قطر في عام الحصار.. دولة أقوى وصمود سياسي

قطر في عام الحصار.. دولة أقوى وصمود سياسي

04 يونيو 2018

ضباط على سفينة حربية في ميناء حمد بالدوحة (16/62017/الأناضول)

+ الخط -
أصدرت السلطات القطرية، نهاية شهر مايو/ أيار الماضي، قرارا يمنع استيراد المنتجات الغذائية والبضائع من الدول الأربع المقاطعة منذ عام (السعودية والإمارات والبحرين ومصر). وبذلك أصبحت جميع المتاجر والمحلات في البلاد مجبرةً على إزالة البضائع والمنتجات التي صُنعت في هذه الدول. وهددت السلطات بأن مفتشي الوحدات الإدارية التابعة لقطاع شؤون المستهلك في وزارة التجارة سيمرّون على جميع منافذ البيع والمجمعات الاستهلاكية العاملة في الدولة للتأكد من إزالة البضائع المذكورة ورفعها.
وكان صندوق النقد الدولي قد أصدر، في مارس/ آذار الماضي، تقريرا يؤكد تلاشي التأثير المالي والاقتصادي الذي تتعرّض له قطر من جراء الأزمة الدبلوماسية، وأفاد بأن التأثير الذي تعرضت له النشاطات الاقتصادية غالبا ما كان انتقاليا، كما استحدثت خطوط تجارية جديدة، و"تأقلم" النظام البنكي في البلاد. وأكد التقرير أن التمويل الأجنبي تراجع بعد الأزمة بقيمة 40 مليار دولار، إلا أن ذلك عولج بضخ البنك المركزي القطري والصناديق السيادية الحكومية سيولة، خصوصا من سلطة الاستثمار القطرية.
وجاء قرار الدوحة منع الاستيراد من الدول الأربع مع اقتراب الذكرى الأولى لإعلان هذه الدول بشكل مفاجئ، مقاطعتها دولة قطر، وحصارها برا وجوا، فجر الخامس من يونيو/حزيران 2017، متبوعا بحملة شعواء ضد النظام في قطر، اتهمته بدعم الإرهاب، والتآمر على دول الجوار، وسحب هذه الدول سفراءها من الدوحة، وطلبت الإمارات والسعودية والبحرين مواطنيها المقيمين والزائرين في قطر مغادرتها، كما طلبت من المواطنين القطريين مغادرة أراضيها، كما حظرت الدول الأربع جميع وسائل الإعلام القطرية.

وقد وضعت دول الحصار الأربع 13 شرطا لعودة قطر إلى الحاضنة الخليجية، كان منها إغلاق قناة الجزيرة، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وقطع العلاقات مع إيران، وقطع العلاقات مع "المنظمات الإرهابية"، مثل جماعة الإخوان المسلمين، ودفع تعويضات لدول الخليج الأخرى عن "الخسائر في الأرواح" و"الخسائر المالية الأخرى" الناجمة عن سياسات قطر. غير أن الدوحة في عام الأزمة فتحت شاشات قنوات الجزيرة وصحفها المختلفة للمعارضين الإماراتيين والسعوديين والبحرينيين كما لم تفعل من قبل، وسلطت الأضواء على قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والقمع في هذه الدول.
على الصعيد السياسي والدبلوماسي بين الدول الخليجية الثلاث وقطر، وبعد مرور عام على الأزمة، أعلنت الدول المقاطعة عن تمسّكها بمطالبها من قطر، فيما تبدو الأخيرة صامدة في وجه المقاطعة، مصعّدة خطابها الدبلوماسي والإعلامي ضد الدول المقاطعة. فقد وصف وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في أحد تصريحاته "الأزمة القطرية" (حسبما تسميها هذه الدول) بأنها "صغيرة جدا وليست مسألة مهمة"، وقال "لدينا قضايا أكبر نهتم بها، كالاستقرار في العراق وسورية وليبيا وإيران، والقضاء على التطرف والإرهاب". وأضاف: "نطالب قطر بوقف دعمها الإرهاب والتدخل في شؤون الدول المجاورة". وجاء ذلك في أعقاب ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤولين أميركيين، أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، طلب، في اتصال هاتفي مع ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، بأن تنهي المملكة وشركاؤها العرب سريعا نزاعا مستمرا منذ نحو عام مع قطر الذي تسبب في انقسام حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

ادعاءات وأضرار
أين هي الأزمة الخليجية اليوم؟ وأين قطر بعد عام من المقاطعة؟ يرى وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، الذي يهاجم قطر دائما في تصريحاته الرسمية، وتلك التي عبْر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "لا بارقة أمل الآن لحل هذه الأزمة". وقال، في مقابلة صحافية معه نشرت أخيرا، إن "التواصل مع الإرهابيين في البحرين توقف، لأنهم لا يأتون بشكل مباشر، وإذا كان لديهم تواصل مع الخارج فهو عن طريق إيران، وطرق التواصل مختلفة عبر تمويلهم، وإعطائهم المنصة الإعلامية وغيرها الكثير، يأتون إلى المواطنين في البحرين ويستقطبونهم. هناك جوانب كثيرة تتعلق بيننا وبينهم لم تتوقف منذ عقود، نحن أكثر دول الخليج لدينا خلافات تاريخية مع قطر، لكننا دائماً نحاول أن نقنع الإخوة بحجم ما نواجه من المشكلات، والآن مرّ عام واحد على المقاطعة، وما قمنا به أننا تصدينا للضرر بأنفسنا". وحسب الوزير البحريني، فإن الدول الأربع المقاطعة لقطر ليست في حاجة إلى قطر، لكنها تأمل في عودة الدوحة إلى النسيج الخليجي، لأن في مصلحتها العودة إلى أشقائها الدائمين، مؤكدا أن الدوحة هي المتضرر الوحيد.

وعلى الرغم من أن الدول المقاطعة ادعت، عبر إعلامها الرسمي وغير الرسمي، أنها ستسهل حياة مواطنيها المقيمين في قطر، وستتعامل مع القضايا بمنحى إنساني، إلا أن منظمة هيومان رايتس ووتش وصفت المقاطعة الخليجية لقطر بأنها "تسببت في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، كما انتهكت الحق في حرية التعبير، وأدت إلى تشتت العائلات، كما أدت إلى انقطاع تعليم عديدين، وتشرّد العمالة الوافدة من دون طعام أو ماء"، كما جاء في أحد بياناتها. وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة الحقوقية العالمية، سارة ليا ويتسن: "تنتهك النزاعات السياسية التي يشنها حكام الخليج حقوق سكان المنطقة ممن يعيشون حياتهم بسلام، ويعتنون بأسرهم. وُضع مئات السعوديين والبحرينيين والإماراتيين أمام خيار صعب: إما تجاهل أوامر بلادهم أو ترك عائلاتهم ووظائفهم".
وهو أيضا ما أكدت عليه منظمة العفو الدولية، في تقرير صدر في أعقاب اندلاع الأزمة الخليجية، جاء فيه "إن المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة تتلاعب بحياة آلاف المقيمين في الخليج، في سياق النزاع مع قطر، مفرِّقة العائلات، ومدمرة سبل عيش الناس ومستقبلهم الدراسي". وأنه "ينبغي معالجة النزاعات السياسية بين الدول على نحو يحترم حقوق الإنسان. وما من مبرّر لتمزيق أوصال الأسر، أو قمع التعبير السلمي، أو تعريض مصير العمال المهاجرين للخطر. كما ينبغي وقف جميع التدابير التعسفية فوراً"، حسب ما صرح نائب مدير برنامج القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية، جيمس لينتش.
وقال مواطن بحريني يقيم في قطر، وفضّل عدم ذكر اسمه، في رد على سؤاله عما تغير بعد عام من الأزمة: "ارتفعت أسعار البضائع. ولكن أصبح هناك تنوع كبير في المنتوجات، فبعد غياب المنتجات البحرينية والسعودية والإماراتية، أصبح هناك منتجات تركية وإيرانية ولبنانية وغيرها من البلدان التي أصبحت قطر تعتمد عليها في استيراد المنتجات، خصوصا الغذائية، على الرغم من أن بعض محلات البيع بالتجزئة تعاني مشكلات بسبب وجود مكاتب إقليمية لها في الإمارات".
هذا المواطن البحريني واحد من 11327 مواطنا خليجيا يعيشون في قطر، كما أعلنت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، في يوليو/تموز الماضي، والذين تضرّروا من عدم وجود حدود برية يستطيعون استخدامها لزيارة أهاليهم، وكذلك عدم وجود طيران مباشر. يقول "الأمر الوحيد الذي تغير منذ بدء الأزمة الخليجية قدرتي وعائلتي على زيارة الأهل في البحرين، فأصبح الأمر أطول وأصعب وأغلى، حيث لا طيران مباشرا، والطرق البرية مقطوعة، فارتفعت التكلفة ثلاثة أضعاف، بالإضافة إلى استغراقها وقتا طويلا، ما جعلنا نقلل الزيارات إلى البحرين إلى الحد الأدنى". وأضاف: "في البداية، كان هناك خوف شديد على مصيرنا، وبعد التواصل مع الجهات الرسمية في البحرين أخبرونا بأننا في حاجة لتصريح للعمل والإقامة في قطر. وبعد المتابعة، أخذنا تصريحا شفويا، وهو أمر مقلق، لأنه ليست لدينا أي وثيقة تثبت أن لدينا تصريحا".
ويرى الكاتب والإعلامي العُماني، محمد اليحيائي، أن قطر بعد عام من الأزمة تقترب أكثر من بدء مشروع بناء دولة وطنية على النموذج السنغافوري؛ بتحقيق شرط السيادة الوطنية في علاقاتها الخارجية، وفي سياساتها الاقتصادية. وأضاف: "منحت هذه الأزمة قطر فرصة تاريخية لمراجعة سياساتها السابقة، وعلاقاتها بجيرانها، وبمحيطها الإقليمي والدولي، كما لمراجعة برامجها الاستثمارية الخارجية والداخلية". وشدد اليحيائي على أن من المهم أن تشرع قطر في "الالتفات أكثر إلى تمكين الإنسان في الداخل، والشروع في حزمة إصلاح سياسي ودستوري، يحولها إلى نظام حكم دستوري ديمقراطي، ونموذج ديمقراطي عربي، قادر على إقناع العالم بصواب مسارها ومشروعها الوطني".
ويرى الكاتب البحريني المعارض، والمحاضر في قسم علم الاجتماع في جامعة لوند، عبد الهادي خلف، أنه: "لا يبدو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في عجلة من أمره بالنسبة للأزمة الخليجية التي توفر لبلاده فرصاً إضافية في مجالات متعدّدة. وللأسف ليس لأيٍّ من الأطراف الإقليمية، بمن فيهم قادة السعودية والإمارات وقطر، القدرة على التصرف من دون التنسيق مع الإدارة الأميركية المشغولة الآن بالملفيْن الكوري الشمالي والإيراني". وأضاف: "حيث إن ترامب وحده القادر على تحريك طرفي الأزمة، نحو التسوية أو نحو التصعيد، فهي
ستبقى فترة طويلة مقبلة أزمةً تراوح مكانها، فما قد ينهيها بهذا الشكل أو ذاك أن يتخذ ترامب قراراً بشن حرب مباشرة أو غير مباشرة مع إيران، عندها سيحتاج إلى أن تصطف بلدان الخليج صفاً واحداً"، حسب تعبيره.
وما زالت الكويت متمسكة بالوساطة لحل الأزمة الخليجية، وقد قال نائب وزير خارجيتها، خالد الجارالله: "منذ بدأت الأزمة، والكويت لديها قناعة بأنها ستحل. وإذا كانت قد طالت، فإن شاء الله لن تطول أكثر، ومصيرها إلى الحل، بحكمة قادة دول مجلس التعاون، وبحرصهم على تجربة هذا المجلس. وهذا العمل الخليجي الرائد الذي حقق لنا من الإنجازات الكثير عبر 30 سنة، وحقق لنا من المكاسب الكثير عبر هذه السنوات. وبالتالي، لن تسمح الدول الخليجية بأن تفرّط في هذه المكاسب، وستعمل على تحقيق اللحمة وتحقيق التضامن الخليجي، لما يسهم في طي صفحة هذا الخلاف". وأكد الوزير الكويتي أن وساطة بلاده قائمة ولن تتوقف، وأن هناك جهودا ومحاولات تهدف إلى تحريك الأوضاع المتعلقة بهذه الأزمة، سواء من الكويت أو من الولايات المتحدة.
وقد احتفظ الاقتصاد القطري بمعدل نمو مستقر خلال 2017، مع توقعات بعام مقبل أكثر قوة في 2018، فقد ساهم الحصار في تسريع وتيرة الجهود لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية، حسب تقرير لمؤسسة أوكسفورد بيزنس غروب البريطانية للأبحاث، وهو ما أكده وزير الاقتصاد والتجارة القطري، الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني، في مارس/آذار الماضي، "الاقتصاد القطري أثبت قوته وصموده أمام تحديات الحصار الجائر على دولة قطر، وقدرته على استيعاب جميع آثاره وتجاوزها، بدعم من السياسات الاقتصادية والتجارية الممنهجة التي أرستها القيادة". واعتبر الوزير الحصار بمثابة مرحلة جديدة في مسيرة ترسيخ قوة دولة قطر، وتعزيز استقلالها وأمنها الاقتصادي. وأفاد بأن قطر تغلبت على مختلف تحديات عمليات التوريد إلى السوق المحلي وحركة الموانئ والمطارات، عبر تدعيم خطوطها التجارية القائمة، واستحداث خطوط جديدة ومباشرة مع شركاء تجاريين استراتيجيين في العالم.
avata
avata
نزيهة سعيد

كاتبة بحرينية

نزيهة سعيد