كائنات مُصنّعة لها مشاعر: أفكارٌ بلا سينما

كائنات مُصنّعة لها مشاعر: أفكارٌ بلا سينما

01 فبراير 2019
دْريك دورايمس بين مُمَثّلي Zoe (فيسبوك)
+ الخط -
يمتلك المخرج الأميركي دْريك دورايمس (1983) مسيرة سينمائية غير مُقدَّرة على المستويين النقدي والجماهيري. لكن اللافت للانتباه أن لديه مجموعة أفكار وأسئلة تربط أفلامه بعضها ببعض، تجعلها منتمية إلى مشروع واحد، أكثر قيمة من التعامل مع كلّ فيلم على حدة. ما يجمع أفلامه Breath In عام 2013 وEquals عام 2015 وNewness عام 2017 وZoe عام 2018 أمور عديدة: العلاقات العاطفية، وكيفية تأثرها بالتطوّر والحداثة والتكنولوجيا؛ المشاعر الإنسانية في عالم يزداد مادية وجمودًا؛ وهل المستقبل الموعود سيجعل الناس أفضل حالاً، أم أنه سيدمّرهم بشكل أو بآخر؟ 

في Zoe، يقدّم دورايمس تنويعة درامية مختلفة عن القصّة المشهورة لفرانكنشتاين، حيث العالِم كول (إيوان ماك غريغور)، وبعد تجربة زواج فاشل، يُخصّص كلّ جهوده في تطوير أدوية وأجهزة اختبار تساعد على إنجاح العلاقات العاطفية. اختراعه الأخير متمثّل في كائنات آلية تمتلك ذكاءً اصطناعيًا متطوّرًا، وأشكالاً مماثلة للبشر، كي يلبوا احتياجات هؤلاء الأخيرين من العلاقات والمشاعر، على أن "لا يتركوهم أبدًا". تسير الأمور بنجاح، قبل أن تتعقّد، عندما تُغرم زُوي (ليا سيدو)، الكائن الآليّ الذي اخترعه كجزء من تجاربه، من دون أن تعرف أنها مُصنَّعة. ومع تطور العلاقة بينهما، تُطرح الأسئلة التي تتأمل أحوال الإنسانية والمشاعر والعلاقات.




يملك "زُوي" قوّة حقيقية في نصفه الأول. صحيح أن فكرة "الكائنات الآلية ذات المشاعر، والتي لا تعرف أنها مُصنّعة" متشابهة مع كلاسيكية "بلايد رانر" (1982) لريدلي سكوت و"بلايد رانر 2049"، الذي أنجزه داني فيلّنوف عام 2017. إلاّ أنّ الإطار المختلف تمامًا للحكاية لا يجعل من هذا الأمر مشكلة، خصوصاً مع الإخلاص المفرط لدورايمس لأسئلة العلاقات، كما في أفلامه السابقة: هل ستنجح علاقة مثل هذه؟ هل هناك ضمانة فعلاً لأن يعيش المرء في سعادة دائمة؟ هل من الممكن أن ينسى كول أنّ زُوي آلة صنعها، حتى لو امتلكت مشاعر وذاكرة وقدرة على الاختيار؟ هل ستتجاوز زُوي شعورها بالنقص، أو أنها سترغب في التمرّد على من صنعها؟

تُبنى العلاقة والأسئلة الدرامية بسرد منطقي، مع بعض اللحظات السينمائية المميزة. لكن، وربما بسبب كثرة الأفكار التي يرغب دْريك دورايمس في التعبير عنها، يرتبك الفيلم تمامًا منذ بداية نصفه الثاني، في تحديد أولوياته أو المنظور الذي يريد أن يحكي من خلاله. تتتالى الأحداث والأفكار من دون أن تنسجم فيما بينها بشكل جيّد، لا على المستوى السردي، ولا بالنسبة إلى المسائل الشعورية، إلى درجة أن هناك شعورًا بالاستبعاد ينتاب المتفرّجين في بعض الأحيان، وأن هناك شيئًا ما فاتهم. لا نفهم السبب الذي يدفع كول إلى الشعور بالذنب بعد حادثة زُوي؟ وهل كان يملك خيارات أخرى لإنقاذها، كي يشعر بعد ذلك أنه سبب خسارتها؟ لا نلمس أيضًا السبب في تغيّرها الشديد، وشعورها بالرغبة في التجاوز، ولا نعرف "الشيء" الذي تبحث عنه في تلك اللحظة؟ يكون الفيلم تائهًا كشخصياته التي نراها في مشاهد كثيرة تسير في شوارع أو ممرات من دون وجهة. يزداد الأمر سوءًا، عند تناول الشخصيتين دواءً اخترعه كول كي يختبر من يتناوله شعور الوقوع في الحب للمرة الأولى.

مع مرور الوقت، وكثرة استخدام هذا الدواء، تفقد الشخصيتان مشاعرهما، وتبدو اللحظة موصولة ـ نظريًا ـ بـEquals، الذي يذهب إلى المستقبل ليسأل عما إذا ستُصبح المشاعر فيه مرضًا، ويتحرّك فيه البشر كالآلات. لكن، على المستوى الدرامي، تكون مشتتة جدًا، ومن دون مقدّمات أو توابع.

Zoe الفيلم ثقيل بالاحتمالات، وبأسئلة عديدة يطرحها المخرج دْريك دورايمس كلّ لحظة، لينتهي بشكل مبتور وأضعف وأكثر برودة مما بدأ. ربما لو كان مخلصًا لسؤال واحد فقط، لكان الفيلم أكثر تماسكًا بكثير، من فوضى الأفكار تلك التي تحرّكه.

المساهمون