قطر وتركيا... نواة للتكتل الأمل

قطر وتركيا... نواة للتكتل الأمل

26 نوفمبر 2019
مساع لتوسيع العلاقات التجارية بين قطر وتركيا(كريم جعفر/فرانس برس)
+ الخط -
تركيا، وقبل عشرين عاماً فقط، كانت تشتري البذور لمزارعيها، بحسب اعتراف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل يومين، واليوم باتت في المرتبة السابعة لجهة الإنتاج الزراعي عالمياً.

وكان الأتراك قبل عقدين من الزمن، يتهافتون إلى سورية، ليشتروا السلع الرخيصة، بما فيها المنتجات الغذائية والألبسة، لكن تركيا اليوم، تصدر منتجاتها إلى 130 بلداً حول العالم، وتضع بخطتها خلال مئوية تأسيس الجمهورية عام 2023، توسيع الصادرات إلى بلدان أخرى مستهدفة، منها الصين والولايات المتحدة والبرازيل، لتغزو سلعها تلك الدول المتطورة، ببضاعة مماثلة لإنتاجها، مستفيدة من رخص تكاليف الإنتاج والتطور التكنولوجي الذي حققته تركيا.

باختصار، حقق الاقتصاد التركي، منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة نهاية عام 2002 حتى اليوم، طفرة اقتصادية نقلته من المرتبة 111 عالمياً إلى المرتبة 16 اليوم، ويسعى بحلول مئوية تأسيس الجمهورية للدخول إلى نادي العشرة الكبار.

وتجلى أهم مؤشرات تطور الاقتصاد التركي بارتفاع سعر صرف الليرة، رغم التراجع الذي تعانيه منذ ثلاث سنوات، وبالتالي تراجع الأسعار بنحو عشرة أضعاف والتضخم من نحو 25% إلى نحو 15% اليوم.

كما حقق الاقتصاد التركي قفزة كبيرة بارتفاع قيمة الصادرات لتبلغ نحو 170 مليار دولار والتطلع لوصولها إلى 200 مليار العام المقبل، ما أدى إلى جانب أسباب أخرى، لانخفاض عجز الموازنة إلى 1.8% وارتفاع احتياط النقد الأجنبي إلى أكثر من 120 مليار دولار.

وذلك بالتوازي مع أهداف اقتصادية، بدأ جلها يتحقق، سواء على صعيد المشروعات الكبرى كمطار إسطنبول أو مشروعات البنى التحتية التي تخصص لها الحكومة هذا العام 977 مليار ليرة تركية (148.6 مليار دولار) من الميزانية العامة للبنية التحتية.

وربما السياحة من أهم نقاط قوة الاقتصاد التركي، ليس فقط لأنها جذبت نحو 50 مليون سائح هذا العام وتتطلع لاستقطاب 75 مليوناً بعائد 65 مليار دولار عام 2023، بل ولأن ثمة حمولات ترميها تركيا على هذا القطاع، إذا بدأت من تسويق الإنتاج لا تنتهي عند تسويق السياسة.

ولكن، ثمة وجه آخر لحقيقة الاقتصاد التركي، ربما أبرزها ارتفاع الديون الخارجية وعجز الميزان التجاري، إضافة إلى تراجع سعر صرف الليرة التي وإن استفادت منها الصادرات، لكن آثارها على قطاعات كثيرة بدأت تتجلى، وربما أهمها تراجع مستوى المعيشة.

وأما الاقتصاد القطري الذي لم يثنه الانكماش والحصار المفروض من أشقائه منذ أكثر من عامين عن مواصلة الطفرة الاقتصادية التي ينشدها، عبر الاستفادة من الموارد الهيدروكربونية التي تعتمد على النفط والغاز والبتروكيماويات، وتحرير الاقتصاد وتفعيل دور القطاع الخاص.

فهو الآخر يسعى لنسبة نمو بنحو 3% هذا العام، بعد نمو الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة ذاتها وزيادة مشاركة الصناعات التحويلية.

وتواصل قطر عبر سياسة اقتصادية تتناسب والدخل المرتفع، سواء عبر رفع السيولة الأجنبية وموجودات المصرف المركزي أو حتى عبر تفعيل أدوات مالية عديدة، بمقدمتها سندات الخزامة الأجنبية وتعظيم فائض الميزان التجاري الذي يزيد عن 150 مليار ريال قطري.

لكنه، وبالوجه الآخر، بدأ الاقتصاد القطري يعاني من انكماش يخشى من تعاظمه مع تراجع قطاع الإنشاءات مع اقتراب انتهاء مشروعات كأس العالم 2022 وتراجع السياحة بأكثر من 30%، ما يفرض العودة للاعتماد على الاقتصاد الريعي وتصدير الثروات الباطنية، والذي تحاول الدوحة تبديله.

قصارى القول: إذا استثنينا موقف قطر بمد تركيا بالغاز بعد التوتر التركي الروسي إثر إسقاط أنقرة طائرة حربية روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، فثمة حدثين وضعا قطر وتركيا على خارطة "الأشقاء" وسرعا من التعاون وزيادة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري، فما أن وقفت قطر، بمنظومتها الإعلامية واستثماراتها المباشرة ومواقفها السياسية إلى جانب تركيا خلال الانقلاب الفاشل في 16 يوليو/تموز 2016، حتى أسست لمكانة، ليس لدى الدولة والحكومة فقط، بل ولدى الشعب التركي الذي يقر بدور قطر وفضلها.

لترد تركيا بكليتها، خلال إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر الحصار وقطع العلاقات مع قطر في الخامس من يونيو/حزيران 2017، عبر مد جسر جوي وبحري لنقل البضائع والمعدات إلى قطر التي عوضت سوقها النقص السلعي الذي لفه جراء الحصار، وتابعت بعلاقات واتفاقات، تعدت الاقتصاد والسياسة، لتصل حتى للتعاون العسكري الاستراتيجي وإقامة قاعدة عسكرية تركية بقطر.

خلاصة القول: معقودة الآمال اليوم على الاجتماع الخامس للجنة الاستراتيجية العليا بين قطر وتركيا، ليتعدى المعلن والمألوف، من اتفاقات وزيادة تبادل وتحسين علاقات، بعدما باتت العلاقة الاستراتيجية خياراً حتمياً لكل من قطر وتركيا، بواقع منطقة متوترة تدلل النزاعات الجيوسياسية على استمرارها لعقود.

فالتطلعات الآن إلى توسيع الشراكة لتتعدى القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والتصنيع، إلى إيجاد نواة لتكتل بدأ الحديث عنه عبر قمة مصغرة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بين قطر وتركيا إلى جانب ماليزيا وباكستان وإندونيسيا، أسست له قطر عبر مبادرة بالاشتراك مع ماليزيا وتركيا، لإنشاء 3 مراكز مالية عالمية تشمل الدوحة وإسطنبول وكوالالمبور، لتغطية جميع المعاملات المالية الإسلامية حول العالم، ليكون الاقتصاد منطلقاً لسباعية القمة التي ستستضيفها ماليزيا.

"التنمية الاقتصادية، والدفاع والحفاظ على السيادة، وقيم الثقافة والحرية والعدالة، إضافة إلى مواكبة التكنولوجيا الحديثة" التي تتعدى الحاجة لها، قطر وتركيا، بواقع ضياع الهوية والسيادة والعدالة بمنطقة الشرق الأوسط برمتها.