قمصان شباب تونس وسيلة للاحتجاج
مريم الناصري ــ تونس
لاقت هذه القمصان رواجاً كبيراً (العربي الجديد)

يرفع الآلاف من الشباب التونسيين اليوم شعاراتهم على قمصان باللهجة العامية. شعارات مختلفة تعبّر عن عدم التراجع والتمسك بالمطالب، وقد اختاروا من خلالها التخاطب والنقد.

"الرخ لا"، "مايتعداش"، "مواصلين"، "سيب صالح"، و"مانيش مسامح". هذه بعض العبارات التي لا تقرأ يومياً على جدران المدينة أو صفحات "فيسبوك" فحسب، إنّما أيضاً على قمصان مئات الشباب التونسيين ممن اختاروا الاحتجاج عبر الكتابة على قمصانهم كوسيلة للتعبير عن رفضهم لقرار أو قانون، أو للمطالبة بتحقيق مطلب ما.

كثيراً ما يستوقف الناس في الشارع شباب يرتدون قمصاناً تحمل شعارات بـاللهجة العامية التونسية. وقد أصبح الأمر يستقطب آلاف المهتمين من الشباب الباحثين عن التعبير عن ذاتهم، ليمثل الأمر بالنسبة لهم أسلوباً في التخاطب والنقد.

وارتداء قمصان تحمل تلك الشعارات أصبح وسيلةً ترى فئة كبيرة من الشباب أنّها أكثر فاعلية لنشر الوعي لدى فئة أكبر من الناس، والتأكيد على تمسكهم بتحقيق مطالبهم. ففي الوقت الذي يئس فيه عدد كبير من الشباب التونسي من إمكانية تغيير الواقع، واقتنع بفشل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، فإنّ فئة أخرى من الشباب اختارت مواصلة النضال وبقيت تؤمن بأنّ المسار الثوري ما زال متواصلاً، وأنّ تحقيق أهداف الثورة ليس مستحيلاً، ولا بد من نشر الوعي لدى بقية فئات الشباب وكل جهات البلاد، كما يشير الشاب حمزة العبيدي.




بعض تلك الشعارات حملت معانٍ رافضة وأخرى منددة، فيما دلّت شعارات أخرى على عدم التراجع والإصرار على مطلب محدد. شعار "مانيش مسامح" رفع للاحتجاج على قانون المصالحة منذ أكثر من سنة، واستخدمه الشباب المنظم لحملة مانيش مسامح على قمصانهم خلال كل تحركاتهم الاحتجاجية. وقد انتشر الشعار على قمصان عشرات الشباب الذين باتوا رافضين لهذا القانون.

يشير الشاب محمد الرابعي (27 سنة)، إلى أنّ "الشباب التونسي واصل بعد الثورة وفي مرحلة أولى النضال عبر النزول إلى الشارع لنشر أفكاره والدفاع عن قضاياه، والمطالبة بحقه في التنمية والتشغيل. كما واصل النضال عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتبني كل القضايا التي تهم أكبر فئة من الشباب على غرار الشغل والكرامة، وعبر مهاجمة المواقع الحكومية وقرصنتها احتجاجاً على قرار أو موقف. فيما اعتمدت فئة أخرى الغناء للتعبير عن قضية أو نقد الحكومات والواقع المعيشي. لكن اليوم اختارت فئة أخرى التعبير عن مواقفها عبر ارتداء قمصان تحمل شعارات منددة ورافضة أو مطالبة بتحقيق أمر ما".

يضيف أنّ ذلك من شأنه أن ينشر الوعي لدى فئة أكبر من الناس. ويتابع: "حين أكون في الشارع يسألني البعض ماذا يعني "ما يتعداش" (لن يمرّ) مثلاً. عند إجابتي على السؤال وتفسير الشعار وما يعنيه، فإننا نخوض بعض النقاشات حول القانون الذي نرفضه. الشعار يدفع الناس إلى الفضول لمعرفة معناه وتفسيره، يعني نشر الوعي لدى البعض ممن ما زالوا لا يفهمون الجدل القائم حول قانون المصالحة".

"الرخ لا"، شعار آخر رفع منذ سنة في منطقة بن قردان، جنوب البلاد التونسية، عند اعتصام أهالي المنطقة للمطالبة بالتشغيل والتنمية. اليوم يعترضك الشعار نفسه أينما حللت في جنوب تونس، وتحديداً في شوارع تطاوين وقبلي وبعض المناطق الجنوبية الأخرى، وفي كل مكان فيها. شعار بات رمزاً لاحتجاجات سكان هذه الجهات الداخلية للمطالبة بحقهم في الثروات الطبيعية الموجودة في منطقتهم التي عانت التهميش على مرّ السنين رغم ما تمتلكه من ثروات هائلة، بحسب ما يؤكد سكانها.



وقد أكد شباب المنطقة عبر تلك الاحتجاجات وجود نهب كبير لثروات البلاد من بترول وفوسفات، مطالبين الحكومة بنشر العقود التي تربط تونس بالشركات الدولية التي تستغل آبار النفط والغاز الطبيعي التونسية ومقاطع الملح، ومصارحة عموم الشعب بتفاصيل هذا الملف.
شعار "الرخ لا"، الذي يعني لا تراجع، ارتبط بشكل كبير باحتجاجات الجنوب التونسي، لينتشر الشعار حيث بات يرفع في كل الاحتجاجات التي يخوضها الشباب في كامل البلاد. وتوسّع انتشار الشعار في ما بعد أكثر لدى فئة كبيرة من الشباب التي باتت تستعمله على قمصانها للتعبير عن عدم التراجع ومواصلة المطالب مهما كان نوعها.

حميد فالحي، أحد باعة الملابس الجاهزة، عمد إلى طبع بعض تلك الشعارات على عدد من القمصان التي يبيعها. وقد لاقت هذه القمصان رواجاً كبيراً خلال المدّة الأخيرة خاصة لدى الشباب، كما يقول. يشير فالحي إلى أنّ عدداً كبيراً من الشباب يطلبون منه طبع أغلب الشعارات التي باتت ترفع في الاحتجاجات، وقد حقق له هذا الأمر أرباحاً كبيرة. لكن أخيراً صودرت بعض بضاعته من قبل شرطة البلدية بحجة أنّها تحمل شعارات تبث الفوضى والبلبلة وتهدد السلم العام.

يذكر أنّ فرق المراقبة الاقتصادية قامت في مايو/ أيار الماضي بالتعاون مع الشرطة البلدية بالكاف، شمال تونس، بحجز كميات من القمصان، كتبت عليها "عبارات منافية للحياء وتمس النظام العام". وقامت بتحرير محاضر مخالفات اقتصادية ضد التجار الذين قاموا ببيعها بالسوق الأسبوعية لإحالتها على القضاء. فيما حجزت الشرطة البلدية في مناطق متفرقة من البلاد أكثر من 500 قميص تحمل شعارات وعبارات "تحرّض على العنف والتخريب".