قوة الشباب الافتراضية

قوة الشباب الافتراضية

25 يونيو 2015
هل الإعلام الجديد وحده كافٍ ليوصل صوت الشباب؟ (Getty)
+ الخط -
يعتبر الشباب من أهم شرائح المجتمع كونه يلعب دوراً أساسياً في تجديد بناء الأمة واستمراريتها وبعث نهضتها. فالمجتمع الذي يتكون من نسبة شباب مرتفعة يكون قوياً نظرا لتوفره على طاقة كبيرة تحركه، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "نصرت بالشباب" في تأكيد منه على أهمية الشباب في تحريك المجتمع وتنميته. فالشباب هم قادة المستقبل بقوة آرائهم ونضجهم الفكري المقرون بالطاقة التي تدفع عجلة التنمية إلى الأمام، وهم عماد الدول وسر النهضة فيها وهم مرآة حضارتها وخط الدفاع الأول والأخير عنها.

فمن خلال الشباب يسهل طرح الأفكار واستحداث التجارب كونهم ركيزة كل تغيير، والحرية والحق في التعبير هي الحقوق الأكثر طلبا من الشباب لينطلقوا منها نحو فضاء آخر من الحقوق الأخرى كالمطالبة بالمشاركة السياسية والشراكة المجتمعية وحق العدالة بما يفضي إلى اتخاذ القرار وديمقراطية العلاقة بين الفئات المختلفة والحاكم والمحكوم.


فحرية التعبير هي النقطة الفاصلة لخلق حراك اجتماعي وخلق رأي عام وتغيير اتجاهات الناس في كل القضايا، فالمسؤولون على رأس كل دولة واعون بقوة وتأثير الشباب ومدركون دورهم المهم في تغيير السياسات والتأثير على الرأي العام، ومن هنا نجد أن الدول الغربية تدعم الشباب وتستثمر طاقتهم وقوتهم بشكل يفيد الدولة ويعود بنتائج إيجابية على كل أطياف المجتمع، لكن في الدول العربية نجد العكس تماما بحيث إنها تسعى لقمع حرية التعبير عند الشباب للحد من طاقتهم ورغبتهم في تغيير السياسات للأفضل.

فمنذ سنوات طويلة عانت فئة الشباب من التهميش والعزل السياسي وقمع حرية التعبير في الدول العربية، وخاصة في الأنظمة الشمولية بحيث لم نكن نسمع صوت الشباب ولا نعرف آراءهم ولا تحليلاتهم لما يجري في الساحة السياسية والاجتماعية لبلدانهم، فقد مرت عدة قضايا في الساحة العربية لكن لم نلمس تدخل الشباب وتأثيره في الرأي العام، إلا بعض الاستثناءات البسيطة جدا نجد فيها الشاب يناقش موضوعاً مجتمعياً على هذه الوسائل باستعمال لغة الخشب.

فالإعلام التقليدي كان يقتصر على فئة معينة من رجالات الدولة، وكان من الصعب أن يسمح للشباب بالتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم عبر الإعلام التقليدي خصوصا العمومي، خوفا من تأثير الشباب على نهج الدولة وسياستها.

ولم تكتف هذه الأنظمة بالإعلام بل حطت رقابتها على دور النشر أيضا وكل الأنشطة الثقافية التقليدية. ولا ننكر أن الأنظمة العربية نجحت في احتكار الإعلام لعقود طويلة، لكن تناست الأنظمة الشمولية أن الضغط يولد الانفجار، فمن الصحيح أن الإعلام التقليدي الموجه، الذي تؤثر فيه الدولة العميقة، كان ناجحا في الخداع وإسكات أصوات التغيير وخدمة مصالح كبار الدولة، لكن تأثيره محدود وقصير الأجل، ويثير غضب الشعب ضد من يهيمن عليه.

وقد تزامن بلوغ هذا الضغط ذروته مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي شكلت "فتحاً تاريخيا'' في نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة، وقد ذكرت شبكة "فيسبوك" العالمية أن هناك أكثر من 1.2 مليار نسمة يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة للتواصل في نقل الأحداث والنشر والإعلام والتسويق، من بينهم 81 في المائة شباب.

وقد أعطى لمستخدميه فرص كبيرة في التأثير على الرأي العام والانتقال عبر الحدود برقابة نسبية، فبعدما كانت شبكات التواصل الاجتماعي تستخدم للدردشة والتعارف وتفريغ الشحن العاطفية، أصبحت مكاناً لتبادل وجهات النظر، من أجل المطالبة بتحسين إيقاع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أي تحول الشباب من مجرد متابعين ومناصرين إلى فاعلين ومؤثرين، وقادة رأي ومحركين لمجريات الأمور من خلال طرحهم وتناولهم للقضايا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت صفحاتهم منابر تنويرية أهم من القنوات الفضائية التي تخدم أهداف مالكيها وكبار المسؤولين وسياساتهم ومصالحهم.

وأثبت الشباب قدرته على التعبير في الفضاءات الافتراضية منذ سنة 2010 حيث كان انطلاق حركات الرفض الشبابية التي انتظمت في تونس مروراً بمصر واليمن وليبيا والبحرين والأردن والمغرب. وتخطت تلك الأفكار الرافضة للسياسات بسهولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي الوطن العربي.

لكن يبقى السؤال المطروح هل الإعلام الجديد وحده كاف ليوصل صوت الشباب؟

ربما يكون الإعلام الجديد غير كاف، لكنه فرض وجوده وسد مجموعة من الثغر التي خلفها الإعلام المسيّس. وقد رأى بعض الإعلاميين أن أدوات التواصل الاجتماعي تجاوزت افتراضيتها وأصبحت مصدراً لمعلومات الإعلام الرسمي أو التقليدي نظراً لسرعة نقل هذه المعلومات وغرابتها وإثارتها. وأعاد تشكيل خارطة العمل الاتصالي في المجتمعات المعاصرة بما يحمله من خصائص عالمية في سرعة الانتشار والتفاعل وتعدد الوسائط وقلة التكاليف.

هذه النقلة النوعية التي حققها الشباب في مجال حرية التعبير، حقق فيها خدمة إيجابية، لكنها أيضا أثرت عليه سلبا. فلم تكن تدري هذه الفئة العمرية أن نشاطها الإلكتروني ونجاحها في العالم الافتراضي الذي عكسته إيجابا على العالم الواقعي سيكون محل طمع وتربص جهات متطرفة. فداعش مثلا كثفت نشاطها في الشبكة العنكبوتية لاستقطاب شباب من مختلف بلدان العالم وشحنتهم وجندتهم لخدمة أجنداتها. لهذا يجب على الخبراء في هذا المجال أن يؤطروا قوة ونشاط الشباب لكي لا تُستغل سلبا.

(المغرب)

المساهمون