قطر الواقع وأوهام دول الحصار

قطر الواقع وأوهام دول الحصار

07 نوفمبر 2017
+ الخط -
"إذا تقدّموا نحوي متراً واحداً، فإنني مستعد لأن أتقدم نحوهم عشرة آلاف ميل". بهذه الكلمات، أنهى سمو أمير دولة قطر مقابلته مع شارلي روز، مُقدم برنامج 60 دقيقة على قناة سي بي إس الأميركية، الأسبوع الماضي. فكان من باب الكياسة واللباقة الدبلوماسية مقابلة الحُسنى بمثلها، إن لم يكن بأحسن منها. ولكن كيف يكون هذا مع من تحوّل عدم الصدق لديه إلى غريزة مثيرة للدهشة. فالعلاقة بين قطر وجيرانها المحاصِرِين لها قد تسمّمت بالفعل بعد 2014، وقد كان هذا واضحاً لدى دول الحصار، على الرغم من عدم وجوده لدى الجانب القطري، وإن كانت هنالك ريبة تجاه الجيران غير مُعلنة. فالواقع يفيد بأن جيران قطر يريدونها جاراً ضعيفاً وتابعاً وفناءً خلفياً، خصوصاً للمملكة العربية السعودية، كونها واقعة بين جارين من الشرق والغرب، مناكِفين لها، لا يريدانها أن تحكم وتعمل مستقلة بذاتها.
مخاطر الظهور بمظهر الكبير المتغطرس الذي يَعتبِر جميع جيرانِه ممن هم أصغر منه في المساحة تابعين له مسألة تفكير جيل من لا يهتم بالتاريخ. وهذا جهلٌ نابعٌ في الأساس من تاريخهم، يزداد سوءاً اليوم. وهذا حتماً مصدر فشل لأي قيادة سياسية.
تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم فشلاً مطلقاً، بسبب استلام سوء خلَف للقيادة، يعيش خارج واقعه، مثالُ ذلك الإمارات التي تتفنن في خلق وزارات بمسميات تناقض واقعها، كوزارة "السعادة والتسامح" في الوقت الذي يُزَجّ بخيرة شبابها في السجون، التي أشهرها سجن الرزين، وهم الأوْلى بالتسامح والعفو؛ إضافة إلى أنها تريد أن تسبر أغوار كوكب المريخ بينما لا يوجد في مدينة دُبي، على سبيل المثال، نظام صرف صحي. أما جار قطر من ناحية الغرب، فالأمر أدهى وأمر، فالذي يَعرف الواقع السعودي يُصاب بالذهول من نهجها وتوجهها الجديد تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان. يريد تحويل مجتمع بدوي صحراوي، فيه من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ما الله به عليم، إلى كيان عصري قَوامُه روبوتات "صوفيا" وأخواتها المحاكية ألعاب Playstation بكل سلبياتها المناقضة لتكوين شعبه. فهل هذا ممكن في الظروف الحالية، بدون تمثيل سياسي حقيقي، ودستور مدني يحدد علاقة الراعي بالرعية؟ اعتقادي، وإن تفهمت تجاوزاً اضطلاع ولي العهد السعودي بهذه المهمة، فإن الشعب السعودي لن يقبل بها، ولا أعرف كيف سيتم التصدي لها في ظل وجود تيارين واضحين، ردة فعل أحدِهما متطرفة في التعاطف مع هذا التوجه، بصرف النظر عما يعنيه ذلك. بينما يصرّح التيار الثاني، ويلمّح، من وقت إلى آخر، محذراً من الانجراف معه، ولعل ما أبداه الأمير خالد الفيصل أخيراً حيال هذا النهج أكبر دليل على ذلك.
ويلاحظ المتابع لشأن القيادة السعودية الجديدة عدم اتساق توجهها العصري هذا مع اختيارها قيادة المرحلة المقبلة، من حيث وَضْع القيادة الكفؤ فيها، وإنما اعتماد اختبار قادتِها على اجتياز امتحان التملق والتزلف، وكَيل التهم للآخرين داخلياً وخارجياً. إضافة إلى سياسة القمع التي تنتهجها القيادة السعودية تجاه الشعب السعودي، من خلال تكميم الأفواه، والقبض على أصحاب الرأي والرأي الآخر، والمعارضين السياسيين، وكل من لم يؤيّدها في هذا النهج. فكيف لمجتمعٍ بالنهوض، إذا كُمِّمت أفواهُه، واستُبيحت حريتُه، والباحث في العلوم السياسية، موريس ديفرجيه، يقول "حرية الفكر والتعبير ثمرة أساسية لكل تطور اقتصادي واجتماعي".
عموماً، مما أرى في الوقت الراهن إن التيار المتعاطف المندفع في تطرفه لهذا التوجه قادم كالطوفان لاقتلاع حدود المجتمع السعودي المحافظ وسدوده، والعمل على تدمير واقتلاع ما هو متعارف عليه فيه حتى الآن.
أما واقع قطر في ظل أزمة الحصار، فكما يقال "معانقة الحقيقة هو الحقيقة ذاتها"، فنحن القطريون مستبشرون خيراً في القادم. وفي الوقت نفسه، نسعى إلى استدراك ما فات من فرص وطموحات مع دول الحصار، وترميم ما تحطّم من مشاريع معها على صخرة الحصار الظالم في ظل تصدّع كيان مجلس التعاون الخليجي الذي وقّعنا عليه يوماً ما بالإجماع في كونه البيت الخليجي الواحد.
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
مبارك كليفيخ الهاجري

سفير دولة قطر لدى الاتحاد السويسري وإمارة ليختنشتاين

مبارك كليفيخ الهاجري