Skip to main content
قلقٌ أميركي من تداعيات "تقرير التعذيب"
منير الماوري ــ واشنطن

تتفاعل مسألة نشر ملخّص تقرير يتعلّق بعمليات التعذيب التي ارتكبها أفراد في الجيش الأميركي، أيام الرئيس السابق جورج بوش، في الكونغرس. ولأهمية الملف وارتداداته المحلية والدولية، طلب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يوم الجمعة الماضي، من زميلته سابقاً في مجلس الشيوخ، رئيسة لجنة الاستخبارات السيناتور الديمقراطية، ديان فاينشتاين، التأني في نشر ملخّص التقرير، الذي تمّ وصفه بـ"الصادم جداً"، وفقاً لمصادر إعلامية أميركية متعددة. وأشارت مصادر مطلعة، إلى أن "كيري كشف خلال الاتصال بأن حلفاء لأميركا في المنطقة العربية، أعربوا عن قلقهم من أن يؤدي نزع صفة السرية عن التقرير إلى ردود فعل غاضبة في الشارع الإسلامي، بحكم أن ضحايا التعذيب الوحشي في عهد بوش، هم عرب أو مسلمون أو عرب مسلمون". وفي السياق، أكد مصدر في الخارجية الأميركية، لـ"العربي الجديد"، أن "الخارجية أوعزت للسفارات الأميركية في المنطقة باتخاذ المزيد من إجراءات الحيطة والحذر، تحسباً من أية ردود فعل غير متوقعة على مضمون التقرير"، مما يوحي بأن "التقرير قد يهز المجتمع الأميركي ويسبب المزيد من الصداع للسياسة الخارجية الأميركية". ولم يُعرف على وجه التحديد مصدر النصائح العربية، التي تلقاها كيري، ولكن اتصاله بفاينشتاين، تزامن مع وجود وفد أردني كبير في واشنطن، برئاسة الملك عبدالله الثاني، الذي التقى بالرئيس، باراك أوباما، في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، يوم الجمعة.

وتفيد المصادر الأميركية بأن "كيري لم يعارض نشر التقريرالبالغ حجمه أكثر من 6000 ، ولكنه اقترح اختيار توقيت آخر، باعتبار أن الأجواء في المنطقة العربية حالياً غير ملائمة لصب المزيد من الزيت على النار". وحذّر من أن "حياة الدبلوماسيين الأميركيين والمواطنين الأميركيين في المنطقة قد تتعرض للمزيد من الخطر بسبب ما قد يكشف في التقرير من فظائع التعذيب".

وكانت اللجنة قد صوّتت من أجل السماح بكشف فظائع التعذيب، في جلسة مغلقة في ديسمبر/كانون الأول عام 2012. وقبل منتصف العام الماضي، أقرّت نزع السرية جزئياً عن التقرير، بعد شطب معلومات توصف بأنها "ذات طابع أمني"، مثل الأسماء الحركية لعملاء وكالة الاستخبارات الأميركية، والدول التي تعاونت مع واشنطن في برنامج التعذيب الوحشي.
ويعتقد بعض الحلفاء العرب أن "أماكن التعذيب والدول التي جرى فيها تعذيب السجناء، يمكن استنتاجها من السياق أو تخمينها، الأمر الذي قد يضاعف المخاطر على هؤلاء الحلفاء"، حسب بعض المصادر في الخارجية الأميركية.

ولا توجد دوافع سياسية، على ما يبدو، لدى الديمقراطيين للإضرار بالحزب الجمهوري، باعتبار أن بوش كان ينتمي إلى الجمهوريين، غير أن ميول أوباما وكيري الليبرالية المؤيدة للكشف عن أكبر ما يمكن من معلومات للجمهور، بغضّ النظر عن محتواها، يطغى على ما عداه في الاعتبارات التي حكمت النشر. وبما أن العرف السائد بين الإدارات، السابقة واللاحقة، في الولايات المتحدة، يحتم على كل رئيس احترام أسرار من سبقه وعدم تشويه الإدارات السابقة بشكل متعمد، فإن أوباما حاول عدم إظهار تبنّي البيت الأبيض جهود نزع السرية، ولا أن يصدر القرار عنه، بل كان شرطه الوحيد، أن يأتي القرار من الكونغرس وليس من البيت الأبيض.

ورغم طول الانتظار فإن البيت الأبيض أدّى دوراً في عرقلة النشر بسبب إصراره على حجب صفحات معينة من التقرير. ويغطي التقرير، الذي كان خلاصة تحقيق طويل، الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2009. وقد تقرر نزع السرية عنه إثر تحقيق بدأ في 2009 ولم ينته إلا في 2012 ويتضمن تفاصيل عن أساليب "الاستجواب العنيف" من قبل الاستخبارات الأميركية، ضد سجناء اعتقلوا خلال الحروب التي تلت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي تمخضت عن اعتقال آلاف الأشخاص من مختلف أنحاء العالم. واستخدمت سجون عربية وغير عربية، كأماكن للاعتقال تديرها الاستخبارات الأميركية، لأن القانون الأميركي يمنعها من فتح سجون داخل الأراضي الأميركية. وتشمل تقنيات "الاستجواب العنيف"، التي اعتمدتها الاستخبارات الأميركية، الإيهام بالغرق والحرمان من النوم لأيام طويلة.