قوسايا... قاعدة إسناد للنظام السوري في الأراضي اللبنانية

قوسايا... قاعدة إسناد للنظام السوري في الأراضي اللبنانية

26 اغسطس 2019
تتخذ "الجبهة" من جرود قوسايا معسكراً لها(جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
عند السلسلة الشرقية من جبال لبنان الحدودية بين لبنان وسورية، تقع منطقة قوسايا، التي عاد اسمها اليوم إلى الصدارة بعدما هزتها، منتصف ليل الأحد الاثنين، انفجارات تبين أنها ناجمة عن 3 غارات نفذها الاحتلال الإسرائيلي، واستهدفت مواقع عسكرية لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة"، بقيادة أحمد جبريل.

وتتخذ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين– القيادة العامة" من جرود المنطقة مركزاً ومعسكراً لها، ذا طبيعة استراتيجية، للبنان، ولسورية، ويشرف على كيلومترات عدة في الداخل اللبناني، وكذلك السوري. تدرك الجبهة أهميته، وكذلك الحليف والراعي السوري.

في العام 2005، وتحديداً بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، فتح ملف قوسايا، ومعه ملف الناعمة، حيث المعسكر الثاني للجبهة، تحت عنوان السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. 

اعتبر يومها أن الانسحاب السوري من لبنان كان منتقصاً في ظل وجود هذين المخيمين، وما يحويانه من عتاد ثقيل، ومدافع، وراجمات، وغيره. 

دوّن ذلك بوضوح في تقرير الأمم المتحدة المتعلق بالقرار الدولي رقم 1559، والمخصص للانسحاب السوري من لبنان وسحب سلاح ما يسميه المليشيات اللبنانية، على الرغم من أن الموفد الخاص للأمم المتحدة تيري رود لارسن جوبه يوماً عندما حاول زيارة قوسايا بإطلاق نار.

لاحقاً، أقرّت طاولة الحوار اللبناني، والتي ضمت قيادات الصف الأول في لبنان، بند سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وعلى الرغم من دعم السلطة الفلسطينية، وتأييدها لهذا الطلب اللبناني، إلا أن سلاح قوسايا والناعمة بقي حاضراً.

يعود تاريخ قوسايا إلى تاريخ بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، وما قبلها. يومها شكل البقاع الغربي والأوسط أرضية مناسبة للتنظيمات الفلسطينية التي نشطت في المنطقة على اختلاف مشاربها، حتى انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، باستثناء بعض التنظيمات المحسوبة على سورية، وتحديداً "الجبهة الشعبية" و"فتح الانتفاضة".

للمنطقة المحاذية للحدود اللبنانية – السورية أهمية استراتيجية للنظام السوري، خصوصاً أن المنطقة تحتوي على المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين عند نقطة المصنع – العبودية، وكذلك على الطريق الدولية الرابطة بين بيروت ودمشق، والأهم تقع دمشق خلف هذه المنطقة مباشرة، ولطالما شكلت عامل قلق لسورية، التي تعتبر أنها ممر لأي عدوان قد يطاولها، وهو القلق الذي يعود إلى بدايات الصراع العربي – الإسرائيلي.

لهذا رفضت سورية لاحقاً عبر "الجبهة الشعبية" كل دعوات تسليم السلاح، وإخلاء قوسايا. 

عملياً، بعد الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005، تراجع حضور "الجبهة الشعبية" ومعه "فتح الانتفاضة" من البقاع الغربي، وتم حصره في مواقع قوسايا، التي تحصن فيها المقاتلون، بين وديانها وتلالها، وأيضاً بين أنفاقها، إذ بات معلوماً في الداخل اللبناني أن المنطقة تضم أنفاقاً لا يعلم تحديداً متى تم حفرها، وتربط بين لبنان وسورية، وهي الأنفاق التي تحدثت إسرائيل مراراً عن استخدامها من قبل "حزب الله" لتهريب السلاح من سورية إلى لبنان.

خلال الثورة السورية، تحولت قوسايا إلى أداة للنظام لضرب أهداف المعارضة السورية. قيل إنها كانت منطلقاً لقصف متكرر لأهداف في العمق السوري، في منطقة القلمون، وشكلت مركزاً ومنطلقاً لمقاتلي الجبهة، وكذلك لمقاتلي "حزب الله"، في المعارك التي جرى خوضها هناك.

لطالما اعتبر النظام السوري "الجبهة الشعبية" وأحمد جبريل، الذي أسسها في نهايات الستينيات من القرن المنصرم، لواء سورياً بكل ما للكلمة من معنى. خلال الحرب الأهلية كانت الجبهة وجبريل أداة تنفيذية في يد النظام السوري استخدمت مراراً، في مرحلة كانت العلاقة فيها مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مضطربة، وشارك أيضاً في أبرز المعارك التي خيضت في لبنان، ومنها معركة الفنادق الشهيرة في العام 1976 في العاصمة بيروت.

يوصف جبريل بأنه ابن النظام السوري، خصوصاً أنه من الرعيل الأول الذي عاصر صعود حافظ الأسد، وتدخله في لبنان، ولاحقاً مرحلة بشار الأسد، والانسحاب من لبنان، وصولاً إلى الثورة السورية.

أقام جبريل في دمشق فترات طويلة، خصوصاً أنه يحمل الجنسية السورية، وأسندت إليه في كل تلك المرحلة أدوار مهمة، نجح من خلالها في التحول إلى الحليف الأول فلسطينياً لنظام الأسد.

خلال الثورة السورية لعب جبريل وجبهته أدواراً رئيسية، ليس فقط انطلاقاً من قوسايا في منطقة القلمون السورية، بل أيضاً في العمق السوري، وتحديداً في مخيم اليرموك الذي أسندت إليه فيه أدوار رئيسية، فشارك في تهجير أهله وتدميره من الداخل.

في منطقة البقاع الأوسط والغربي، يسود القلق الدائم من وجود الجبهة، ونشاطها في قوسايا. لطالما رددت فعاليات المنطقة ذات الأغلبية السنية والمسيحية دعواتها إلى سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتحديداً في قوسايا، إلا أن هذه الدعوات لا تلقى أية آذانا صاغية.

يقول أحد السياسيين الناشطين في المنطقة إن النظام السوري لا يمكن أن يتخلى عن قوسايا، التي يعتبرها منطقة استراتيجية له، والتخلي عنها بالحد الأدنى يتطلب ضمانات أمنية لا يمكن للبنان تقديمها، وهي تعود إلى مرحلة الحضور السوري في لبنان، وتحديداً في البقاع، حيث حقق هذا الحضور توازناً استراتيجياً مع إسرائيل في مرحلة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني. واليوم بات هذا الموقع في قوسايا أشبه بنقطة مراقبة سورية لن تتخلى عنها، إضافة طبعاً إلى الدور الذي يلعبه "حزب الله" الذي استخدم هذه المنطقة خلال الحرب في سورية، إن كان كمنصة انطلاق أو لأنشطة التهريب.