قلعة نزوى.. حكايات السحر والعلماء والاستعمار

قلعة نزوى.. حكايات السحر والعلماء والاستعمار

10 مارس 2015
نزوى معلم سياحي وتاريخي يحتاج إلى عناية أكبر(العربي الجديد)
+ الخط -

تبعُد قلعة نَزوى في الولاية المُسماة باسمها عن العاصمة العُمانية مسقط 140 كيلومتراً. وعبر هذه المسافة، لا يشعر المرء بأي مللّ، لأن الرؤية البصرية تمتلأ بالأشجار والبقع الخضراء والقرى المتناثرة في أحضان الجبال.

ولا تزال قلعة نزوى تحمل آثار عاصمة قديمة. شيّدها الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي عام 1650 والذي اشتهر بطرده الغزاة البرتغاليين من عُمان، استغرق بناؤها اثني عشر عاماً. وكان حاكم نزوى وأهله ومستشاروه يتزودون في مقرهم المحصّن بحاجتهم من المياه المتدفقة من 12 بئراً حُفرت في الأرجاء. تميّزت بمقاومتها عبر العصور. و"فالج دارس" يُعتبر من أكبر الأفلاج في عُمان، نظام فريد لري المزارع حافظت عليه نزوى منذ قديم الزمان.

صعدنا إلى سطح البرج عن طريق سلم ضيق على شكل حرف الحاء مع أبواب في كل منعطف تطل منها فتحات وكوى دفاعية، لإلقاء القذائف من مدافعها التي تحمل حروفا عربية، شُرع في استخدامها منذ عهد الحروب التي خاضها أهل البلد ضد البرتغاليين. إن من قام بصياغة هذا المعمار يتمتع بذكاء عسكري في التصميم إذ تّم بناء سلالم من أجل القبض على الدخلاء الفالتين من قبضة الحراس، وهي عبارة عن فخاخ مختفية وراء كل باب من الأبواب السبعة القوية تُسمى "مساقط الماء والزيت والدبس الحار" لألقاء القذائف منها على المهاجمين أو الاعداء.


ورغم ما يحيط بهذه المدينة من قلاع وأبراج وحصون وجبال، فهي بأمس الحاجة إلى هذه القلعة الكبيرة للدفاع عن نفسها وساكنيها. وكان ضامنة لتسيير التجارة من وإلى عُمان. وعندما يصعد المرء تلك الطوابق التي تتكون منها القلعة، يرى واحات من النخيل تمتد على مد النظر.
وفي داخل القلعة توجد حياة كاملة، تم ترتيبها لكي تصبح غرفها صالات لعرض تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها السكان آنذاك: السجن القديم، مخازن التمور، والآبار ودورات المياه، والحرف العُمانية المتنوعة والمصوغات الذهبية والفضيّة والنحاس والنيلة والأقفال والمفاتيح والسعفيات وورش الحرف والأدوات والجرار والخوابي التي تُصنع محلياً لحد الآن، وغيرها.

وأصبحت القلعة، علامة من علامات المدينة، وتلقي بظلالها على أرجاء المدينة، تسحر الناظرين بروعة هندستها المعمارية الفريدة، وعندما يدلف الزائر إلى داخلها، يكتشف حياة كاملة، ويجعل عبور بوابتها الخشبية الكبيرة، المرصّعة بالنقوش، المرء يودع الأسواق الشعبية المحيطة وواحات النخيل وفلاج الماء وأنواع المصنوعات الحرفية المحلية. ولعل ما يوجد فيها من غرف وممرات وحجرات وآبار ونوافذ يجعل منها مدينة مرتبطة بالسحر، أو كما يقول العُمانيون إنها قلعة مسحورة تعود إلى المخيلة الشعبية التي ما أنفكّت تنسج الحكايات والقصص والغرائب عنها، لكنها في الوقت نفسه، مدينة تحيل هذه الحكايات إلى خرافات من خلال شهرة علمائها وفقهائها ومؤرخيها عبر العصور.


وفي النهاية إنها مدينة تلتف حول القلعة، مركز جذب للبيئة المحيطة، إذ يوجد أمام مدخل الحصن عريش من سعف النخيل، وهو مقهى مفتوح في الهواء الطلق، ويقدم القهوة العُمانية على الطريقة التقليدية. ويوجد خلف المقهى والعريش مبنى متناسق تقود إلى ورش الحرفيين. وتُصنع هنا الحلوى العُمانية في مرجل نحاسي كبير يملأ الساحة بالرائحة القوية للهيل وماء الورد والزعفران واللوز. ويمكن مشاهدة الصائغين والصفّارين في عملهم وانهماكهم بصناعة أدوات جميلة. ويطل على الساحة الداخلية محل معرض التراث العُماني الذي يزخرفه بذوق رفيع أثاث قديم الطراز. وهنا يمكن شراء المنتوجات الفضية والنحاسية والفخار والسعفيات والمنسوجات والمجوهرات الآتية من أرجاء سلطنة عُمان.

ومما لا شك فيه أن مدينة نزوى تعيش حياة طبيعية شأنها شأن المدن الأخرى، لكنها لا تعيش حالتها كمنطقة سياحية، وحتى اليوم لا يوجد سوى مطعمين فيها، وتفتقر إلى البنية التحتية التي تؤهلها لأن تكون مدينة سياحية ثقافية من الطراز الأول لأنها تمتلك كل المقومات. ولا تزال الأشغال في الطرقات والمسالك قائمة لحد الآن. وما يبعث الطمأنينة في القلب انتشار البيوت القديمة والحارات العريقة، وسط أشجار النخيل، ما يجعل المدينة مثل وردة كبيرة، تتألف من الكأس والتويج والطلع والمتاع: أي البيوت، والأسواق والطرقات والفضاء، ويمكن تقشيرها كأوراق البصل، ولكن إلى ما لا نهاية.

دلالات

المساهمون