قناة السويس بين الحمار والأسد

قناة السويس بين الحمار والأسد

05 اغسطس 2015
مشروع قناة السويس هو لمصر وليس للنظام (فرانس برس)
+ الخط -
مما رُوي في كليلة ودمنة، أن أسدا كاد أن يأكل ثعلباً، فطلب الأخير من ملك الغابة أن يمنحه فرصة أن يوفر له فريسة أخرى وينجو هو بحياته، فوافق. وانطلق الثعلب مسرعا إلى الحمار وأخبره أن الأسد يريد أن يتنازل له عن مُلك الغابة، فاقتنع الحمار وراح يرسم في مخيلته هيئته الجديدة وكرسي العرش والحيوانات من حوله تسبح بحمده وتقوم على خدمته، فذلك رغد لم يعهده في حياته ولم يسمع به في تاريخ أجداده، وما أن وصل إلى الأسد حتى أتم الأخير المهمة بنجاح.
ندرك أن مشروع قناة السويس هو لمصر وليس للنظام، ولكن أن يغسل النظام جرائمه بمياه التفريعة الجديدة، فيما يتعلق بقتل المدنيين وجملة الاعتقالات التي طاولت ما يربو على 80 ألف شخص تتفنن إدارات السجون في تعذيبهم وقتلهم بالبطيء، فتلك خديعة لا ينزلق إلى شرَكها إلا المغفلون.
وألا تكلف نفسك عناء البحث عن الجدوى الاقتصادية لمشروع من المفترض أنه ضخم، وتسخر يديك للتصفيق وعقلك لتبرير ما ليس لك به علم، لمجرد أن الإعلام الذي تثق فيه يُغني للمشروع، فاعلم أن مهمتك الأساسية وأمثالك هي تدوير تروس أمعاء الأسد كلما جاع ووهن، فتلك أعراض لا يستقيم معها المُلك.
أن تقتنع بأن النظام العسكري الذي تسلم مصر من عهد ملكي مزدهر وألقى بها إلى دركات متقدمة في قوائم الفقر والبطالة والتشرد والبؤس، سيدر بمشروعه الجديد عليك ومن معك المليارات التي تُغْني حاجتكم وتسد أفواه أطفالكم وتستر ما بكم من عورات كشفتها ألبستكم المرقعة، فأنت بذلك تتقمص هيئة لن تكون لك في عهد الأسد، وتسمح لمخيلتك أن تضعك في مقام أنت لست أهلا له لأن ولي أمرك يراك في مكان أكثر ملاءمة لكليكما.
ألا تتوقف عند التصريحات المتناقضة لمسؤولي الحكومة بشأن الإيرادات المتوقعة للمشروع الجديد، فذاك أمر يدعو للرثاء لحالك، ولن أطيل عليك في هذه، فيكفي فقط أن أذكّرك بتصريحات رئيس هيئة قناة السويس عن أرباح تفوق مائة مليار دولار سنويا، ثم تصريحات الرجل نفسه بعد مرور 8 أشهر، أن المشروع سيدر بحدود 13 مليار دولار سنويا بحلول 2023. أما وزارة التخطيط فكان لها رأي آخر، فقد قدرت زيادة إيرادات القناة خلال العام المالي الذي بدأ في يوليو 2015 وينتهي في 30 يونيو 2016، بحدود مائة مليون دولار فقط! وأزيدك أن وزارة التخطيط تتوقع تراجع أعداد السفن المارة بالقناة في تلك الفترة بواقع 940 سفينة، رغم وعود حكومية سابقة بأن أسراب ناقلات التجارة الدولية ستشق المحيطات إلى مصر بمجرد افتتاح التفريعة الجديدة.
سذاجتك في عدم التفريق بين ما هو استراتيجي ونافع لمصر، وبين ما صُنع لأغراض الترويج السياسي تحجز لك موقعا متقدما بين حمير الغابة، الذين يساهمون في بقاء الملك على حساب أرواحهم.
صفّق بقوة، واحفر خطين أسفل عينيك لتجري فيهما دموع فرحة الافتتاح يوم الزينة، واكتب تعليقا على صفحاتك بمواقع التواصل يشرح فخرك واعتزازك بالشعب الذي يصنع المعجزات، ثم أغلق عينيك ولا تقاوم أحلام المُلك الموعود.

اقرأ أيضا: حكومة مصر تتراجع عن توقعاتها بشأن إيرادات قناة السويس