قوى 8 آذار: من الحريري وإليه تعود

قوى 8 آذار: من الحريري وإليه تعود

08 مارس 2014
من تظاهرة 8 آذار 2005 تحت عنوان: شكراً سوريا
+ الخط -

في يوم المرأة العالمي في عام 2005، خرجت تظاهرة كبيرة في العاصمة اللبنانيّة بيروت. لم ترفع التظاهرة شعارات نسويّة، أو مطالب محددة لجهة حقوق النساء، بل صور الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وشعار: "شكراً سوريا".

في ذلك اليوم، خطب نصر الله من شرفة أحد مباني وسط بيروت، معلناً تشكيل تحالف، اتُّفق على تسميته لاحقاً بقوى الثامن من آذار. للصدف، فإن الثامن من آذار هو تاريخ ذكرى "الحركة التصحيحيّة" التي قام بها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.

بدأت نواة هذا الفريق، بلقاء عُقد في عين التينة، مقر رئاسة مجلس النواب، كردٍ على لقاء البريستول الذي شكّل جبهة سياسيّة ترفض الوجود العسكري السوري في لبنان، وذلك قبل أشهر من اغتيال رئيس الحكومة اللبنانيّة الأسبق رفيق الحريري في فبراير/ شباط 2005.

مرّت تسع سنوات على تأليف هذا الحلف. تبدّلات كثيرة حصلت، ومعارك سياسيّة وغير سياسيّة تم خوضها. نجح بعضها وفشل آخر.

يضم فريق 8 آذار: حزب الله وحركة أمل (يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري)، الحزب القومي السوري الاجتماعي، حزب البعث، التنظيم الشعبي الناصري، الحزب الديموقراطي اللبناني، إضافة إلى عدد من الشخصيات السنيّة. كما يضمّ هذا التحالف التيّار الوطني الحرّ، الذي يرأسه النائب ميشال عون، لكن الأخير يقول، أحياناً، إنه حليف هذا الفريق وليس عضواً فيه.

تنتقد معظم مكوّنات هذا الحلف، حلفها. يُقرّ البعض، مباشرةً أو مداورةً، بأن حزب الله هو مَن يتخذ القرار، فيما يرى أن المشكلة هي أن حزب الله لا يعتبر التحالف أحد أولوياته. يعتبر الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي، جبران عريجي، وهو أحد مؤسسي هذا الفريق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "8 آذار عندهم قضية ولكن لا توجد مؤسسة". بهذه العبارة المختصرة، يُلخّص عريجي واقع فريقه السياسي. ويرى أن قضية هذا الفريق هي "مشاركة حقيقيّة في السلطة، ومقاومة إسرائيل". اللافت أن عريجي، يرى أن انضمام التيار الوطني الحر لهذا الفريق لم يكن في صالحه "إضافةُ إسم كبير، كميشال عون، لم يُساعدنا أبداً. بل ساهم بعدم القدرة على بلورة هيكلية، أو مؤسسة".

لا يختلف رأي الأمين القطري لحزب البعث في لبنان، فايز شكر، عن رأي عريجي. لا بل إن شكر أكثر وضوحاً. في حديثه لـ"العربي الجديد"، ينتقد آلية اتخاذ القرارات داخل هذا الفريق، وهي محصورة بـ"بالثلاثي": "بري، وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، وعون". يُكرر شكر العبارة عينها: "للصراحة عندك قضيّة محقّة، لكن الأداء لم يكن بمستوى هذه القضيّة أو المرحلة". المشكلة الأساسيّة، برأي شُكر، أن أولويات حزب الله مختلفة عن أولويات الآخرين، "هو أولويته المقاومة وليس إدارة البلد. ولذلك هو يترك الأمر لحلفائه الذين فشلوا. حزب الله يتحمّل مسؤوليّة أيضاً". الترجمة العملية لهذا الكلام هي غياب وثيقة سياسية جامعة لهذا الفريق تشرح أي مستقبل يُريده للبلد.

يتّفق كثيرون في هذا الفريق على الرأي عينه لجهة الفشل في بناء هيكليّة واضحة، أو على الأقل جسم يستطيع التواصل بشكلٍ سليم في ما بينه. بقيت إدارة هذا الفريق مرتبطة بالكامل بحزب الله. حتى بري وعون، الشريكين في بعض القرارات السياسيّة، ليسا شريكين بإدارة هذا الفريق. وتذهب بعض الشخصيات السنيّة إلى القول إن حزب الله لا يُريد تقويتها، وإلا "ما المبرر لغياب الشخصيّة السنيّة عن الصورة التي كانت تجمع عون ونصر الله وبري في اللحظات المصيريّة".

ويلفت أحد المسؤولين في حزب ضمن 8 آذار، طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن طريقة إدارة حزب الله لهذا الفريق أقرب إلى "طريقة إدارة أبو عمار (الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات) للقوى اللبنانيّة المتحالفة معه في لبنان في فترة الحرب الأهليّة". ويشرح هذا السياسي، وهو عاصر المرحلتين، أن حزب الله وأبو عمّار، اعتمدا طريقة "تقديم مساعدة مالية لأي مجموعة تأتي إليهم، بغضّ النظر عن حجمها. وفي كثير من الأحيان تختلف هذه المجموعات الصغيرة فيما بينها، لتعود إلى المموّل كحَكَم. كما أن بعض هذه المجموعات يؤثّر سلباً على حليف قوي نسبياً". وهنا، يسأل هذا السياسي عن مبرّر دعم مجموعات صغيرة في طرابلس في الوقت الذي يتحالف فيه حزب الله مع الرئيس عمر كرامي.

يقول سياسي آخر، يُمثّل حزبه عادةً في لقاء "الأحزاب والقوى الوطنية والإسلاميّة"، وهو لقاء يجمع ممثلي قوى 8 آذار، إن حزب الله يُدير هذا الفريق مثلما يُدير لقاء الأحزاب، إذ "يصلنا البيان جاهزاً مع الحاج محمد قماطي (عضو المكتب السياسي في حزب الله)، ونستهلك الوقت بالسؤال عن أحوال بعضنا البعض، بدل خوض نقاش سياسي".

مرّ هذا الفريق بعدة محطات سياسيّة منذ تأليفه. المحطة الأولى كانت التحالف الرباعي (رغم أنه خماسي)، الذي ضمّ حينها حزب الله وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل والقوات اللبنانيّة، وذلك في أول انتخابات برلمانيّة جرت في صيف 2005 بعد أشهر من اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. وفي هذه الانتخابات "تخلى حزب الله عن كلّ حلفائه في طرابلس والبقاع وجبل لبنان، وحافظ فقط على حليفه الشيعي"، يقول أحد المسؤولين في حزب ضمن 8 آذار.

المحطة الثانية، كانت الاعتصام في وسط بيروت التجاري لأشهر، ضدّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، عامي 2007 و2008، والتي انتهت بصدامات، ما يُعرف بالسابع من مايو/ أيار 2008، عندما سيطر حزب الله وحلفائه على بيروت ومناطق لبنانية أخرى، وسقط عشرات القتلى في هذه الصدامات. يعتقد شكر، أن إدارة حزب الله لهذا الملف كانت سيئة، "كان يُمكن أن نخرج بنتيجة أفضل. بعد كل ما حصل، ذهب حزب الله إلى الدوحة، ليتّفق مع مَن نتهمهم بأنهم شركاء إسرائيل في حربها علينا في تموز/ يوليو 2006. أنا لا أتهم كل فريق 14 آذار بأنه شريك في هذه الحرب بل جزء منهم". برأيه أن حزب الله "فضّل منطق الشراكة". لكن، من وجهة نظره، "الشراكة بين مشروعين لا يلتقيان غير ممكنة. التحجج بأنهم ممثلين لطوائف أساسيّة غير منطقي"، وخصوصاً أن قانون الانتخابات الذي تم التوافق عليه في مؤتمر الدوحة، لم يُعطِ لحلفاء حزب الله الفرصة لخرق لوائح تيّار المستقبل.

يقول شكر علناً، ما يقوله كثيرون في الجلسات الخاصة. تكرّر الكلام عينه مع تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام منذ ثلاثة أسابيع. ارتفعت أصوات مختلف مكوّنات فريق الثامن من آذار تنتقد مشاركة حزب الله في الحكومة.

ويلفت سياسي شمالي إلى أن حزب الله "جلس مع تيار المستقبل بعد أحداث السابع من أيار في حكومة واحدة، لكن نصر الله اعتبر السابع من أيار يوماً مجيداً. هذا الأمر ساهم بإسقاط معظم حلفائه السنّة انتخابيّاً".

ويشرح النائب السابق جهاد الصمد الأمر بالتفصيل، إذ يُشير إلى "أننا كنا قادرين على خرق لوائح تيار المستقبل، عبر الرئيس كرامي وأنا. هذا ما كانت تُشير إليه الاحصائيات. فور استعمال نصر الله هذه العبارة تراجعنا كثيراً. وكأنه لم يُرد أن تُخرق لوائح سعد الحريري". حينها احتاج الأمر لزيارات كثيرة لثني كرامي عن قرار الانسحاب من الانتخابات اعتراضاً على خطاب نصر الله.

ثم قرّر هذا الفريق، إبعاد سعد الحريري عن الحكومة، فأسقطت حكومته عبر استقالة ثلث أعضائها، وأعلن ذلك من منزل ميشال عون، خلال اجتماع الحريري مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، في خطوة عُدّت غير مسبوقة في السياسة اللبنانيّة وذلك في يناير/ كانون الثاني 2011. شُنت حرب قوية ضد الحريري وفريقه السياسي. نزل لابسو القمصان السود إلى شوارع بيروت، فعدّل النائب وليد جنبلاط موقفه السياسي، ليتحالف مع حزب الله وتُشكّل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، والتي اعتُبرت حكومة حزب الله.

فشلت الحكومة في إدارة شؤون اللبنانيين في كثير من الملفات، من الأزمة السورية إلى الوضع الاقتصادي المتراجع، إلى البطالة وعدم القدرة على تعيين بدل الشواغر في الإدارة العامة (وصلت النسبة إلى 70 في المئة من المناصب العليا شاغرة). يُضاف إلى ذلك تردي الوضع الأمني، وأبرزها فشل إجراء الانتخابات النيابيّة. وفي عهد هذه الحكومة، دشّن لبنان عصر التفجيرات الانتحاريّة.

خلال عمر هذه الحكومة، أرسل حزب الله مقاتليه إلى سوريا لمساندة النظام في خطوة لم تُنسّق مع حلفائه، لكن أحداً لم يعترض عليها، بل شكّلت بعض الإحراج للنائب ميشال عون. تماماً مثل ملف المحكمة الخاصة بلبنان، التي وافق عليها حزب الله بداية، ثم حاول عرقلة مسارها ثم رفضها مطلقاً، لكن هذا الأمر لم يكن منسّقاً مع فريق 8 آذار.

سقطت هذه الحكومة بسبب رفض التمديد لأشرف ريفي كمدير عام لقوى الأمن الداخلي. سلّمت الحكومة رايتها لحكومة تمام سلام، التي عُيّن فيها ريفي وزيراً للعدل. تماماً، كما تمهّد هذه الحكومة لعودة الحريري الذي أُبعد منذ ثلاث سنوات، من منزل ميشال عون، الذي قال حينها: "قطعنا له One Way Ticket (بطاقة سفر باتجاه واحد فقط)". عون، اليوم، هو الذي يُدير الحوار مع الحريري.

بعد تسع سنوات، لا يبدو أن حال هذا الفريق جيدة، تماماً كحال فريق 14 آذار، تماماً كحال لبنان الذي عاش تسع سنوات تحت إدارة هذين الفريقين، إنْ متشاركين وإنْ متصارعين.

المساهمون