قطاع الغاز الطبيعي المسال يواجه صدمة كورونا وسط تحول طاقوي عالمي

أحد حقول الغاز الطبيعي في الجزائر
24 اغسطس 2020
+ الخط -

تلقى قطاع الغاز الطبيعي المسال في العام الحالي، أكبر صدمة طلب مسجلة في تاريخ أسواق الغاز الطبيعي العالمية. وضربت جائحة Covid-19 الاقتصادات، لتتزايد توقعات انخفاض ​​استهلاك الغاز بنسبة 4 في المائة في عام 2020، في ظل الآثار المتتالية لانخفاض الطلب على التدفئة بفعل شتاء معتدل بشكل استثنائي حلّ في عام 2019 في نصف الكرة الشمالي، وتنفيذ تدابير الإغلاق في جميع البلدان والأقاليم تقريباً لإبطاء انتشار الفيروس، وانخفاض مستوى النشاط الإنتاجي بسبب أزمة الاقتصاد الكلي الناجمة عن Covid-19.

وبالتزامن مع هذه الصدمة غير المسبوقة، أشارت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها في يونيو/ حزيران الماضي، إلى أن أسواق الغاز الطبيعي تتمتع بإمدادات قوية، ما أدى إلى انخفاض الأسعار الفورية بشكل تاريخي وسط تقلبات عالية. وفي حين من المتوقع أن يتعافى الطلب على الغاز الطبيعي تدريجاً في عام 2021، لكن أزمة كوفيد -19 سيكون لها تأثيرات طويلة الأمد على أسواق الغاز، حيث تخضع المحركات الرئيسية متوسطة الأجل في القطاع، لحالة عدم يقين عالية.
وتراجع الطلب ترافق مع اكتشافات متواصلة لحقول الغاز في أكثر من دولة في العالم، آخرها في تركيا، ما يشير إلى أن المعروض سيكون مرتفعاً في مقابل طلب متناقص، إذ تشهد جميع أسواق الغاز الرئيسية انخفاضاً في الطلب أو تباطؤاً في النمو في أحسن الأحوال، كما هو الحال في جمهورية الصين الشعبية.

أوروبا هي السوق الأكثر تضرراً ، مع انخفاض بنسبة 7 في المائة على أساس سنوي حتى يونيو. ويدفع فائض العرض العالمي المؤشرات الفورية للغاز الطبيعي إلى أدنى مستوياتها التاريخية، بينما تعمل صناعة النفط والغاز على خفض الإنفاق وتأجيل بعض قرارات الاستثمار  أو إلغائها لتعويض النقص الحاد في الإيرادات.

وعلى الرغم من رفع تدابير التقييد تدريجاً، إلا أن التوقعات لا تفترض أن الاقتصادات ستتعافى بسرعة. ونتيجة لذلك، يتجه الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي نحو الانخفاض، حيث تمثل الأسواق في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا وأوراسيا مجتمعة نحو 75 في المائة من استهلاك الغاز المفقود في عام 2020. في مختلف القطاعات، كان توليد الطاقة هو الأكثر تضرراً، حيث شكل نصف إجمالي انخفاض الطلب، يليه القطاع السكني والتجاري ثم القطاع الصناعي.

من المرجح أن تؤدي تداعيات أزمة 2020 على النمو إلى 75 مليار متر مكعب من الطلب السنوي المفقود بحلول عام 2025، وهو ذات حجم الزيادة السنوية العالمية في الطلب في عام 2019.

على الرغم من الانتعاش التدريجي المتوقع في عام 2020، سيكون لأزمة Covid-19 آثار طويلة الأمد على أسواق الغاز الطبيعي. ومن المتوقع أن يتعافى الطلب على الغاز الطبيعي تدريجاً في عام 2021 في الأسواق المتقدمة، وأن ينمو في الأسواق الناشئة بفضل الأسعار المنخفضة. لكن من المرجح أن تؤدي تداعيات أزمة 2020 على النمو إلى 75 مليار متر مكعب من الطلب السنوي المفقود بحلول عام 2025، وهو ذات حجم الزيادة السنوية العالمية في الطلب في عام 2019.

يحدث معظم النمو بعد عام 2021 في آسيا، بقيادة الصين والهند، وفق وكالة الطاقة الدولية، حيث يستفيد الغاز من دعم سياسي قوي. يعتبر القطاع الصناعي في كلا البلدين المصدر الرئيسي لنمو الطلب، ما يجعله معتمداً اعتماداً كبيراً على وتيرة الانتعاش في الأسواق المحلية وأسواق التصدير للسلع الصناعية. ويأتي معظم إنتاج الغاز الإضافي من أميركا والمشروعات التقليدية الكبيرة في الشرق الأوسط والاتحاد الروسي، حيث يمثل انهيار الأسعار الحالي وعدم اليقين في السوق على المدى القصير مخاطر هبوط كبيرة.

وبسبب تأثرها بهبوط الطلب على الوقود والقلق بشأن سوق الطاقة المتقلب، تضغط شركات النفط والغاز على الحكومات من أجل الحصول على أموال عامة وتخفيف المطالب البيئية. 

وخلص تقرير نشره مركز القانون البيئي الدولي (CIEL) إلى أن الشركات الطاقوية الرائدة خسرت ما معدله 45 في المائة من قيمتها منذ بدء أزمة فيروس كورونا، وتطالب الحكومة بعمليات الإنقاذ وعمليات الاستحواذ والتراجع التنظيمي التي تجرّد الحماية البيئية .

صناعة النفط والغاز تشهد انهيارًا ثالثًا في الأسعار خلال 12 عامًا. لكن الهبوط هذه المرة مختلفاً. يجمع السياق الحالي بين صدمة العرض وهبوط غير مسبوق في الطلب وأزمة إنسانية عالمية.

وكتب المؤلفون أنه حتى قبل اندلاع الجائحة، أظهرت الصناعة "علامات واضحة على ضعف نظامي". الآن، قد تدفع الصدمات المزدوجة لانهيار الطلب على الوقود من الوباء وانخفاض أسعار النفط إلى نقطة الانهيار.

في كندا، يتفاوض منتجو النفط والغاز على حزمة إنقاذ بمليارات الدولارات ويدعون إلى تأخير زيادة ضريبة الكربون الفيدرالية. في أستراليا والمملكة المتحدة، تجادل مجموعات ضغط النفط والغاز بأن حماية صناعاتها جزء أساسي من الاستجابة للوباء.

في الولايات المتحدة، موطن عمالقة الطاقة مثل إكسون موبيل وشيفرون، ضغط معهد البترول على الرئيس دونالد ترامب للتنازل عن متطلبات إعداد التقارير البيئية. وطلب المشرعون الجمهوريون من وزارة الخزانة دعم شركات النفط والغاز مالياً.

وتحت عنوان "النفط والغاز بعد كوفيد -19: يوم الحساب أم عصر جديد من الفرص؟"، شرح تقرير موسّع لشركة ماكينزي أن صناعة النفط والغاز تشهد انهياراً ثالثاً في الأسعار خلال 12 عاماً. لكن الهبوط هذه المرة مختلف. يجمع السياق الحالي بين صدمة العرض وهبوط غير مسبوق في الطلب وأزمة إنسانية عالمية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصحة المالية والهيكلية للقطاع أسوأ مما كانت عليه في الأزمات السابقة. وقد ساهم ظهور النفط الصخري والعرض المفرط والأسواق المالية السخية التي تغاضت عن الانضباط المحدود لرأس المال، في ضعف العائدات. اليوم، تسرّع أزمة COVID-19 ما كان يتشكل بالفعل، ليكون إحدى أكثر اللحظات تحولاً في الصناعة.

في حين أن عمق هذه الأزمة ومدتها غير مؤكدين، يشير بحث "ماكينزي" إلى أنه من دون تغيير جوهري سيكون من الصعب العودة إلى أداء الصناعة الجذاب الذي ساد تاريخياً. وفقاً لمسارها وسرعتها الحاليين، يمكن أن تدخل الصناعة الآن حقبة تحددها المنافسة الشديدة، والاستجابة السريعة للعرض التي تقودها التكنولوجيا، والطلب المتناقص، وتشكك المستثمرين، وزيادة الضغط العام والحكومي في ما يتعلق بالتأثير بالمناخ والبيئة. ومع ذلك، في ظل معظم السيناريوهات، سيظل النفط والغاز سوقاً بمليارات الدولارات لعقود. نظراً لدورهما في توفير الطاقة بأسعار معقولة. 

في ظل معظم السيناريوهات، سيظل النفط والغاز سوقًا بمليارات الدولارات لعقود. نظرًا لدورها في توفير الطاقة بأسعار معقولة. 

لتغيير النموذج الحالي، ستحتاج الصناعة إلى الحفر بعمق والاستفادة من تاريخها من التحركات الهيكلية الجريئة والابتكار والعمليات الآمنة والمربحة في أصعب الظروف. الفائزون سيكونون أولئك الذين يستخدمون هذه الأزمة لإعادة وضع محافظهم بجرأة وتحويل نماذج التشغيل الخاصة بهم. الشركات التي لا تفعل ذلك ستعيد الهيكلة أو ستصاب بالضمور حتماً.

من 2005 إلى يناير/ كانون الثاني 2020، فشلت الصناعة العالمية للطاقة في مواكبة السوق الأوسع. في هذه الفترة، حقق متوسط ​​صناعة النفط والغاز نمواً سنوياً بنحو سبع نقاط مئوية 
في ظل معظم السيناريوهات التي وضعتها ماكينزي يمكن أن تنخفض أسعار الغاز خلال الفترة المقبلة.

إذ كان للوباء تأثير فوري، حيث خفّض الطلب على الغاز بنسبة 5 إلى 10 في المائة مقابل توقعات النمو قبل الأزمة. وانخفض الطلب على المنتجات المكررة عامة بنسبة 20 في المائة على الأقل، ما أغرق هذه الصناعة في أزمة. وسيستغرق الأمر عامين على الأقل قبل أن يتعافى الطلب، مع توقعات قاتمة لوقود الطائرات بشكل خاص. وسيزيد الضغط والتقلب في أسعار عقود الغاز الطبيعي المسال العالمية، على المدى الطويل (ما بعد 2035)، حيث سيواجه الغاز الضغوط نفسها التي يواجهها النفط اليوم.

المساهمون