قفزة حفتر

قفزة حفتر

15 ابريل 2019
+ الخط -
في خطوة مفاجئة، قام الجنرال الليبي خليفة حفتر بحملة عسكرية تستهدف السيطرة على مناطق الغرب الليبي، وخصوصاً العاصمة طرابلس. لم تكن المفاجأة في قيام حفتر بتلك الهجمة من حيث المبدأ، فليس سرّاً أنه يتحيّن الفرصة للانقضاض على مناطق الغرب، وإحكام سيطرته على العاصمة، لكن المفاجأة في توقيت العملية، وما شهدته من تطوراتٍ ومواقف متباينة.
بادر حفتر إلى تحريك قواته صوب الغرب الليبي، قبل أيام فقط من انعقاد "الملتقى الوطني الجامع للقوى الليبية" في مدينة غدامس، برعاية الأمم المتحدة التي كانت تعول عليه في جمع مختلف القوى والفصائل الليبية، بما فيها التي قاطعت اللقاءات السابقة، وكان غيابها عن اتفاق الصخيرات سبباً رئيساً في عدم تنفيذ جميع بنوده. ويكتمل فهم عملية حفتر بالنظر إلى تحرّكاته واتصالاته التي سبقتها، فقبل أربعة أسابيع فقط من حملته العسكرية، التقى حفتر برئيس الحكومة الليبية فائز السراج في أبوظبي، وانتهيا إلى تفاهمات متبادلة حول إقرار حفتر بسلطة السراج السياسية، وقبول الأخير بانفراد حفتر بالسلطة العسكرية. وليس سرّاً أن هذا هو الأمر الواقع فعلياً، ولم يكن يحتاج إلى تفاهم جديد.
وقبل تحرّك حفتر بقواته نحو الغرب بأيام قليلة زار الرياض، استُقبل خلالها كما لو كان حاكم دولة، لا مجرد صاحب مليشيا وقائداً عسكرياً مُنشقاً. وبغضّ النظر عن صحة ومدى دقة التسريبات عن دعم سعودي كبير لتلك الحملة، فإن التتابع الزمني يثير علامات استفهام كبيرة بشأن سياسات الرياض وأبوظبي وتحركاتهما، لا فقط تجاه حفتر ومغامراته العسكرية، بل بشأن الملف الليبي بمختلف جوانبه وأطرافه المتعددة.
أراد خليفة حفتر من هذه العملية التي أطلق عليها "بركان الغضب"، استباق مؤتمر غدامس. لا لزيادة وزنه النسبي، وتعظيم مكاسبه في المعادلة السياسية، فقد كان في وسعه ذلك بوسائل أخرى، وفي أوقات أكثر ملاءمة. إنما الهدف كان منع انعقاد المؤتمر، ونسف المسار السياسي برمته، وتأسيس مرحلة جديدة قوامها سيطرة حفتر الفعلية على معظم الأراضي الليبية. وبالتالي انفراده بالسلطة السياسية، من دون مؤتمرات أو مفاوضات.
لم تتوقع أطراف إقليمية ودولية كثيرة ذلك التصرف المغامر من خليفة حفتر، لكنّ أطرافاً أخرى لم تكن فقط تتوقع، بل ربما وقفت وراء مغامرته، ظناً أنها ستحقق نصراً عسكرياً ساحقاً يغيّر المعادلة الليبية بشكل نهائي، ويفضي إلى مشهد سياسي مختلف جذرياً. مشهد هو بطله الوحيد الذي يملك كل مفاتيح الحكم في ليبيا، ويملك أيضاً المنع والمنح وتصنيف القوى الليبية إلى مسموح بها وأخرى إرهابية يجب إقصاؤها والقضاء عليها.
ونظراً إلى خطورة المغامرة التي قام بها حفتر، فإن فشلها يعني نتائج أشد خطورة، لا فقط على مستقبله السياسي والعسكري، لكن أيضاً بالنسبة لمستقبل ليبيا ككل من منظور الدول الداعمة له. من هنا، لن تكون الانتكاسات التي منيت بها قوات حفتر في محيط طرابلس والمناطق القريبة منها نهاية مغامرته نحو المجهول، بل ستدفعه نحو الهرب إلى الأمام.
لذا، ستشهد الأيام القليلة المقبلة تصعيداً كبيراً في عمليات حفتر العسكرية، وسيستخدم أقصى درجات القوة لتحقيق أحلامه في الزعامة، وأطماع من ورائه في السيطرة على ليبيا وتصفية أي وجود للإسلاميين فيها. ولن يتورّع حفتر عن فعل أي شيء، بما في ذلك هجمات على المدنيين واستخدام أسلحة محرّمة وكل أشكال الانتهاكات الإنسانية. بهدف تحقيق نصر ولو جزئي، يكفل له النجاة عسكرياً، ويحافظ على وجوده سياسياً، وإلا فالهزيمة ستقضي عليه عسكرياً وتقصيه من المشهد الليبي سياسياً. لن تأتي عملية "بركان الغضب" بأنصاف حلولٍ لحفتر وصانعيه، فبعد تفجير البركان، إما انتصار أو اندحار.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.