قُبلة يوسف الشريف

قُبلة يوسف الشريف

06 يوليو 2020
+ الخط -

ضجّة واسعة أثارها الممثل المصري، يوسف الشريف، في الوسط الفني، بسبب تصريحات تلفزيونية قال فيها إنه يشترط في أعماله الفنية ألا تتضمن مشاهد "ساخنة" بمختلف أشكالها من قبلات وأحضان ولقطات عارية. وتباينت ردود الفعل بين التأييد والاستنكار، وكذلك معايير ومنطلقات كل منهما، فغالبية الأصوات التي ساندت الشريف، لم تتطرّق إلى صحة موقفه أو خطئه، سواء من الناحية الأخلاقية أو الدينية أو حتى الفنية. وإنما انطلقت في تأييده ودعمه من أن ما قاله وما يفعله يدخل في نطاق حريته الشخصية فردا، وقراراته واختياراته ممثلا، من دون النظر إلى مضمون تلك الاختيارات، أو تقييمها إيجاباً أو سلباً في نظرهم. 

وللأسف، من طبيعة الأشياء في مصر الراهنة أن الأصوات الأضعف هي تلك العاقلة الموضوعية التي تبني مواقفها تجاه الآخرين وتصرّفاتهم وفق مبادئ ثابتة وأسس واضحة، بينما الصوت الأعلى والقدرة الأكبر على التشويش وإحداث الجلبة لمنتقديه الذين أرادوا التشويش على ما قاله، بل وتشويهه ممثلا وإنسانا، لمجرّد أنه خالف توجهاتهم ولا يتبع منهجهم أو يسلك مسلكهم، سواء في الأعمال الفنية أو الحياة الشخصية. وظهرت تلك المقارنة بقوة من تعليقات زملاء الشريف وانتقاداتهم، حتى أن ممثلا لم يستطع إخفاءها، فقال مخاطباً الشريف "زملاؤك محترمون .. لست وحدك المحترم". بينما صب بعض العاملين في الوسط الفني غضبه على يوسف الشريف، بسبب امتلاكه القدرة على فرض قراره وشروطه فيما يقوم به من أعمال، فأبدى مخرج شهير دهشةً واستنكاراً لأن يفرض ممثل مطالبه إلى هذا الحد. على الرغم من أن الوسط الفني يعلم ويتقبل بأريحية الانصياع لرغبات بعض النجوم ومطالبهم وتدخلاتهم في عمل المخرج والسيناريست، بل والمنتج أيضاً.

جوهر الانتقادات التي وجهت إلى يوسف الشريف أنه دفاع من أصحابها عن أنفسهم، بعد أن وضعهم في حرج بالغ بإعلان رفضه ما يقبلون، فبدت ردودهم عليه أقرب إلى تبرير ما يفعلونه هم، أكثر مما هي تفنيد لما قاله أو تبيان لخطأ موقفه. ومما زادهم حرجاً، أن محمد إسماعيل (الاسم الحقيقي ليوسف الشريف) ليس ممثلاً فذا، فقدراته التمثيلية متوسّطة بمعايير النقد الفني. ولكن نجاح أعماله يرجع بالأساس إلى انتقاء موضوعات وأفكار جديدة غير مستهلكة، يخاطب بها شريحةً مجتمعية كبيرة من المصريين، ويقدمها من خلال فريق عمل مبدع ومجدد في مختلف الجوانب، التأليف والإخراج والتمثيل والموسيقى والمؤثرات، فتحقق الدراما التي يقدّمها نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وهي التي تخلو من القبلات والأحضان والعُري، بل إن أعماله التلفزيونية (يقدم مسلسلاً كل عام) هي من الأعلى مشاهدة سنوياً في مصر، طوال الأعوام الخمسة الماضية، وهو ما يُسقط حجة الضرورة الفنية، ويؤكد مجدّداً تهافت المقولة التقليدية الشهيرة: "الجمهور عاوز كدة".

التناقض الأهم في موقف هؤلاء المُتكالبين على الشريف أنهم يردّون دائماً على من ينتقد الابتذال والسطحية وإهدار القيم الأخلاقية والهبوط بالذوق العام في السينما والتلفزيون بأن تلك مقتضيات حرية التعبير وموجبات الإبداع الفني، وتعدّد ألوانه وأذواقه. وينتفضون دائماً لمواجهة أي حدود مجتمعية أو قواعد أخلاقية، ويعتبرونها إرهاباً فكرياً وحجْراً على "الإبداع" الفني، ويتذرّعون بأن المُشاهد يملك حرية كاملة في تقبل ما يقدّمونه أو رفضه. أما حين يقدّم غيرهم ما يراه وفقاً لقناعاته وبموجب شعبيته ورصيده عند الجمهور، فهنا لا يجب أن يتمتع هو بتلك الحرية في اختيار ما يقدّمه ولا كيف يقدمه. 

الأكثر طرافة من كل ما سبق أن الممثل يوسف الشريف يطبق ما أعلنه أخيرا، من دون إعلان، منذ أكثر من عشر سنوات، ولم يعترض أحد. كما لو كانت الكارثة في الإعلان والتصريح به لا في الفعل نفسه. أو كأن الشريف حرٌ في ما يمثل وكيف يمثل، بلا توصيف أو تصريح. وهم أحرار في ما يقدّمون، من دون تقييم أو تجريم.

دلالات

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.