالت:
- تسلمت باقة من الزهور.. كنت أظن أنها لك..
أجبتها بسؤال:
- هل نذهب إلى بارما أم أنكونا؟
- بارما بدون نقاش.
هكذا وقع الاختيار على بارما!