أعلنت قوى وحركات سياسية عراقية معارضة للعملية السياسية الحالية في البلاد، اليوم الأحد، ميثاقاً وطنياً قالت إنه يهدف إلى تجسيد الهوية الوطنية العراقية، وتأكيد المساواة بين مختلف أطياف العراق.
ونصّ الميثاق، الذي أُعلن في مدينة إسطنبول التركية وحمل عنوان "الميثاق الوطني العراقي"، على الالتزام بهوية موحدة للعراق، وأن يتساوى الجميع في المواطنة، والتمسك بوحدة العراق ورفض أي خطة ترمي إلى تقسيمه.
ووقعت على الميثاق قوى وعناوين عراقية مختلفة، أبرزها حركة التيار القومي العربي، وهيئة علماء المسلمين، والحزب الشيوعي العراقي - اتحاد الشعب، ومجلس عشائر الثورة العراقية، وهيئة العلاقات الدولية - بريطانيا، ومؤسسات المجتمع المدني، وتجمع الكفاءات الوطنية، وتكتل "المستقلون". كما وقعت شخصيات عراقية اجتماعية وقبلية ودينية، أبرزها الشيخ عبد الملك السعدي، وهو أحد أبرز رجال الدين العراقيين وناب عنه شقيقه عبد الحكيم السعدي.
ونص الميثاق على أن "العملية السياسية الحالية وما تمخض عنها من حكومات وسياسات، وما أفرزته من تشريعات وقوانين واتفاقات، وغير ذلك، جزء من مشروع الاحتلال الأميركي، وهي مسؤولة كالمحتل عما لحق بالعراق ويلحق به من تداعيات خطيرة وشائنة أضرّت به في شتى ميادين الحياة".
وأكد النظام السياسي في الميثاق أيضاً، "أحقية الشعب العراقي في اختيار حكومته بإرادته الحرة، والعمل على مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية".
واعتبر الميثاق الموقع أن الدستور الحالي "يفتقد الشرعية لكونه لا يمثل العقد الاجتماعي الجامع والموحد للعراقيين"، مشدداً على ضرورة "وضع دستور يحقق الهدف في إقامة نظام وطني سليم".
الميثاق نصّ أيضاً على "إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية وفق التقاليد الوطنية والحرفية"، وأيضاً إعطاء المرأة "فرصتها الكاملة للمشاركة في الحياة العامة"، بالإضافة إلى "صون حقوق الطفل بالشكل الذي ينسجم والاتفاقيات الدولية". وبحسب الميثاق، فإنه "يجب أن يتمتع المواطنون بالحقوق المُقرّة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
وأكد أن "مقاومة الاحتلال حق مشروع، ولا بد من الاعتراف بجهود المقاومة العراقية ودورها في التصدي لمشروع الاحتلال وإفشاله"، في إشارة إلى احتلال العراق عام 2003.
وفي ما يخص الإطار الإقليمي والدولي، عرّف الميثاق معنى الإرهاب، مبيناً أنه "كل عمل عدواني يستهدف حياة وممتلكات الأبرياء من جماعات وأفراد، ويثير لديها الرعب والخوف ويحطّ من مكانتها".
وشدد الميثاق على الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات التي تضمن حقوق العراقيين، وإقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار على أساس حسن الجوار، والعمل على إزالة آثار الاحتلال والمطالبة بحقوق الشعب العراقي وتعويضه عن أضرار الاحتلال، بالإضافة إلى تأكيده دعم جميع قضايا الأمة العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية.
ويمثل الميثاق المعلن اليوم تأكيداً على مواقف سابقة لقوى عراقية معارضة للاحتلال الأميركي للعراق، والعملية السياسية الحالية.
وقال عبد الحميد العاني، المسؤول الإعلامي في "هيئة علماء المسلمين" إحدى الجهات المشاركة في التوقيع على الميثاق، إن تفاؤلاً كبيراً تراه الجهات الموقعة على الميثاق بحصول تغيير في العراق.
وأضاف العاني في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من ينظر إلى الشارع العراقي يدرك أن نسبة الوعي عند العراقيين تتصاعد يوماً بعد آخر"، مشيراً إلى أن "الأمل أن الشعب هو من يقوم بالتغيير، لكن الشعب بحاجة لمن يقوده وينظم مسيرته".
ورأى المسؤول الإعلامي في "هيئة علماء المسلمين" أن "الميثاق وضع ثوابت للقوى الوطنية، وفي نفس الوقت وجه رسالة للعراقيين بأن هذا هو المسار الوطني الجامع الذي إذا سار عليه الجميع يكون فيه الخلاص"، مؤكداً أن "العراقيين ما زالوا يواجهون بالنار والحديد، وإلى الآن نسبة التظاهرات والرفض الشعبي لم تصل إلى مستوى التغيير". وشدد بالقول إنه "متى كان الرفض الشعبي يشمل الجميع كمّاً ونوعاً يكون الخلاص".
في جانب آخر، وجد العاني أن "القوى المتحكمة الآن تستمد قوتها لا من الشعب، بل من الخارج، وقد وضعت نفسها بمواجهة الشعب العراقي بما تعمله من نهب للثروات واضطهاد"، وهذا برأيه عامل آخر يساعد في تسريع رفع غضب الشعب الذي يتوقع أن يكون قريباً.
بدوره، قال الشيخ أحمد الغانم، أحد شيوخ عشائر جنوبي العراق، وقد وقع عن عشائر العراق العربية في جنوب العراق، إن "الوضع الراهن يسمح بظهور مشروع كهذا شامل لكل العراقيين"، في إشارة إلى الميثاق الوطني العراقي.
وأضاف أن "الشعب يعيش في مأزق، القتل والتهجير أخذا كثيراً من الشعب، الشعب يرى أن مليشيات هي من تتحكم بمصيره، وشاهد حصول تزوير كبير في الانتخابات".
إلى ذلك، لفت الغانم إلى أن "الشعب يرى أيضاً أن إيران هي اليوم التي تقرر مصير العراق"، مؤكداً "وجود وعي كبير للشعب خاصة في الجنوب، الآن سكان الجنوب يعيشون حالة غضب وثوران، والآن هم الذين يطالبون بالتغيير".
وأضاف: "أنا ابن الجنوب وأعيش في الجنوب، وأؤكد أنه عاماً بعد آخر يزداد الغضب الشعبي".
وكشف الغانم في حديثه لـ"العربي الجديد" بأنه "على اتصال مباشر مع زعماء العشائر، وجميعهم يريدون التغيير، لكن هناك قوة أكبر منهم حالياً، هناك عمليات قتل ولا يسمح لأي صوت وطني بأن يرتفع، وحين يتولد أي حراك وطني تجد جميعهم يصفّون إلى جانب التغيير".
من جهته، اعتبر المحلل السياسي بهجت الكردي الذي حضر توقيع الميثاق، إن "الجديد في هذا الميثاق مقارنة باتفاقيات لقوى وطنية سابقة، أنه تأكيد على أن استمرارية الرفض موجودة".
وتابع يقول: "غالبية العراقيين لم يشاركوا بالانتخابات، وهذا دليل على أن المنهج الذي تم التوقيع عليه اليوم هو الصحيح"، مشيراً إلى أن "الأحزاب السياسية التي رافقت الاحتلال في مأزق كبير ويعيشون وسط فساد وسرقات، وهذا ينمّ عن أن المشروع الذي تم التوقيع عليه ليس سهلاً".
وشدد بالقول: "توحيد كلمة ضمن ميثاق وطني عملية صعبة وغير سهلة، وخاصة أن الخصوم هم الذين يمتلكون المال والسلطة، واليوم أرى الوضع داخل العراق أكثر استعداداً لتقبل هذه الرسالة".