قلادة الطاقة.. حجارة تمتصُّ الدولارات

قلادة الطاقة.. حجارة تمتصُّ الدولارات

15 يناير 2017
(في محل مدينة أنطاليا/ تركيا، تصوير: ريتشارد كومينس)
+ الخط -

يكاد لا يمرّ يوم من دون أن نرى إعلانًا في التلفزيون أو على الإنترنت، عن أحد المنتجات التي يدّعي موروّجوها، أن ارتداءها يُساعد على أداء التمارين الرياضية وزيادة الثقة بالنفس والتخلّص من "الطاقة السلبية" الموجودة في الجسم.

الأمر تطوّر وأصبحنا نجد رياضيين مشهورين من لاعبي كرة السلة الأميركية أو البيسبول يرتدون سوارات وقلائد "الطاقة"، مثلما يُطلقون عليها، ويدّعون أنها تحقق لهم نتائج أفضل، الأدهى من ذلك هو ظهور تقارير كثيرة على قنوات معروفة مثل "إم بي سي" وروسيا اليوم، تصف القلادة بأنها "مُعجزة الطبّ الحديث".

بداية، علينا أن نعرف أن العِلم لا يُكال بمكيال شعبيّ أبدًا، لا يمكننا أن نرمي بالمصطلحات الغريبة وندّعي العِلم بها، نحن في زمنٍ اكتشفنا فيه موجات الجاذبية وبوزون هيغز، وقد حان الوقت للتخّلص من الخرافات التجارية المنتشرة هذه.

دراسات أكاديمية
علينا معرفة أن هذه المنتجات تدعيّ اعتمادها على عِلم "الريكي"، أو "العلاج بالطاقة" اليابانيّ الذيّ تطوّر، خلال القرن الماضي، بصفته علاجًا شعبيًا يابانيًا، يعتمد على أحجار معيّنة أو حركات للتأمل وغيرها؛ حيث يدعيّ ممارسوه قُدرتهم على شفاء أنفسهم أو شفاء الآخرين عن بُعد.

قد يُصدم القارئ عِندما يعرف أن "علم الريكي" مُصنّف رسميًا على أنه علمٌ زائف، ولا توجد ورقة بحثية منشورة في أي جامعة أو مجلّة علمية رصينة، تُثبت ادعاءات هذا "العلم". بل بالعكس؛ هنالك دراسات عديدة منشورة قد شملت عيّنات إحصائية كبيرة لم تجد دليلًا نظريًا أو عمليًا يُثبت صحّة أقوال مُمارسي هذا "العلم". نعم، الأمر ليس أكثر من هالة إعلامية يَضحك بها أصحاب الشركات المروّجة على الزبائن.

انتشر الموضوع تجاريًا بشكل رهيب، وبين كل فترة قصيرة تظهر لنا شركة جديدة تدعيّ أن القلادة التي تبيعها أو الإكسسوار أيًا كان يُساعد على التخلّص من تعب العضلات، أو آلام المفاصل أو حتى زيادة الثقة بالنفس والقدرة الجنسية.


100 دولار مقابل لا شيء
منطقيًا، ومن أوّل وهلة، كيف يُمكن لقلادة اشتريتها أنت بحوالى مائة دولار، لا تفعل شيئًا أن تزيد قُدرتك الرياضية؟ أو أن تزيد ثقتك بنفسك؟ أقولها وبكل صراحة، أن الشيء الوحيد الذي سيساعد هو أنت، وليس مجرّد حجر ترتديه.

أوّل ادعاءات مروّجي هذه المنتجات، أنها تُنظّم الكهرباء الموجودة في الجسم، فبحسب ادعائهم أن الإنسان يحتوي على أيونات كهربائية، وقد يتخلخل ترتيبها أو يحصل زيادة فيها مسبّبة له عدّة مشاكل وأن القلادة تُساعد على ترتيب الأيونات، وتحديد عددها عند ملامستها الجسم.

في الحقيقة، فإن الموضوع أعقد من ذلك بكثير، فالجسم البشريّ معقّد بما فيه الكفاية، ويكفي اختلاف أو زيادة كهربائية الدماغ أو الجسم، لكي يؤدي ذلك إلى نتائج كارثية، وليس إلى شعور بالتعب والوهن وفقدان الثقة بالنفس، كما أن تنظيم كهربائية الدماغ إن كان فيها خلل، أمر معقّد جدًا، فالأمر ليس كما يصوّره التجّار لنا، جسم الإنسان ليس قطعة من المغناطيس أو المعدن التي تحتوي على أيونات موجبة وسالبة، وبمجرّد لبس القلادة فإن كل شيء ينتظم في مكانه.

الادعاء الآخر، أن القلادة تُساعد على التخلّص من الإشعاع الضار الصادر من الأجهزة الحديثة مثل الجوّالات وأجهزة الكومبيوتر وموجات الواي فاي، التي حسب ادعائهم تزوّد الإنسان بكثير من الطاقات السلبية التي يجب التخلّص منها.

العِلم بتّ في هذا الباب أكثر من مرة، الموجات التي تُصدرها أجهزة الموبايل والواي فاي، ما هي إلاّ موجات كهرومغناطيسية، مجرّد إشعاع غير مؤين يكاد يكون معدوم التأثير ولا يدعو للقلق نظريًا وإحصائيًا أبدًا. ومرّة أخرى، كيف يُمكن لحجر أن يخلّصك من الإشعاعات الضارّة؟


حجر المشاعر
ادعاءات المروّجين لا حصر لها، فالقلادة حسب وصفهم تنقلك من حالة الحزن إلى الفرح، من التعب إلى الطاقة، من الضعف إلى القوّة، ومن الخمول إلى النشاط.

الطريقة التي يدّعي مروّجوا القلادة أنها إثبات لعملها، هو فحص الأيونات السالبة على الحجر في القلادة، عن طريق جهاز يفحص كمية الأيونات الموجودة فيه، وأن هذه الأيونات السالبة تُساعد على التركيز والشفاء كما تمّ الذكر سابقًا.

مرّة أخرى، العلم لا يُكال بمكيال شعبي، لا يوجد أيّ إثبات أن الأيونات السالبة الموجودة على حجر ما يمكن أن تحوّل الحياة إلى الأفضل، حيث نرى في الإعلانات الترويجية أن الأيونات السالبة تصفي الذهن وتجعل المشاهد يشعر أنه سيذهب للفردوس بمجرّد ارتدائها، ولكن، كالعادة، فلا أبحاث علميّة تُثبت هذه الادعاءات ولا أوراق بحثية رصينة، فقط كثير من الكلام في المواقع الترويجية التي توهم القارئين أنها مواقع رصينة.

لكن، قد يتساءل أحدهم ويقول، إنه جرّب القلادة وشعر بتغيّر نفسي ملحوظ، أو ببساطة، لماذا يُحرز الرياضيون نتائج أفضل معها؟

الأمر ببساطة هو إما أنه تضليل إعلامي، أو تأثير البلاسيبو على الأفراد، حيث أن تأثير البلاسيبو يتم استخدامه في اختبار الأدوية في الطب، بتوزيع عينات أدوية مزيّفة وحقيقية، ويتم اختبار التحسّن في المرضى الذين تمّ توزيع العيّنات عليهم، سيكون من المفاجئ للقارئ أن يعرف أن المرضى الذين تم توزيع عينات مزيفة عليهم، قد أظهروا تماثلهم للشفاء وبدت عليهم أعراض التحسّن، هذه الحالة تُسمى طبيًا بتأثير البلاسيبو، حيث يُظهر الشخص علامات التحسّن دون وجود مؤثّر حقيقي، الأمر مجّرد شعور نفسيّ قد ينتهي إلى انتكاسة أو قد يستمر، فالرياضيون الذين يرتدونها سيبذلون جهدًا أكبر لا شعوريًا فقط لفرط ما سمعوه عمّا تفعله هذه القلادة، الأمر ذاته ينطبق على عامة الناس عندما يشعرون بتحسّن نفسي أو بزوال الإرهاق عند ارتدائها.

المساهمون